قناة إسرائيلية منافسة للسويس
كاظم فنجان الحمامي
هذه صفحة أخرى من صفحات المشاريع الملاحية المحرضة على تفجر المعارك المينائية, بركان اقتصادي ستجتاح حممه الشرق الأوسط في السنوات القليلة القادمة, ومرحلة صعبة ستواجهها المرافئ العربية في خضم الصراع المينائي المنبعث من أوكار العواصم العربية المتواطئة مع قوى الشر. .
من بوبيان إلى إيلات
توسعت المخططات الخبيثة عبر الحزام الجغرافية الناسف الممتد من جزيرة بوبيان إلى ميناء إيلات, فانطلقت شرارتها الأولى عام 2005, في اليوم الذي عقدت فيه إسرائيل اتفاقيتها الثنائية مع الأردن في السادس من مارس (آذار) للتعاون المشترك على حفر وتعميق (قناة البحرين), فالبحر الأول يمثل الخطوة الأولى لربط البحر الأحمر بالبحر الميت كمرحلة تمهيدية للمباشرة بحفر البحر الثاني, الذي سينحرف غرباً نحو البحر الأبيض المتوسط عند مقتربات ميناء (حيفا), فاجتمع النائب الأول لرئيس الوزراء (شمعون بيريز) في تل أبيب مع وزير خارجية الأردن (هاني الملقي) للتباحث في تنفيذ هذا المشروع الاستفزازي, الذي أعلنوا فيه الحرب على قناة السويس. .
إما شرارتها الثانية فقد انطلقت في العام نفسه (2005) عندما سارعت الكويت إلى طرح مشروع (ميناء بوبيان) من دون الرجوع إلى مجلس الأمة, بذريعة الرد على تصريحات مضر شوكت من المؤتمر الوطني, التي اقترح فيها تأجير جزيرة (وربة) أو جزيرة (بوبيان) لتكونا منفذاً بحرياً جديداً للعراق, الذي انكمشت مياهه الإقليمية في شط العرب وخور عبد الله, ولم تعد لديه أي إطلالة معتبرة على الخليج العربي. .
وهكذا كان عام (2005) هو العام الذي شهد الانقلاب الزمني غير المتوقع في حلبة التنافس المينائي بين حوض الخليج وحوض المتوسط, فباشرت الكويت بتنفيذ مشروعها في السادس من نيسان عام 2011 بعد زوال المنغصات العراقية, التي وقفت بوجهها للمدة من 2008 إلى 2010. .
إما المخططات الإسرائيلية لحفر قناة بديلة لقناة السويس فقد اتخذت من الصمت العربي غطاءً لها لممارسة الضغط على مصر, وحرمانها من سيطرتها المطلقة على هذا الممر الدولي الاستراتيجي الحيوي. .
من نافلة القول نذكر ان مشروع القناة الإسرائيلية مشروع قديم جددته الحرب البنتاغونية ضد العراق, على خلفية المطالبات الشعبية الدولية بغلق قناة السويس بوجه الأساطيل الغربية المتوجهة لغزو الميزوبوتاميا. .
سيناريوهات الممرات الملاحية الخبيثة
وهكذا ولدت فكرة القناة البديلة من جديد تحت مظلة التعاون الأمريكي الإسرائيلي الأردني, الذي حمل في جعبته ثلاثة سيناريوهات لحفر القناة:
السيناريو الأول: قناة تسير في خط مستقيم من (إيلات) بامتداد وادي عربة شمال البحر الميت, وتنحرف غرباً لتتصل بميناء حيفا, وهي بطول 390 كيلومتر.
السيناريو الثاني: قناة تمر من موقع قريب من قرية (أم الرشاش) المصرية في إيلات وتتجه شمالاً, مستغلة وادي عربة, ومخترقة صحراء النقب, وصولاً إلى وادي غزة على البحر بطول 280 كيلومتر. .
والسيناريو الثالث: قناة تقع إلى الشمال من الثانية متصلة بالبحر الأبيض المتوسط عند ميناء (أشدود), بطول 300 كيلومتر. .
مما لا ريب فيه ان المخططات الصهيونية التوسعية تتجاوز البحث عن قناة بديلة لقناة السويس, فهي تسعى لبسط سيطرتها على حوض البحر الأحمر من مضيق باب المندب إلى مضيق تيران, فكانت إسرائيل أول من طرح فكرة تدويل باب المندب ومجموعة الجزر العربية المتحكمة بالمضيق, ثم اتجهت لتعزيز علاقاتها مع إثيوبيا وكينيا والصومال, فأقامت قواعدها العسكرية في (عصب), و(مصوع), وجزر (دهلك, وحالب, وفاطمة), ووسعت علاقاتها مع اريتريا, التي تمتلك شواطئ تزيد على (2000) كم على البحر الأحمر, وبالاتجاه الذي يهدد الأمن البحري اليمني والسوداني والمصري والسعودي, ناهيك عن اقترابها من مدخل مضيق هرمز من جهة خليج عمان وبحر العرب. .
قناة بن غوريون الاستفزازية
قررت إسرائيل منذ سنوات أن تطلق اسم السفاح الصهيوني (بن غوريون) على قناتها الملاحية الاستفزازية, باعتباره المسبب الأول في تدفق انهار الدم المراق على الأرض العربية المغتصبة, فجاء اسمه مكملا لحلقات البطش والقتل والعدوان. .
ستكون القناة الغوريونية بعمق (50) متراً, وعرض (110) أمتار, وستستغرق مدة حفرها ثلاث سنوات, وسيعمل في المشروع حوالي (150000) عاملاً من جنوب شرق آسيا, إما الكلفة الإجمالية فتقدر بحوالي (14) مليار دولار أمريكي.
ستزيد القناة الغوريونية من قدرات السفن والزوارق الحربية الإسرائيلية, وتمنحها مرونة الحركة والتنقل بين البحرين (الأحمر والأبيض). .
تخطط إسرائيل لجني المزيد من الموارد المالية عن طريق تفعيل الأنشطة السياحية على ضفتي القناة بسلسلة من الفنادق والمطاعم الفخمة وبأجور رمزية تنافسية, وفي نيتها توسيع ميناء إيلات والارتقاء بمستواه على وفق المعايير الدولية المستقبلية, وبات من المؤكد أن الأردن ستكون الدولية العربية الوحيدة, التي ستستفيد من خراب قناة السويس, وستتطوع البنوك الأمريكية لتقديم الدعم المالي لتغطية تكاليف المشروع بقروض سخية وفوائد بسيطة تدفعها إسرائيل بالتقسيط المريح على مدى (30) عاماً. .
قناة مائية وأخرى فولاذية
ما الذي نتوقعه من الأشرار غير الشر والدمار, فمن شب على شيء شاب عليه, ولن يهدأ بال تل أبيب إلا باختلاق المضايقات, وصناعة المنغصات, وافتعال الأزمات, وليس أدل على هذا السلوك الشرير من نواياها الخبيثة لتدمير اقتصاد مصر عن طريق قيامها بلعب دور الناقل الأرخص والأسرع والأكبر, وبذريعة الخروج من عزلتها الاقتصادية عبر قناة أخرى للسكة الحديد, في خطة شيطانية أعدتها في الخفاء, وستنفذها بالتنسيق مع كبريات الشركات الصينية, لبناء منظومات متكاملة لخطوط السكك الحديدية, لربط ميناء إيلات بميناء حيفا والمدن الأخرى بشبكة متكاملة لاستلام بضائع السفن القادمة من البحر الأحمر, ونقلها براً بعربات القطار إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط, ومن ثم نقلها بحراً إلى الموانئ الأوربية, عن طريق الالتفاف على قناة السويس بهدف تحييدها أو تعطيلها أو التأثير عليها. . .
لقد كان لمذكرة التفاهم التي وقعت عام 2012 في (بكين) بين وزير النقل الصهيوني (يسرائيل كتس Yisrael Katz), ووزير النقل الصيني (لي شينغلن Li Shenglin), الأثر الكبير في تفعيل مشروع الربط السككي بين البحرين, ومن المتوقع أن تتمدد شبكة السكة الحديدية لتشمل ميناء العقبة الأردني لغايات مريبة لا يمكن البوح بها الآن. .
التوأم المصري لقناة السويس
لا مجال لإفشال المشاريع الصهيونية الخبيثة إلا بحفر قناة مصرية جديدة موازية لقناة السويس, والسعي لربط خليج العقبة بالبحر المتوسط بخطوط سريعة للسكك الحديدية, فالقناة المصرية المقترحة ينبغي أن تكون مناظرة لقناة السويس ومجاورة لها, ومن المؤكد انها ستزيد من الموارد المالية لمصر, وتميت المشاريع الصهيونية في مهدها, وربما ستجعل مصر في طليعة المراكز التجارية الدولية. .
من المرجح أن تباشر مصر بحفر القناة التوأم في خليج العقبة على بعد ثلاثة كيلومترات من الحدود الدولية, بحيث يكون مدخلها الجنوبي في مرفأ (طابا) الحدودي, ويكون مدخلها الشمالي غرب (رفح) المصرية, أي على بعد ثلاثة كيلومترات من الحدود المصرية مع (غزة), ما يعني ان طولها سيبلغ (212) كيلومتراً. .
يقول الجيولوجيون: ان القناة العربية التوأم لا تكلفنا كثيراً, لأن مسارها يمر بصخور ورواسب مطلوبة اقتصادياً لصناعات كثيرة, مثل مصانع الأسمنت والسيراميك والزجاج والأحجار والجرانيت. .
ويقول الملاحون: ان القناة العربية الثانية سوف تخدم الأردن والسعودية بالإضافة إلى مصر لقرب بوابتها الجنوبية من موانئ المنطقة, وستكون عبارة عن قناة مختصرة تختزل الطريق بين مرافئ البحر الأحمر ومرافئ البحر الأبيض, وسوف تختزل أيضاً زمن انتظار السفن من خلال تنظيم قوافل السفن القادمة والمغادرة عبر ممرات القناة المزدوجة (السويس وشقيقتها التوأم). .
ويقول الجيوبولوتيكيون: انها ستتحول إلى مانع مائي يوفر الحماية الحدودية على الجبهة الشرقية, وربما تتحول المواد المحفورة إلى ساتر ترابي يعزز المصدات الحدودية. .
فهل ستسارع البنوك العربية لتقديم الدعم والمؤازرة لهذا المشروع الذي سيبتلع المشاريع الصهيونية ؟, وهل سيتبرع الزعماء العرب مثلما تبرعوا للناتو والبنتاغون ؟, وهل ستتلقى مصر القروض المالية السخية من أشقائها وشقيقاتها ؟؟. هذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة المصيرية المؤجلة ستجيب عليها الجامعة العربية, التي لم تجمعنا حتى الآن على كلمة واحدة. .
والله يستر من الجايات