إيران ومشروعها الاستراتيجي ...
إيران ومشروعها الاستراتيجي ...
عقاب يحيى
فرق كبير بين أن تملك مشروعاً تعمل لتحقيقه بكل السبل والوسائل.. وبين أن تكون خالي الوفاض تخبط خبط عشواء,,,,,
ـ في أول اشهري في الجزائر.. وكانت تجربتها ببصمات الراحل هواري بومدين حارة.. سألت سائق تكسي عما يراه فرقاً بين مرحلتي بومدين والشاذلي.. أجابني مختصراً : بوميدن كان يفكر للغد.. والشاذلي يعمل كل يوم بيومه ..
ـ أليس هذا هو حال العرب بنظمهم.. وتلوناتهم.. وتعدد أنماط الحكم فيهم ـ وإن تشابهت في الجذر ـ ؟؟...
ـ نعم الأمة ومن يوم سقوط مشروعها النهضوي على يد حملته، ومن يوم خيانة ونحر تلك النظم المرتدة عنه.. لا تملك اي مشروع خاص بها.. حتى على مستوى الأقطار، والدويلات والإمارات.. بينما تجوب المشاريع الاستراتيجية منطقتنا من بلدان محيطة ..
ـ لنضع الكيان الصهيوني ومشروعه الاستراتيجي جانباً باعتبار معروف السمات والأوصاف، وكذا الحالة التركية التي عرفت، ومنذ تحولات أتاتورك، من الإمساك بأعمدة مشروع لها، يعمل حزب العدالة والتنمية على تطويره بما يتوافق وخلفيته الإديولوجية، وفكره، ووعيه، وقد نجح في نقل تركيا مسافات مهمة على طريق التنمية، والتطور الشامل..
ـ لنقف عند العمود الثالث في مثلث الأطراف المهمة في المنطقة : إيران ..ونتعرف على أهم خصائص مشروعه :
ـ إيران الشاهنشاهية لم تك خالية الوفاض من مشروع إمبراطوري يعيد أمجاد فارس في المخيال المتجدد .. فقد بنى الشاه أنوية ذلك المشروع، وكان حليفاً قوياً للصهيونية والغرب.. وقطع فيه خطوات مهمة.. يقال أنها السبب في دعم الخميني وثورته .
ـ الخميني الذي يعتبر نفسه : باسمه، وبالعمامة السوداء التي يرتدي.. سيدلاً ينتسب لآل البيت، وللإمام الحسين بالتحديد ـ وجميع أصحاب العمائم السود، أو السادة ـ نجح في الدمج بين القومي الخاص والديني لبلورة مشروع إيراني يجوب المنطقة ويملأ فراغاً رهيباً في الأوضاع العربية .
ـ مشروع الخميني لم ينجح في تحويل الحالة المذهبية إلى إسلامية عامة.. رغم محاولات السنوات الأولى من عمر الحكم الجديد، ولعل الحرب مع العراق كانت المصدّ الأكبر لتلك المحاولات، ناهيك عن التراث الأقلوي المحقون بتعبئات التاريخ وما يثيره من استعداء العرب على العموم، والسنة منهم على وجه الخصوص، ودور بلدان الخليج المرعوبة من التطاول الإيراني.. وما يعنيه من أخطار لها على مستوى الإقليم، وداخلها . لكنه نجح في امتطاء فلسطين : القضية الأهم بالنسبة للعرب، وعموم المسلمين.. وفي حين كان النظام العربي يتهاوى تنازلات وتسولاً وتوسلاً، ويفرط بالثورة الفلسطينية، ويتركها وحيدة، عدا عن التآمر وعمليات التطويع والتدجين والشق والاحتواء، كان النظام الإيراني يرفع وتيرة الرفض، ويتبنى خط المقاومة الذي مارسه حزب الله سنوات في الجنوب، واكتسب عبره تلك المكانة والسمعة، والقوة، والانتشار..
ـ اصحاب المشاريع الواضحة يعرفون وسائل التكتيك والكمناورة . الشدة والمرونة.. العلني والمخفي..وإيران نموذجاً صارخاً لتناوب الوسائل المؤدية إلى تحقيق المشروع بأفضل السبل، وانجعها .
ـ المشروع الإيراني الذي نجح ـ بدعم أمريكي وصهيوني ـ في تحويل العراق إلى منطقة نفوذ.. وإخضاع الوضع السوري بظل الوريث وسياساته، وطبيعته الفئوية ـ نجح أيضاً في إحداث اختراقات مهمة في المجتمعات العربية إن كان ذلك عن طريق تأييد سياسته المعادية، ولو شكلاً، للصهيونية وكيانها، أو عبر عملييات تشييع واسعة مشفوعة بقدرات مالية وترغيبية كبيرة..
ـ الثورة السورية وقفت في حلق هذا المشروع، وهي تهدده في الصميم باعتبار أن سورية قاعدة مهمة له، وجسر العبور إلى المنطقة، ومن هنا فإن انكشاف وعلنية التدخل الإيراني، ودفع حزب الله إلى الدخول الغازي، ومعه مليشيات طائفية أخرى من العراق، وربما من اليمن أيضاً، يضع المشروع الإيراني، وجهود العقود وترتيباتها.. في كفّ مصير الثورة ونجاحها.. وبما يعني استعداد النظام الإيراني لخوض المعركة مباشرة إنجاداً لبؤبؤ العين، وقاعدته : نظام الطغمة، وإنجاح المشروع الاستراتيجي.
ـ ووفقاً لتقديرات النظام الإيراني.. فإن نجاح روحاني برئاسة الجمهورية لا يخرج ـ جوهراً ـ عن تلك الأشكال المتناوبة من الوسائل التي تقتضيها الظروف..
ـ روحاني ابن المؤسسة الدينية ـ الأمنية بامتياز، وهو مقرّب جداً من الخامئني، وفي الهيئة العليا لمكتبه، وإصلاحيته لا توازي شخصيات أخرى معروفة كخاتمي ورفسنجاني ومنتظري وغيرهم، وإن كان محسوباً عليهم بشكل ما، أو أقرب إليهم من صقور "المحافظين".. لكنه.. ابن المشروع، وفي صميمه، وسيحاول بوسائل أمرن وألين مواجهة التبعات التي نجمت عن مواقف أحمدي نجاد، خاصة لجهة الحصار الاقتصادي، والعقوبات، والعلاقة مع الغرب عموماً، والولايات المتحدة على وجه الخصوص..
ـ روحاني.. وكي لا نذهب بعيدا في التفاؤل.. لن يقدر على الاقتراب من الخطوط الحمراء المقرة، والتي منها الوضع السوري، مهما كانت نواياه في استبدال التدخل المباشر بوسائل أخرى.
ـ مع ذلك.. ولأن السياسة تمور بالاحتمالات والمتغيرات.. فإن خطاً إصلاحياً في إيران، وعقلانياً.. يمكن أن يفتح المجال لوضع جديد تخفف فيه إيران النظام من تدخلها العلني في بلادنا، واقله سحب قواتها من حزب الله وغيره..