هل يعتبر الرهان على المسالك الدولية للباكلوريا المغربية من أجل إصلاح المنظومة التربوية رهانا صائبا وموفقا
هل يعتبر الرهان
على المسالك الدولية للباكلوريا المغربية
من أجل إصلاح المنظومة التربوية
رهانا صائبا وموفقا؟؟
محمد شركي
يتفق المغاربة بالإجماع على أن منظومتهم التربوية تعاني من اختلالات كبرى تلمس عن كثب من خلال مخرجاتها ولكنهم يختلفون في طرق إصلاحها . وللشعب تصوره الخاص به للإصلاح كما أن لأصحاب القرار تصورهم الخاص بهم ، فالمنظومة الناجحة الموفقة في نظر الشعب هي تلك المنظومة التي تحقق أحلام فلذات الأكباد وأولياء أمورهم حين ينهون دراستهم فيجدون مناصب الشغل طوع أيديهم بينما المنظومة المرغوب فيها بالنسبة لأصحاب القرار هي تلك المنظومة التي لا ترهق ميزانية الدولة ، وتكون في نفس الوقت وسيلة امتصاص البطالة وتداعياتها خصوصا المهددة للاستقرار والأمن . وحال الشعب وحال أصحاب القرار كحال المشتغل عند عمه كما يقول المثل الشعبي يطمع في أجر جيد من عمه بينما يطمع عمه في تشغله دون أجر، فالشعب يطمع في إصلاح المنظومة على أصحاب القرار ، وهؤلاء يعولون عليه في الإصلاح ، ولا المعول ولا المعول عليه يمكنه معالجة معضلة فشل المنظومة التربوية وإن كانت المسؤولية عن ذلك مشتركة بين الجميع . ويقع الإجماع بين الجميع على أن مسلسلات إصلاح المنظومة باءت بالفشل خلال عشرية ورباعية تلتها . وقبل أن تنهي الوزارة الوصية عن الشأن التربوي استشارتها التي أطلقتها الموسم الدراسي الماضي ، والتي ستعرض نتائجها على مجلس أعلى ليقول كلمته فيها انطلق مشروع المسالك الدولية للبكالوريا المغربية في شكل تجارب بدأت توسع حسب منطوق المذكرة الوزارية رقم : 369.14 في موضوع : مسطرة التوجيه إلى المسالك الدولية للبكالوريا المغربية بتاريخ 06/06/2014.ومعلوم أن مشروع إحداث مسالك دولية للبكالوريا المغربية يدخل ضمن محاولة إصلاح المنظومة التربوية المختلة إلا أنها كباقي المحاولات السابقة مفروضة من طرف أصحاب القرار أو الأوصياء الذين أطلقوا عملية الاستشارة الخاصة بإصلاح المنظومة .ومشروع إحداث المسالك الدولية دليل على صورية الاستشارة لأن أصحاب القرار قد حزموا أمرهم أو قطعوه .والسؤال الذي يطرحه المواطن المغربي اليوم هو : هل بالفعل يعتبر الرهان على مشروع المسالك الدولية رهانا صائبا وموفقا من أجل إصلاح المنظومة التربوية المختلة ؟ وهل مشكلة منظومتنا تكمن في ضعف ناشئتنا في اللغات الأجنبية فقط ؟ أوليس ضعف هذه الناشئة بين وواضح في كل المواد الدراسية ،كما أن ضعفها في اللغة العربية لا يقل عن ضعفها في اللغات الأجنبية؟ وهل مجرد الرفع من الحصص الأسبوعية للغات الأجنبية كفيل بالرفع من مستوى المتعلمين ؟ أليس الضعف في مادة من المواد سواء كانت لغة أو غير ذلك له أسباب غير قلة الحصص الأسبوعية ؟ وهل تفوق المتعلمين في اللغات الأجنبية يكفي لتفوقهم في بعض المواد الدراسية ؟ وهل تعتبر اللغات مسؤولة عن ضعف أو تفوق المتعلمين في تلك المواد ؟ إن مشروع المسالك الدولية للبكالوريا المغربية إنما هو دوران في الحلقة المفرغة للتعريب والتغريب منذ الاستقلال إلى يومنا هذا . لقد رحل عنا المحتل الفرنسي بعدما فرض علينا التبعية في كل المجالات بما فيها المجال التربوي فاضطررنا لدراسة مواد دراسية بلغته ، وكانت المخرجات بطبيعة الحال مخرجات تحاكي مخرجات تعليم المحتل . وجاءت بعد ذلك موجة التعريب ووجد المدرسون الذين كانوا يدرسون بعض المواد باللغة الفرنسية أنفسهم مضطرين لتدريسها باللغة العربية ، و قد عرضهم ذلك لصعوبات جمة بل كانوا موضوع تندر وهم يخلطون بين التحدث بالعربية العرجاء وسبب عرجها العامية التي لم يجدوا عنها مندوحة وبين الفرنسية . وكما اتهم المدرسون بالعجز عن التدريس بالعربية المواد التي كانت تدرس بالفرنسية ، وسخر منهم بسبب ذلك ،فها هم اليوم يتهمون بالعجز عن العودة إلى التدريس بالفرنسية بعد عقود من التدريس بالعربية ، وعليهم ينطبق القول المشهور : " اصعد لتأكل الباكور اهبط من قالها لك " . والمألوف في ما يسمى محاولات إصلاح المنظومة هو إبقاء المنظومة على حالها مع اعتماد مرهم من المراهم تماما كما حصل حينما تبنت الوزارة الوصية ما يسمى بيداغوجيا الإدماج التي أسقطت أو نزلت على برامج لا توافقها فترتب عن ذلك خلل وارتباك، علما بأن صاحب تلك البيداغوجيا كان قد اشترط تمرير بضاعته البيداغوجية عبر برامج توافقها في حين قرر أصحاب القرار عندنا تنزيل بيداغوجيا الإدماج على ما أعطى الله من برامج لأن هاجسهم مادي وكان شأنهم كشأن حضور منتوفة الرأس حفل العرس . وها هم أصحاب القرار اليوم يعيدون حكاية زواج المتعة بين برامج حالية وبين المسالك الدولية من خلال الاحتفاظ بالبرامج المعمول بها مع تدريس بعض المواد باللغات الأجنبية والزيادة من عدد حصصها . وعندما نتأمل كيفية انتقاء المتعلمين الراغبين في ولوج المسالك الدولية نجد الوزارة الوصية تجعل اللغة العربية مع مواد أخرى في كفة بنسبة 50 في المئة واللغات الأجنبية الثلاث الفرنسية والإسبانية والإنجليزية في كفة أخرى بنفس النسبة . وهل بالضرورة أن يكون المتعلمون المتفوقون في هذه اللغات الأجنبية مفوقين في المواد التي تدرس بها ؟ أليست المواد العلمية بلا وطن ورهن إشارات كل لغات العالم ، وأن الأمر يتوقف على عزائم وجهود أصحاب هذه اللغات والتي تجعلها حمالة المواد العلمية ؟ والمسالك الدولية إلى جانب ذلك إن صح أنها خيار صائب تضرب مبدأ تكافؤ الفرص في الصميم ، أو لم يجهز وزير التربية السابق على مؤسسات التميز، واعتبارها تمييزا بين أبناء المغاربة تذكر بالتعليم زمن الاحتلال والذي كان يميز بين أبناء المحتلين ومعهم أبناء الأعيان وبين أبناء سواد الشعب ؟ وهل المسالك الدولية وقد وزع بعضها على أكاديميات دون أخرى شيء يختلف عن مؤسسات التميز التي اعتبر وزير جامع الفنا شطبها من المنظومة التربوية نصرا من الله وفتح قريب ؟ ولا شك أن لعنة فعلته لحقته فشطب هو من الوزارة ، وأخذت بعده مؤسسات التميز شكل المسالك الدولية لأن الوزير الفرنكوفوني الحالي يريد أن تسلك الناشئة مسلكه وهو لا يريهم إلا ما يرى ولا يهديهم إلا سبيل الرشاد . وأخيرا كان الله في عون المنظومة التربوية في بلادنا ، وكان في عون الناشئة والتي لا زالت كما كانت دائما فئران تجارب أو رؤوس يتامى تتعلم فيها الحجامة . وإن إصلاح منظومتنا التربوية أكبر من المسالك الدولية، ومن تدريس المواد باللغات الأجنبية ،ومن الزيادة في حصص هذه الأخيرة ، ومن وضعها في كفة ووضع باقي المواد الدراسية في كفة أخرى عند انتقاء من يلج المسالك الدولية.