المرأة العربية والأعمدة في حياتها
عبير الطنطاوي
سمعت في إحدى المحاضرات الشقية للأستاذ العريفي قال مقولة رائعة مفادها :
أن المرأة قبل الزواج تستند إلى عدة أعمدة في حياتها كالأب والأخ والوظيفة والصديقات و..و.. ولكنها حين تتزوج فإنها ترمي بكل تلك الأعمدة وراء ظهرها وتستند في حياتها على عمود واحد وهو زوجها فتصور ماذا يحصل لتلك المرأة لو انهار ذلك العمود الوحيد بالموت أو الطلاق أو الزواج من أخرى ... ثم ما هذا المنزل القائم على عمود واحد لابد من أنه مختل وغير موزون ....
هذه المقولة حركت في نفسي أشجاناً وأفكاراً وحقائق .. فمع الأسف يأتي الرجل إلى حياة زوجته يريد منها أن تكون له وحده .. فتهمل وظيفتها وعملها .. وتقطع صلتها بأقرب الناس إليها ... وتتقاعس عن واجباتها تجاه والديها وأهلها ... بل وربما تعادي بعض أقربائها ... وتنفر من أعز صديقاتها .. كل هذا وهي تسعى وتلهث لتصل إلى رضاه وحده حتى ولو كان هذا الرضى مبنياً على غضب من الله وعدم الرضى من داخل نفسها .. فتراها محطمة يائسة حزينة لأنها لم ترض نفسها أولاً وخسرت محبة واحترام من حولها ثانياً ومع ذلك لم تكسب قلب زوجها وهو لايزال يتذمر ويشكو الإهمال واللامبالاة من قبل الزوجة التي خسرت وضيعت دينها من أجل رجلها وتوأم روحها في نظرها .. ولكنها تجد فجأة نفسها وقد ضيعت حقها وحق من له حق عليها وأولهم ربها في سبيل سراب ووهم ... فزوجها يفاجئها بضيق حاله منها ومن عيالها وأنه لم يعد يصبر عليها وأنه يريد أن يتزوج بأخرى أو يطلقها أو يهجرها .. وفي أحسن الأحوال ربما يريد أن يسافر ويتركها تدير حياتها بنفسها بعد أن سحب ثقتها بنفسها وجعلها تتكل كل الاتكال عليه وفجأة قرر الرحيل .... فماذا سيحل بمنزل وحياة تلك المسكينة سوى الانهيار لأن العمود الوحيد تضعضع وبدأ يتفتت وينهار فيجرف معه امرأة وعدد من الأطفال حياة أسرة كاملة تغرق في بحار الحياة الصعبة العميقة بلا منقذ ولا منجد إلا الله ....
كم سمعت من قصص وقصص رويت عن تلك الأرملة التي أصيبت بانهيار عصبي وشبه جنون فلم تعد قادرة على إدارة أولادها وحياتها بعد وفاته .. وكم من مطلقة اضطرت إلى الاستغناء عن أولادها لتتزوج من آخر لأنها أضعف من أن تعيش وتربي وتنشيء جيلاً لوحدها ..وكم من امرأة هجرها زوجها أو تزوج فوقها أو سافر وتركها فتراها تبتسم في وجه هذا الساقط وذاك اللاقط علها تعوض عن عقدة النقص التي فيها أن من جعلته الوحيد والمحور في حياتها قد غادر وتركها أو قهرها بإمرأة أخرى فتراها تريد أن تشبع أنوثتها ونهمها وعطشها للحب والحنان بطرق ملتوية محرمة ....
هذا مجتمعنا وهذه نظرتنا للمرأة فالعانس والمطلقة والأرملة و .. و .. يعتبرهن المجتمع حشرات وأمراض في هذا المجتمع مع علو نسبة العنوسة والطلاق وغيرها من هذه الظواهر في المجتمعات العربية .. ومع الأسف المرأة تحتقر المرأة المصابة بإحدى تلك المشاكل وتخاف أن تدخلها حياتها حتى لا تحسدها أو تسرق زوجها الذي هو عمادها الوحيد في هذه الدنيا ولو كان من يدمر آخرتها ...أما الرجل العربي فإننا نراه يطمع بتلك المرأة ويجدها صيدة سهلة ولقمة سائغة مهما كانت منزلتها رفيعة أو أسرتها راقية ...
ماهذا المجتمع ؟ ومن أين جاء بتلك العادات ؟ فإن الإسلام ما احتقر إنسان من رجل أو امرأة لأي سبب وما فضل إنسان على إنسان إلا بالتقوى ... إلى متى نبقى آخر الأمم وقد أكرمنا الله بخير الرسل !!! إلى متى غيرنا يطبق ديننا وأخلاقنا بلا أجر ونحن ننبذ أخلاقنا وديننا بالوزر !! إلى متى مجتمع الذكورة يسيطر على عقولنا وتفكيرنا وحتى ديننا !! إلى متى يا رجل تأخذ عقل المرأة وقلبها وصحتها وجمالها وحياتها ثم تغادر وتترك حياتها كبيت فقد جدرانه الأربعة فالريح تعصف فيه من كل الجهات .... إلى متى يا مسلمين تتأخرون عن المجتمعات الأخرى بأفكاركم ومعتقداتكم التي ما أنزل الله بها من سلطان ..
لو الرجل غض بصره وأعطى كل ذي حق حقه ما وصلنا إلى ما وصلنا إليه .. ولغضت المرأة بصرها وحافظت على نفسها لتقدمها طاهرة لزوجها النظيف .. فتنظف الأسرة ويتطهر المجتمع .