تداعيات حل أول برلمان في مصر بعد الثورة
تداعيات حل أول برلمان في مصر بعد الثورة
بدر محمد بدر
في مثل هذا الأسبوع من العام الماضي عاشت مصر حدثين مهمين، الأول هو حل أول برلمان منتخب بحرية ونزاهة وديمقراطية بعد الثورة، شارك في اختيار أعضائه لأول مرة أكثر من ثلاثين مليونا من المصريين، وذلك بقرار مريب من المحكمة الدستورية العليا يوم الخميس 14 من يونيو، ليطفئ أول أحلام المصريين بعد ثورتهم المجيدة، ببناء مجلسهم التشريعي على أساس ديمقراطي حر.
حل البرلمان بهذه الصورة المؤسفة غير القانونية وغير الديمقراطية، تم في عهد المجلس العسكري السابق، وأعلن عدد من السياسيين، ومن بينهم رئيس حزب الوفد، معرفتهم بقرار الحل قبل أن يصدر، بل وكشفت حوارات وكتابات قضاة في المحكمة الدستورية بعد ذلك، أن النية كانت مبيتة لهدم هذه المؤسسة المنتخبة، التي أنفقنا على بنائها حوالي ملياري جنيه، نكاية في الإسلاميين الذين فازوا بثلاثة أرباع مقاعد مجلس الشعب وكشفوا عن عمق الجانب الديني لدى المصريين عامة.
لكن الخسائر المادية والمعنوية والسياسية التي حلت بالوطن، في ظل هذا الغياب القسري والمتعمد للبرلمان، تبدو كبيرة وجسيمة وخطيرة، إذا أدركنا أهمية الوظيفة الحقيقية لهذا المجلس التشريعي والرقابي، والذي كانت مهمته تتمثل في إصلاح المنظومة التشريعية والقانونية الحالية، لكي تلبي طموحات وآمال الشعب في حياة إنسانية كريمة، ومناقشة المشكلات التي يعاني منها المجتمع، إضافة إلى مناقشة الموازنة العامة للدولة، وغلق كل أبواب الفساد المفتوحة، ومراقبة أداء الحكومة.
وسوف يظل حل أول برلمان بعد الثورة بهذه الطريقة المريبة، وصمة عار في تاريخ المحكمة الدستورية، وكل من ساعد على تنفيذ قرارها، الذي أهدر إرادة الشعب المصري كله، بدعوى أن هناك مواطنا تضرر من ترشح الأحزاب على المقاعد الفردية! إذن فليمت الجنين والأم حتى تنجح العملية! لقد أدرك الجميع بوضوح أن هناك هيئات ومؤسسات وأفراد لا يريد الاستقرار لهذا الوطن، ولا يزالون يسعون بكل قوتهم لمنع إجراء انتخابات نيابية جديدة، نكاية في الإسلاميين!
إن تأخير استكمال المؤسسة التشريعية حتى الآن، وبذل كل الجهود من أجل تأخير الانتخابات، وحرمان الشعب المصري من جهود البرلمان في الإصلاح والرقابة، ودعم بناء مشروع نهضة مصر التي نتمناها ونحلم بها، يهدف إلى عرقلة أي إنجاز للرئيس المنتخب، وإلقاء الأحجار والأشواك في طريقه حتى يثور الناس ضد حكمه، لكن الصورة أيضا باتت واضحة للجميع، وأخشى أن يثور الشعب الواعي، لا ضد الرئيس المنتخب، ولكن ليواجه كل من يحاول أن يمنعه من العمل.
ولولا فضل الله، ثم جهود المخلصين من أبناء هذا الوطن، الذين نجحوا في تحصين مجلس الشورى الحالي في الدستور الجديد، ومنحه الصفة التشريعية المؤقتة، حتى يتم انتخاب مجلس جديد للنواب، لنجح هؤلاء المفسدون في إهدار وجوده أيضا، وعلينا أن نتخيل كيف لبلد بحجم مصر أن تعيش بلا مجلس تشريعي وإذا كان البعض يمني نفسه بأن حظوظ الإسلاميين سوف تقل في البرلمان القادم فهو واهم، لأن قوة الإسلاميين تكمن في إلتحامهم برجل الشارع في ربوع مصر.
أما الحدث الثاني الأهم في مثل هذا الأسبوع من العام الماضي فهو الإعلان عن فوز الدكتور محمد مرسي، كأول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، بعد انتخابات حرة ونزيهة جرت على مرحلتين، قال فيها الشعب كلمته بكل وضوح، وانحاز فيها بحكم تكوينه الحضاري وعمقه الديني لمن يمثل الثورة، ويحمل مشروعا حقيقيا وواقعيا لنهضة الوطن، ينبع من قيم الإسلام الحنيف، وسوف يقف الشعب خلف من اختاره قائدا، وإن غدا لناظره قريب.