عشرون ألف إنسان ( مسلم عربي ) مهجرون في ريف الحسكة
عشرون ألف إنسان ( مسلم عربي )
مهجرون في ريف الحسكة
هل من يبالي يبالي ...!؟
زهير سالم*
ما أن يرتفع صوت ، صادقا أو مدعيا ، أن بضعة رهط من أصحاب الهويات الهامشية قد تعرضوا للأذى في وطننا سورية حتى ترتفع الأصوات من المحيط إلى المحيط منددة مستنكرة منذرة متوعدة فهذا يعرب عن قلق ، وذاك يعلن عن تعاطف ، وثالث يمد يدا بنجدة ، ورابع يمد أخرى بإنكار على من اتُهم أو نُسب إليه السوء. وكل ذلك فيما نعتقد ونؤمن واجب إنساني ضروري إن كان ( الصريخ ) إنكارا وإنذار أو إغاثة أو رد لهفة أو تفريج كرب يصدر عن شعور إنساني نبيل الأصل أن أن يشترك كل البشر فيه ، فيغضب الإنسان لمساءة الإنسان ، ويُهرع في كل ظرف وحين إلى مساعدته وإغاثته وكف الأذى عنه ..
ولقد دأب الوطنيون السوريون من حملة لواء هذه الثورة على اختلاف ما بينهم على تأكيد وحدانية المواطنية السورية ، والحرص على حمايتها وكفالتها ، والتنديد بمن بسط إليها يدا بسوء ؛ دون أي تمييز على أسس دينية أو مذهبية أو عرقية . كما دأب الوطنيون السورين على إظهار التوجع أكثر عندما تمتد يد ( الشرير ) مهما تكن خلفية هذا الشرير إلى إحدى المكونات المجتمعية الأصغر عددا وليس مكانة على أي خلفية من الخلفيات المذكورة . هذه المكونات المجتمعية الصغيرة التي ظل المجتمع السوري الكبير وعاءها وحاضنها وحاميها وراعيها على مدى قرون متطاولة من الزمان يوم لم يكن في العالم مجلس أمن ولا أمم متحدة ولا مواثيق ولا منظمات حقوق إنسان ..
ومع أن المغتصبين لاسم هذا العالم ( المتحضر ) الذي ينتمي السوريون إليه بحكم الضرورة الوجودية التكوينية ؛ ما زال يتهم الشعب السوري بالتعصب والعنصرية ( العرقية والدينية والمذهبية ) زورا وبهتانا ؛إلا أن هذا ( المتحضر ) ما زال يطلع علينا اليوم بعد اليوم بألحانه ( العنصرية ) التمييزية التي تصدح في محفل وتخرس في آخر ، وتغضب لجريمة صغرى وتغضي عن أخرى كبرى ...
لا يستطيع الإنسان المتجرد من كل أنواع التعصب العنصري ( العرقي والديني والمذهبي ) أن يقدم للسوريين، كل السوريين ، تفسيرا يشرح فيه كيف أخذت بلدة صغيرة عزيزة على قلوب كل السوريين في لحظة من اللحظات الدولية مكانة أهم من سورية كلها ، وكيف تفوق المئات من سكانها في لحظة دولية على ملايين سورية العشرين ؟! ثم كيف تكرر ذلك في بلدة اسمها ( عين العرب ) أو ( كوباني ) التي لقيت من الاهتمام الدولي ما لم تلقه الثورة السورية عبر الأربع سنين ...
لا أحد عاقلا أو موضوعيا يستطيع أن يفسر للسوريين كيف حركت مجموعة من المواطنين العراقيين الكرد اليزيدين الطائرات الأمريكية ثم طائرات التحالف الدولي بدوله الخمسين في حين عجز عن ذلك عشرة ملايين من المهجرين السوريين لا يجدون كنا ولا ظلا ..
وبالأمس كان صوت العالم مدويا منذرا مرعبا مدافعا عما نزل بالعشرات أو بالمئات من أهلنا الآشوريين في سورية . وكلنا ضد أن تمتد يد بسوء إلى أي سوري آشوري أو سرياني أو كردي .. ولكن وفي وسط الضجيج العالمي لما نزل بالعشرات أو بالمئات من الآشوريين من محنة وبلاء وشر كان ؛ ما يزيد على عشرين قرية سورية سكانها ( عرب مسلمون ) تقتحم وتطهّر ، وكان ما يقرب من عشرين ألف مواطن سوري ( عربي مسلم ) يشرودن وينتهكون على أيدي قوى تشبيح أسدية كالحة نرفض بكل المعايير أن نطلق عليها لقب ( كردية ) لأننا سنظل نؤمن أن التشبيح والإرهاب والظلم لا دين له ولا مذهب له ولا عرق له ...
ما يقرب من عشرين ألف مواطن سوري وكان بودنا أن نكتفي بهذا الوصف أخرجوا من ديارهم في جريمة تطهير عرقي ووسط حرب إبادة يشنها مجرمون أسديون وحلفاؤهم على أبناء سورية ، كنا نود أن يلقوا من الاهتمام الإنساني والدولي عشر ما لقيه نصف عُشرهم من المواطنين السوريين الآشوريين ولكن أحدا من الذين يغضبون ويهددون ويستنكرون ويتوعدون لم يبالِ بما وقع على هؤلاء المواطنين أو البشر المستضعفين. ...
لن تستطيع السياسات الدولية متعددة المكاييل والعنصرية التمييزية أن تستجرنا إلى مستنقعها ، مستنقع الإثم والكراهية والعنصرية والتمييز ؛ وسنظل نعلي انتماءنا للإنسان وللوطن ونؤكد أننا ضد كل ما يقع على المواطن السوري من أذى ، وضد كل من يحاول أن يمسه بسوء مسلما أو مسيحيا عربيا أو كرديا ..
وضد ما وقع على أهلنا المواطنين في منطقة الحسكة وريفها وقراها عربا ومسلمين ومسيحيين وآشوريين..
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية