الرئيس الأمريكي يعطي لنفسه حق الحديث عن الشرعية الإسلامية في قمة البيت الأبيض لمكافحة الإرهاب
الرئيس الأمريكي يعطي لنفسه
حق الحديث عن الشرعية الإسلامية
في قمة البيت الأبيض لمكافحة الإرهاب
محمد شركي
بلغ الأمر برئيس الولايات المتحدة الأمريكية حد إعطاء نفسه حق الحديث عن الشرعية الإسلامية في قمة مكافحة الإرهاب المنعقدة في البيت الأبيض . وبهذا تصل الولايات المتحدة إلى أقصى الحدود في محاولة فرض وصايتها على الإسلام في إطار سياسة العولمة التي تفرضها بمنطق القوة . فمن المعلوم أن الشرعية الإسلامية هي شأن إسلامي يتداوله المسلمون فيما بينهم ولا دخل فيه لمن كان خارج دائرة الانتماء الإسلامي . والذي جعل الرئيس الأمريكي يحشر أنفه في قضية الدين الإسلامي هو تورطه في الصراعات الدائرة في منطقة الشرق الأوسط ، و هي صراعات سببها الرئيسي هو طمع الولايات المتحدة ودول غربية في ثروات النفط العربي . والحكاية من البداية كما يقال هي أن ما يعني الغرب بزعامة الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط هو ثروة البترول لا غير . ولقد لجأ الغرب إلى حيل من أجل تحقيق هدفه الاقتصادي المحض بدءا بحيلة استنبات الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي لتكون حماية هذا الكيان ذريعة تبرر تدخل الغرب في منطقة الشرق الأوسط . وبالفعل تدخل الغرب في هذه المنطقة منذ تأسيس الكيان الصهيوني ، وخاض حروبا إلى جانب هذا الكيان ، وتمخض عن هذا التدخل إقامة الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة قواعد عسكرية دائمة في منطقة الشرق الأوسط قريبة من ثروة البترول . ومع تمادي الغرب في تأييد الكيان الصهيوني وهو كيان عنصري توسعي يحلم بإقامة وطن صهيوني بمساحة جغرافية واسعة تمتد من فرات العراق إلى نيل مصر ،وهي مساحة تشمل جزءا مهما من ثروة البترول التي تسيل لعاب الغرب ، مع هذا التمادي الغربي ، وأمام عجز الأنظمة العربية في استرداد ما اغتصبه الكيان الصهيوني نشأت نقمة على هذا الغرب بين الشعوب العربية والإسلامية خصوصا وأن الأرض التي اغتصبها هذا الكيان لها دلالة ورمزية دينيتين . ومعلوم أن الكيان الصهيوني نفسه يبرر احتلاله لهذه الأرض بذريعة دينية . ولا غرابة أن تنشأ فكرة مقاومة إقامة كيان محتل يتذرع بالدين على أساس ديني . ولقد حاول الغرب نزع الصبغة الدينية من الصراع العربي الصهيوني إلا أن ذلك لم يتحقق له لأن الكيان الصهيوني نفسه يرفض إبعاد المعطى الديني عن احتلاله للأرض العربية فبالأحرى أن تقبل بذلك الشعوب العربية والإسلامية . ويحاول الغرب منذ عقود البحث عن حل لقضية الصراع العربي الصهيوني ،وهو صراع ديني بامتياز . وعن طريق سياسة الضغط والتهديد استطاع الغرب أن يفرض سياسة الأمر الواقع على الأنظمة العربية ، وهي سياسة قبول وجود كيان صهيوني في قلب الوطن العربي الشيء الذي ترفضه الشعوب العربية التي تعتبر الاحتلال الصهيوني مساسا بدينها قبل أن يكون احتلالا لرقعة جغرافية ، وكان هذا هو سبب الخلاف بين الأنظمة العربية وشعوبها حيث تراهن هذه الأنظمة بضغط من الغرب بزعامة الولايات المتحدة على ما يسمى مسارات السلام مع الكيان الصهيوني ،بينما تريد الشعوب العربية تحرير الأرض المحتلة . ومع تماطل الكيان الصهيوني في ما يسمى مسارات السلام وتسويفه مع الأطراف العربية التي أجبرت على هذا الرهان مقابل تشبثه بإنشاء المستوطنات ورفض عودة اللاجئين ، ونهج سياسة العدوان المستمر كان لا بد أن تنشأ مقاومة شعبية كرد فعل على الممارسات الصهيونية ، وهي مقاومة ذات مرجعية إسلامية بحكم علاقة الأرض المحتلة بالإسلام . وعمل الغرب بزعامة الولايات المتحدة على خلق هوة بين الجهات العربية المراهنة على مسارات السلام مع الكيان الصهيوني وبين الجهات المراهنة على مقاومته . وانعكس هذا التفريق حتى على أصحاب القضية الفلسطينية حيث اشتغل طيف بالرهان على المفاوضات بينما تشبث آخر بالمقاومة . والغرب وتبعا لمصالحه وأطماعه في ثروات البترول يقف مع الطيف المفاوض ، ويحارب إلى جانب الكيان الصهيوني الطيف المقاوم . ولما كان الطيف المقاوم يعتمد المرجعية الإسلامية فإن الكيان الصهيوني يعتبر المقاومة إرهابا ومن ثم يربط بين الإرهاب والمرجعية الإسلامية ، وعنه نقل الغرب فكرة ربط المقاومة بالإرهاب ، علما بأن الإرهاب هو ممارسة للعنف من أجل العنف بينما المقاومة هي ممارسة العنف من أجل استرداد الحقوق الضائعة ، ولا يستقيم منطقا الخلط بين المقاومة والإرهاب خصوصا وأن مواثيق الأمم المتحدة تقر بحق الشعوب في المقاومة والاستقلال وتقرير المصير . ولما كانت الأرض المحتلة ذات رمزية دينية إسلامية فإن الشعوب العربية والإسلامية تحس بمسؤولية تجاه هذه الأرض، لهذا هي تتعاطف مع المقاومة وتساندها من أجل استرجاع ما ضاع ، الشيء الذي جعل الغرب بزعامة الولايات المتحدة يتخذ موقفا عدائيا من كل من يؤازر فكرة المقاومة .وهكذا فرق الغرب العرب إلى فريق من شيعته يراهن على السلام مع الكيان الصهيوني ، وفريق من عدوه يراهن على مقاومته ، ومن ثم أخذ الغرب يصنف الإسلام إلى إسلام معتدل ، وآخر متطرف أو إلى شرعية إسلامية وغير أسلامية . ويرى الغرب أن الشرعية الإسلامية يمثلها تيار المراهنين على السلام مع الكيان الصهيوني . ولما كانت غالبية الأنظمة العربية بعيدة عن النهج الديمقراطي أو شمولية ، وبحكم خضوعها للغرب بزعامة الولايات المتحدة ، فإنها تحتكر الشرعية الإسلامية ، وهي شرعية سياسية حيث تتولى المؤسسات الدينية الرسمية توجيه الشعوب العربية وفق تصورات الأنظمة لا وفق المرجعية الأسلامية . ومن هنا صار الغرب يميز بين إسلام الأنظمة الخاضعة له وما يسميه الإسلام السياسي ،وهو إسلام جماعات وأحزاب رافضة للخضوع له أو مع فكرة مقاومة الكيان الصهيوني . ومع اندلاع ثورات الربيع العربي ـ ولا نخوض الآن في صحتها وزيفها أهي فعلا ثورات حقيقية أم مفتعلة ؟ـ اتضح رهان الشعوب العربية على ما يعتبره الغرب إسلاما سياسيا مناوئا له بعد سقوط أنظمة خاضعة له بشكل أو بآخر عن طريق ثورات شعبية دامية أفضت في بعض البلدان إلى تجربة ديمقراطية أفرزت وصول نماذج الجماعات أو الأحزاب الإسلامية إلى مراكز القرار ،الأمر الذي اعتبره الغرب تهديدا مباشرا لمصالحه وعلى رأسها ثروات البترول المستباحة له . ولم يتردد أو يتأخر الغرب في الإجهاز على هذه النماذج مما يسميه الإسلام السياسي بدء ا بالنموذج المصري على اعتبار مصر قاطرة الوطن العربي ، والتي تسير على منوالها كل الشعوب العربية الثائرة على أنظمة لم يلب طموحاتها . وهكذا جند الغرب بزعامة الولايات المتحدة أنظمة عربية حليفة له من أجل قطع الطريق على ما سماه الإسلام السياسي في مصر وباقي البلاد العربية ، وتنكر الغرب للعبة الديمقراطية التي يتشدق بأنه راعيها في العالم ، وقبل بانقلاب عسكري عليها في مصر دون شعور بأدنى حرج أو خجل. وسابق الغرب الأحداث في باقي البلاد العربية التي عرفت ثورات الربيع العربي من أجل منع تكرار ظهور نماذج الإسلام السياسي على غرار النموذج المصري، لهذا عمل على خلق الفوضى العارمة في تلك البلاد عن طريق خلق عصابات إجرامية وإقحامها في الصراعات بين أنظمة أو فلول أنظمة موالية له ، وبين ثوار محسوبين على ما يسميه الإسلام السياسي . وكان الغرض من خلق العصابات الإجرامية هو تشويه ثورات الربيع العربي وتعميم وصفها بالإجرام من أجل وأد إسلام سياسي يرفض الاحتلال الصهيوني للأرض العربية ، ويرفض الهيمنة الغربية ونهب ثروات البترول . ولقد وظف الغرب العصابات الإجرامية لخلق انطباع في العالم بأن مصدر الإجرام هو دين الإسلام ، وفي هذا السياق جاءت قمة واشنطن لمكافحة الإرهاب أو بعبارة أدق لمكافحة ما يسمى الإسلام السياسي الذي لا يخض أصحابه للهيمنة الغربية . وهكذا وجد الرئيس الأمريكي مبررا لحشر أنفه في الشرعية الإسلامية التي تعني بالنسبة إليه اتخاذ الإسلام مطية لتحقيق مصالحه في الوطن العربي . وركب الرئيس الأمريكي ظهر الجالية المسلمة الأمريكية للخوض في موضوع الشرعية الإسلامية كما ركب ظهر الأنظمة العربية الخاضعة له . ومعلوم أن الجالية المسلمة الأمريكية عبارة عن أقلية لا تملك التأثير في السياسة الأمريكية كما هو الشأن بالنسبة للجالية اليهودية ذات اللوبي النافذ في صنع القرار السياسي الأمريكي ،ة وهو اللوبي الذي قرر عقد قمة البيت الأبيض لمناقشة مكافحة الإرهاب والشرعية الإسلامية . فهل يستطيع الرئيس الأمريكي أن يثير موضوع الشرعية اليهودية كما أثار موضوع الشرعية الإسلامية ؟ وأخيرا لا بد من الإشارة إلى أن الشرعية الإسلامية يضبطها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، وهي شأن كافة مسلمي العالم ، ولا تتحكم فيها جهة من الجهات مهما كانت.وتوجد اليوم العديد من الجهات التي تدعي الشرعية الإسلامية وتتحدث باسمها ، فالأزهر على سبيل المثال يدعي هذه الشرعية مع أنه مجرد أداة في يد الانقلابيين على الشرعية والديمقراطية في مصر وهم حكام مستبدون . وعصابات ما يسمى داعش الإجرامية والمصنوعة مخابراتيا تدعي هذه الشرعية أيضا وترتكب باسمها الفظائع ، والحوثيون المنقلبون على الشرعية في اليمن يدعون هذه الشرعية كذلك ، والإيرانيون المتورطون في سوريا والعراق هم وجبهتهم المتقدمة في لبنان حزب اللات يدعون هذه الشرعية ، والنظام السوري يدعي هذه الشرعية ، والنظام العراقي يدعيها ، وكل الأنظمة العربية تدعيها ، والجماعات والأحزاب المعارضة لهذه الأنظمة تدعيها ، ولهذا هنا حشر الرئيس الأمريكي أيضا أنفه فيها وهو يبحث عن شرعية إسلامية تخدم مصالحه ، كما تبحث كل الأطراف الأخرى شرعية تخدم مصالحها . وستبقى الشرعية الإسلامية بعيدة عن كل المزايدات السياسية ما دام كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم موجودين ، وما دام المسلمون عاضين عليهما بالنواجذ . ولقد باتت مؤامرة تشويه الإسلام من خلال أعمال العصابات الإجرامية المصنوعة مخابراتيا مكشوفة أمام الرأي العام العالمي . وسيحزم الرئيس الأمريكي حقيبته ويغادر كما حزمها وغادر من قبله كل من قرر اللوبي الصهيوني مجيئه ورحيله , وستبقى شرعية الإسلام ما بقي الزمان موضوع المسلمين وحدهم يناقشه أهل الحل والعقد من ورثة الأنبياء وهم أهل العلم الراسخة أقدامهم فيه ، والذين لا يساومون في دينهم ، ولا يخشون في الله عز وجل لومة لائم .