ثورات السقوط العربي.. !! 

ثورات السقوط العربي.. !! 

سهير أومري

أن تجعل من سبب نجاح عدوك سبباً لسقوطه فإنك بذلك توفر على نفسك عناء حرب ستدفعها لإضعاف قوته ... وعناء كُلفة ستبذلها لإعادة استعباده .... مبدأ شربناه وأكلناه ولبسناه منذ عشرات السنين وما نزال....

خرج المستعمر من أراضينا ولكننا استُعبدنا من حيث ظننا أننا أحرار ...

استعبدنا بالثقافة والإعلام، بالتبعية ، والتغريب ، بحكم أنظمة مستبدة هي في الحقيقة أسوأ من المستعمر لسبب بسيط هو أنها تنطق بلساننا ، وتستعبدنا لحسابه بشعارات الديمقراطية والمقاومة والصمود والتصدي .... تكم أفواهنا وتضيق علينا أنفاسنا بقوانين طوارئ وبعدو مرتقب هي ألد أعدائه ظاهراً وصديقته الودود حقيقة، تسرق خيراتنا لجيوبه ، وتفتح بلادنا لأطماعه ولتصريف منتجاته ....

بعد مدة من الزمن انتشر ما يسمى بالصحوة الإسلامية وظهر جيل متعطش لربه يريد أن يصلي ، ويتعبد ، ويستمع إلى الدروس الدينية ، ويعمل لصالح بلده وووو .... فليكن...... ولكن .....

ولكن على نحو لا يعلو بالجيل ، ولا تقوم لهم قائمة ...

فليتعبَّدوا ولكن عبادة شعائر لا عبادة عمل...

عبادةً تم تفريغها من معانيها ، فأصبحت أداة تخدر الضمائر حيال قضايا الأمة المصيرية ، وتقنع المتعبد أنه أدى ما عليه وزيادة ، فلا هو يلتفت لأمته ومصيرها ، ولا هو يحلم بحال أفضل يمكن أن يحققه لبلده الصغير ووطنه الكبير ...

واكثر من هذا سلَّطت علينا حرباً إعلامية روجت لبرامج دينية - مودرن - تدعو للعمل والعبادة والأخلاق الفاضلة، ولكنها في الوقت نفسه ترسخ مبادئ : الرأسمالية من فردية ، واستهلاك ، وتغريب وتقليد أعمى ، وتشوه بعض القيم الدينية ، وتهبط بمفهوم النهضة إلى مفهوم التنمية المجتمعية .... ووو إلخ

ثم قامت الشعوب لتثور لم يكن همها أن تنهض بمركب الأمة أو تعلي شأنها ، بل لتزيل عن كاهلها عبء سنين من العبودية ، وتتنفس معنى الحرية...

فكان لبعضها ما أرادت ولكن ......

- طالما أن هذه الشعوب استساغت طعم الثورات ، ورأت أنها بها تكسر قيوداً أرهقتها لعقود مضت – فلتثر ولتخرج بجموعها التي لا تحصى ولكن .... ألا يمكن أن تكون هذه الثورة أيضاً مركبا تسير به نحو العبودية ، ونحو مزيد من العبودية ... ؟!!

ما المشكلة أن تخرج الشعوب إلى الميادين والساحات :

لتحقق لنفسها حرية - العبودية ! -

ولتشرعن في ربوعها ديمقراطية - الاستبداد ! –

ولتعلي لنفسها حضارة - السقوط !-

ولتنادي بعدل - الظلم ! –

ولترتقي في مهاوي - التبعية والذل والخضوع !!! -

ألا يمكن أن يكون ذلك كله بالثورات!!!

نعم يمكن ... القصة لا تحتاج إلا إلى إعلامٍ يغسل الأدمغة ، ويزور الحقائق ، ويقلب المفاهيم ، ويتصيد الأخطاء ، ويشوه الصواب ، ويستغل ضعاف النفوس تارة ، والأغبياء المغيبين تارة أخرى ...... !!!

وبعدها فلتقم الثورات كما تشاء من المحيط إلى الخليج ...

ثورة تذهب بمستبد وتأتي باحتلال

وثورة تقضي على طغيان وتأتي بهامان

وثورة تزيح حجب السرقة والاستغلال لتجعل موارد البلد نهباً مشاعاً لأطماع وأجواف لا تملؤها إلا النيران ...

إذن ثورة مضادة تقنع الشعوب أننا ما زلنا على طريق الثورة سائرين ، ومن أجل الحق والعدالة مناضلين ....

ولكننا في الحقيقة لسنا إلا عرائس تحركنا ماكينة إعلام ترسم حدود الشرق الأوسط الكبير ، وتزرع بالألغام أرضنا ما بين الفرات إلى النيل ، وتحضِّر لعمائم كسرى عروشاً أكبر ، ولبطن النمرود موائد أكثر ، ولرأس قارون تيجان أثمن ...

حقيقة نحن فيها ، فلينشرها من وعاها ، وليصرخ بها في أذن من غابت عنه أو طمس الجهل ونهيق الإعلام أفقه ، فلم يتبين خبثها وإلى أي حدود سيبلغ مداها...