(إسرائيل) والصين: تقارب ولغة مصالح
(إسرائيل) والصين:
تقارب ولغة مصالح
مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية
بعد يوم من العدوان الإسرائيلي على سوريا ورغم التوتر والمخاوف من التصعيد؛ إلا أن (نتنياهو) لم يُلغِ أو يؤجل زيارته للصين لما تنطوي عليه الزيارة والالتقاء بالقيادة الصينية الجديدة، وتطوير العلاقات الثنائية بينهما من أهمية بالغة في نظر الحكومة الإسرائيلية، هذه العلاقة التي بدأت تُثمر وتتطور بشكل متسارع ولافت للنظر، بحيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين ما يُقارب العشرة مليارات دولار سنوياً، متضاعفاً بأكثر من 200% منذ أن بدأت هذه العلاقات سنة 1992 بتبادل تجاري قدره خمسون مليون دولار.
منذ عقود خلت؛ دأبت (إسرائيل) باستمرار على الانفتاح في علاقاتها السياسية والاقتصادية آسيوياً، وتحديداً تجاه الصين والهند انطلاقاً من مصالح اقتصاديـة ومن رؤيـة سـياسـيـة صهيونيـة قديمـة، تقوم على توطيد العلاقات والتحالف مع مراكز الثقل والقوه في العالم، لإدراكها الدائم وادراك (هرتزل) من قبل أنـه لا بد لتأمين وجودها من تأمين التحالفات مع القوى الكبرى في العالم، لكن التوجهات الإسرائيلية لإقامة علاقات وتعزيزها مع الصين كانت دوماً تصطدم ببرود وتجاهل صيني، على الرغم من أن (إسرائيل) كانت الدولة الشرق أوسطية الأولى التي تعترف بدولة الصين الشعبية سنة 1950، وكانت مصر الدولة الثانية سنة 1955، وعلى الرغم أيضاً من أن (إسرائيل) كانت من أوائل الدول التي صوتت لصالح انضمام الصين لمنظمة الأمم المتحدة سنة 1971.
الصين الشعبية منذ خمسينيات وحتى ثمانينيات القرن الماضي بنت منظومة علاقاتها الخارجية انطلاقاً من رؤية ومفاهيم زعيمها المؤسس (ماوتسي تونغ) الذي وضع الصين كقطب أساسي في خارطة الصراع الكوني والحرب الباردة، وكانت حرب الكوريتين والصراع مع تايوان والصراع مع الهند، إضافة إلى مبدأ التضامن الأممي مع الشعوب المضطهدة، ومقاومة الاستعمار والنفوذ الإمبريالي الذي أسس له في مؤتمر (باندونغ) 1955، كل ذلك شكل أساساً لعلاقات الصين الخارجية على المستويين السياسي والاقتصادي، فرغم الغزل الكبير من قِبل (إسرائيل) تجاه الصين منذ (موشيه شاريت) الذي أعقب (ديفيد بن غوريون) و(أبا إيبان)؛ ظلت الصين تنظر (لإسرائيل) على أنها جزء من منظومة الاستعمار الإمبريالي، فوطدت علاقاتها مع العرب وتحديداً مع مصر عبد الناصر والعراق وسوريا والجزائر، وتبنت الموقف العربي كاملاً من القضية الفلسطينية، واعترفت سنة 1965 بمنظمة التحرير كممثل للشعب الفلسطيني، بل وفى نفس العام استقبلت زعيمها الراحل أحمد الشقيري استقبالاً شعبياً ورسمياً.
بعد نهاية الحرب الباردة والتحولات السياسية على الصراع العربي الإسرائيلي؛ توقيع إتفاقية (كامب ديفيد) ومفاوضات مدريد بين العرب و(إسرائيل)، وانفتاح الاقتصاد الصيني الكبير على العالم، واحتياجها المضطرد للتقنية والأسواق الاقتصادية، جرت تحولات سياسية كبيرة على سياساتها الخارجية لترجمة مصالحها الاقتصادية، وترجمة لتحولها إلى دولة عظمى تُنافس الاحتكار الأمريكي لقيادة عالم القطب الواحد، لذلك تغيَّرت سياسة الصد (لإسرائيل) بسياسة الترحيب والانفتاح أكثر وأكثر بإقامة العلاقات السياسة مع تل أبيب، وتعميق التعاون الاقتصادي الذى توّج بفتح السفارات وتبادل البعثات الدبلوماسية بين البلدين سنة 1992، وبزيارة الرئيس الصيني التاريخية الأولى (لإسرائيل) سنة 2000، والتي شهدت توقيع الكثير من إتفاقيات التعاون الاقتصادي بين البلدين.
قطار العلاقات الإسرائيلية الصينية الذي انطلق رسمياً سنة 1992 يسير بسرعة كبيرة، وبدون توقف ـــــ رغم بعض العقبات والأزمات التي انحصرت في مجال صادرات (إسرائيل) للصين في الصناعات الأمنية "طائرات بدون طيار، طائرة فالكون وكفير" بسبب الرفض الأمريكي ـــــ وتبادل البعثات والزيارات على أعلى المستويات مستمر، رؤساء ورؤساء وزارة؛ زيارة (أولمرت) 2007 ووزراء خارجية واقتصاد ورؤساء أركان ومستويات أمنية واستخباراتية كبيرة، وهذا يُدلل على البعد الأمني الاستخباري في العلاقات، كما أن الأسطول الصيني حلَّ ضيفاً على قاعدة حيفا البحرية.
الدوافع الإسرائيلية
(إسرائيل)، وتحديداً بعد الأزمة الاقتصادية التي عصفت بأمريكا والغرب ولا زالت، وفي ظل التحولات الكونية الكبرى التي تُشير إلى التراجع الأمريكي كدولة قطبية واحدة، وظهور قوتي الصين والهند، والنمو الاقتصادي الكبير للصين 10% سنوياً، وهو أعلى معدل نمو اقتصادي في العالم، ولأن للصين دور سياسي هام في المنطقة يؤثر على (إسرائيل) أمنياً وسياساً (الموقف الصيني من إيران وسوريا والصراع العربي الإسرائيلي) وللحد من التأثير العربي في السياسات الصينية، ولضمان موقع الصديق للتنين الصيني المتعاظم، لكل ذلك قررت (إسـرائيل) اعتبار تعميق العلاقات مع الصين أحد أهم توجهاتها الاسـتراتيجيـة في العقود القادمـة في المجال الاقتصادي، مؤتمر هرتسـليا الثامن سـنـة 2009 اعتبر الانفتاح الاقتصادي على الصين توجهاً اسـتراتيجياً يجب أن يحظى بأولويـة كبرى من قِبل حكومـة تل أبيب؛ الحكومة من جهتها أجرت سنة 2010 تقييماً لمستقبلها الاقتصادي، وقررت أنه يقع في الصين والهند، وفي سنة 2011 قررت انفاق 28 مليون دولار من أجل مساعدة الشركات الإسرائيلية المصدرة للصين، ويُظهر تصريح (نتنياهو) ومطالبه لوزرائه بالإكثار من زياراتهم للصين والهند في ظل مطالبته لهم بتقليص كل الزيارات الخارجية الأخرى أهمية الصين بالنسبة لتل أبيب...!!!
الصين بالنسـبـة (لإسـرائيل) لم تعُد سـوقاً لاسـتيراد المنسـوجات والصناعات الرخيصـة؛ فالشـركات الاقتصاديـة الإسـرائيليـة تبحث في الصين اليوم عن التمويل الصيني لتتحول إلى شـركات بقدرات عالميـة وقدرات تنافسـيـة... وقد اسـتطاع القطاع الخاص الإسـرائيلي توقيع أكثر من إتفاقيـة شـراكـة واندماج، كما أنها تطمح لتوقيع الكثير من العقود في مجال الطاقـة المتجددة وتحليـة مياه البحر والصناعات الزراعيـة والكيميائيـة والتقنيـة، والسـوق الصيني يُعتبر سـوق واعد ومتعطـش في هذا المجال، هذا فضلاً عن تصدير الصناعات الأمنيـة التي يسـمح بها برتوكول التعاون الأمريكي الإسـرائيلي..!!
الدوافع الصينية
الصين التي تحتاج البترول والغاز العربي والإيراني والإفريقي، وتحتاج التقنيات الإسرائيلية والتكنولوجيا الإسرائيلية والصناعات الأمنية، وتبحث عن دور ـــــ ولو رمزياً ـــــ في عملية السلام من خلال تعيين مندوب صيني لعملية السلام، فهي لا زالت مضطرة لأن تُراعي مصالحها لدى العرب والمسلمين، وفي نفس الوقت تعزيز مصالحها المتنامية مع (إسرائيل)؛ فهي بحاجة (لإسرائيل) للحصول على التكنولوجيا وعلى التقدم الإسرائيلي الصناعي والزراعي، و(إسرائيل) لا زالت مدخلاً لأمريكا، و(لإسرائيل) اليوم نفوذ يتنامى في افريقيا.
ورغم الاختراق الكبير في المجال الاقتصادي؛ إلا أن المواقف السياسية لا زالت أقل تأثراً؛ حيث لا زالت الصين تحرص على استمرار تمسكها بمواقفها المعلنة من الصراع وتداعياته، فقد حرصت على استقبال أبو مازن قبل يوم من زيارة (نتنياهو)، وحرصت أيضاً في يوم زيارة (نتنياهو) على إدانة العدوان على سوريا عبر تصريح يرفض استخدام القوة العسكرية وخرق سيادة الدول، لكن المواقف الصينية تتحول ـــــ وإن ببطء ـــــ ، فلغة المصالح هي الأهم، وقد شـهدنا بدايات هذا التحول عندما رفضت الصين في الدورة الرابعـة لمنتدى التعاون العربي الصيني مايو 2010 الاعتراف بالقدس كعاصمـة للدولـة الفلسـطينيـة، مما أثار انتقاداً واسـتغراباً عربياً للموقف الصيني!
غياب الدور العربي
إن تراجع دور وتأثير الدول العربيـة في الحلبـة الدوليـة بات مفضوحاً ومحزناً ويزداد تدهوراً يوماً بعد آخر، وفي المقابل يزداد التأثير الإسـرائيلي بشـكل مضطرد بدبلوماسـيـة (بن غوريون) الناعمـة... فمن يقف على حقيقـة النفوذ الإسـرائيلي المتنامي في حديقـة العرب الخلفيـة في قلب أفريقيا يشـعر بالفاجعـة التي ألمت بالعرب ولن يسـتغرب التحولات في سـياسـات الصين والهند... فأين نحن من زمن عبد الناصر عندما كانت أفريقيا وآسـيا وأمريكا اللاتينيـة مصوتون دائمون للحق العربي بدون تردد، لكن من يرهن إرادتـه بإرادة الامريكان والغرب ويرضى بالتبعيـة الذيليـة لهم لن يكون قادراً على الفعل، وليـس من حقـه أن يلوم الآخرين، وربما توجه مرسي بإعادة تقييم علاقات مصر الخارجية ومحاولاته الانفتاح على الصين وروسيا والانقلاب على السياسات المصرية الخارجية المذلة في عصر مبارك؛ ربما تُمثل بريق أمل في إعادة بناء العلاقات الخارجية العربية التي تقوم على المصالح وتمثل إرادة الشعوب الحرة.