الدرس المصري
محمد زهير الخطيب/ كندا
الدرس المصري جدير بالتأمل واستخلاص العبر والعظات، في 11 فبراير 2011م وأمام المظاهرات العارمة، تخلت دولة الاستبداد والفساد العميقة في مصر عن الرأس (مبارك) لتبقى الدولة العميقة للعسكر التي تتصرف كدولة داخل دولة بما تملكه من امتيازات ومصادر مالية دون محاسبة. والمهمة المعلنة للعسكر هي الدفاع عن مصر! ولكن بعد معاهدة السلام مع اسرائيل أصبح الدفاع أمراً ثانويا وتحول الجيش إلى حامي للدولة العميقة (السلطة) من أي خطر يتهددها! ووضعت لهذا الجيش قوانين وتشريعات خاصة به ولا مثيل لها في أي دولة أخرى! وكأنه دولة داخل دولة، فلا تُعرف ميزانيته، وله مصارف وشركات تأمين، وخطوط شحن وملاحة ومصانع وشركات ويتسوق رجاله في متاجر خاصة، ولهم مستشفيات ونوادي مرفهة، ويعيش كبار ضباطه وكأنهم ملوك! ولتتصوروا حجماستثمارات هذا الجيش فإنه يقرض الدولة الملايين! وله مساعدات أمريكية خاصة لا يستطيع الشعب أن يطلع عليها أو يعرف مصارفها!
في يونيو 24 / 2012م تم الاعلان عن فوز مرسي بمنصب الرئاسة بنسبة 51.73 % من أصوات الناخبين المشاركين وتولى منصبرئيس الجمهورية رسميا في 30 يونيو 2012م بعد أداء اليمين الجمهوري.
كان مرسي في وضع صعب أمام عدة تحديات:
1- في عدم قدرته السيطرة على الجيش
2- وعدم تعاون الكتل السياسية الاخرى معه
3- وعدم تعاون الدول المؤثرة في مصر كامريكا والسعودية والامارات
4- وعدم قدرته على الحفاظ على تأييد (الكتلة المتحركة)، الشريحة الفقيرة المهملة العاطفية التي يتجاوز عددها ثلث المجتمع المصري.
بادر الرئيس إلى إقالة الطنطاوي وعنان في محاولة لتقليص دور العسكر، ولكن يبدو أن هذه الخطوة كانت (ديكور) ولم تشكل أي تغيير حقيقي على هيمنة الجيش.
حاول خرق العزلة الخانقة بالتقرب من إيران ودول البريكس، ولكنه صار كمن ذهب ليشرب من البحر ورجع عطشانا.
حاول إستمالة وإشارك قوى سياسية اخرى، لكنه لم ينجح بالقدر الكافي لفك الاستقطاب الشديد في المجتمع، لقد عول مرسي كثيرا على الشرعية وكأنه في دولة راسخة في الديمقراطية، وما قدر (الكتلة المتحركة) حق قدرها، حتى أن السياسي الراسخ الدكتور رفيق حبيب ذكر بانه كان يلاحظ اللعبة السياسية الانقلابية التي يحيكها العسكر، ولكنه لم يتوقع حجم المظاهرات التي خرجت تطالب بعزل مرسي...
كتل المجتمع المصري بالتقريب: 10% إخوان و 20% إسلاميين.
40% (كتلة متحركة) فقراء ومهملين ذوي ولاء عاطفي متحرك يدور غابا مع الاقتصاد والخدمات وفرص العمل، و تتلاعب بهم لقمة العيش ووسائل الاعلام.
20% ليبراليين وعلمانيين، 10% فلول وعسكر.
نجح مرسي باصوات الاخوان والاسلاميين ونصف أصوات (الكتلة المتحركة)، وقد أدركت الفلول ذلك مبكرا فاستعدت للجولة الثانية، وحاولت كسب (الكتلة المتحركة) وعملت جهدها لافشال مخططات الازدهار والتنمية التي سعى لها مرسي، ونجحت في مسعاها لحد كبير، تجلى ذلك في خلق أزمات الكهرباء والبترول والغاز وتقليل فرص العمل... وضخمت الماكينة الاعلامية هذا الفشل، ونجحت دولارات الفلول والخليج في إخراج ملايين المتظاهرين إلى الميادين لتعطي مسوغاً ثوريا للعسكر بتنفيذ انقلابهم الفاقع بحجة حقن الدماء مما أدى إلى إراقة كثير من الدماء!!!
(الكتلة المتحركة) مع الثورة ومع الرغيف، ، ولما كان مرسي قبل الرئاسة جزءً من الثورة فقد وقفت هذه الكتلة مع مرسي الثوري ضد النظام والفلول، الآن يتراءى (للكتلة المتحركة) أن المعادلة أصبحت الخيار بين السلطة الفاشلة أو (المُفشّلة) متمثلة في مرسي وبين الثورة، فاختارت الثورة... لتقع في حضن العسكر والفلول من جديد.
على مرسي أن يعيد المعادلة الآن من جديد لتصبح بين الثورة والفلول، بين الحرية والاستبداد بين الديمقراطية والعسكر، ولو بقيت بين مرسي وخصومه فقط فلن ينجح مرسي. ومن الصعوبة بمكان أن يتكئ مرسي على الشرعية الانتخابية أمام ما يبدو وكأنه شرعية ثورية.
ولكن جهة حيادية تتصف بالثورية يمكن أن تطرح خارطة طريق حيادية تنتهي بالعودة إلى الديمقراطية وصناديق الاقتتراع من جديد، وهذا ما يحاول أن يفعله ثوريون أفاضل كسليم العوا وفهمي هويدي وطارق البشري... فعسى أن تتكلل جهودهم بالنجاح.
لقد كان في قصصهم عبرة لاولي الالباب.