الخطف: شبح يطارد السوريين .. وعصابات سلب لا ترحم أحدا
الخطف: شبح يطارد السوريين ..
وعصابات سلب لا ترحم أحدا
عمليات الخطف معاناة أصعب وأشد مرارة في نظر الكثيرين من القصف والمرض والجوع، خاصة مع فقد الكثيرين لأبنائهم وصعوبة تأمين المبالغ المالية الضخمة للشبيحة أو عصابات اللصوص التي لا تفرق بين فقير وغني أو مؤيد ومعارض بالإضافة إلى صور التعذيب التي ينالها المخطوفون على أيدي تلك العصابات
مسار برس (خاص) - تقرير محمد غريبو
بعد دخول الثورة عامها الثالث لم يعد القصف والاعتقال وحدهما ما يهدد أمن السوريين، فبالإضافة إلى النقص الحاد في كافة المستويات الخدمية والإغاثية التي تثقل كاهل الشعب، ومع غياب الأمن في كثير من المناطق يظهر شبح الاختطاف مطاردا الكثيرين منهم، ليقض مضاجعهم في ظروف لا يجد فيها الناس ما يقدمونه لأولادهم، كي يجدوا ما يعطونه إلى أولئك الخاطفين من مبالغ مالية ضخمة يفكون بها أسر ذويهم.
فعمليات الاختطاف التي باتت منتشرة بشكل عام في أغلب مناطق سورية، كانت تتم عادة على الطرقات أثناء توجه أو عودة الكثيرين من العمل أو في السوق وأحيانا في الأوقات المتأخرة من الليل.
وفي غالبية المناطق كان ضحايا الخطف من الأغنياء بالدرجة الأولى، لكن مع الوقت لم يعد الخطف يميز بين غني وفقير أو ريف ومدينة وحتى بين ليل أو نهار أو شارع وبيت، ما دفع الكثيرين إلى عدم الخروج من منازلهم إلا للضرورة فارضين على أنفسهم حالة أشبه ما تكون "بحظر التجول".
عصابات منظمة
ويحمّل الكثير من المراقبين المسؤولية في عمليات الخطف لجهتين محددتين، هما عصابات الشبيحة وقوات الأمن أولا، ثم عصابات اللصوص التي جعلت من هذه العمليات مهنة للكسب ولسلب الناس أموالهم.
وهنا يتحدث مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن عن نشوء "عصابات منظمة من الخاطفين يستفيدون من تدهور الوضع الأمني في سورية".
ومن الحالات التي استطاعت "وكالة مسار برس" الوصول إليها الأستاذ أبو علي الذي يشرح ظروف خطفه على يد عصابة من اللصوص، الأمر الذي كان له وقع كارثي على عائلته على حد تعبيره، فمع خروج الرجل من غرفته في بيته الريفي للوضوء وصلاة الفجر تفاجأ بوجود ملثمين أمامه، أخبروه أنهم من الأمن واقتادوه إلى مكان بعيد يعتقد الرجل أنه في ريف إدلب، يقول أبو علي: "لم أكن وحدي كان هناك الكثيرون مثلي لكنهم لم يبقوا كما بقيت" ويضيف الأستاذ الذي بقي مخطوفا لـ50 يوما: "لقد كانوا يعرفون كل تفاصيل حياتي لديهم معلومات عن كل فرد في القرية لديهم أشخاص من قريتي يرسلون لهم كل المعلومات وينتقون لهم الضحايا".
صور بشعة
ويعتبر كثيرمن المراقبين أن تدهور الوضع الاقتصادي واتساع رقعة المعارك جعل النظام عاجزاً عن دفع رواتب الشبيحة، وليسد هذا العجز أطلق يدهم للخطف وطلب الفدية وسرقة البيوت وبيع محتوياتها.
ويحظى هؤلاء الشبيحة بالدعم الكامل من الأمن والجيش بما أن المتضررين هم من أصحاب المناطق الثائرة.
وفي هذا الصدد يقول أسعد وهو من سكان مدينة السلمية في ريف حماة: "مناطق السيطرة متداخلة في مناطقنا، لكن فعليا هناك الكثير من حوادث الخطف حدثت بتسهيل من حواجز النظام ومعظمها حالات خطف من أجل الفدية".
وعادة ما تمارس عصابات الشبيحة صورا كثيرة من التعذيب الجسدي خاصة أن الدوافع لديهم في الغالب هي سياسية أو طائفية، وتغص مواقع التواصل الاجتماعي و"اليوتيوب" بصور متنوعة ومشاهد محزنة يمارسها الشبيحة بحق الأبرياء.
وفي المقابل لا تختلف عصابات اللصوص كثيرا عن عصابات الشبيحة؛ إذ تقوم كذلك بممارسة صور بشعة من التعذيب، خاصة عندما يرفض أهل المخطوف أو يتأخرون عن دفع الفدية أو يلحّون من أجل تخفيضها.
يروي أبو خالد "محنة خطفه وحظه العاثر" فبعد أن استطاع الهروب من العصابة الخاطفة واللجوء إلى رجل مسن في إحدى القرى مستغيثا طالبا النجدة، رحب به الرجل وهدأ من روعه وأبقاه في بيته لأيام، ثم ولسوء حظه أعاده هذا الرجل لذات الخاطفين، ليذوق ويلات تلك العصابة؛ إذ وضعوه في المنفردة "مغارة" دون طعام أو شراب لأيام ولتتم معاقبته بأقسى الوسائل.
أما محمد إبراهيم الطالب الجامعي من ريف دمشق، فعندما تأخر أهله قليلا في دفع الفدية لفقرهم ولضخامة المبلغ، اتصل الخاطفون بأهله وهم يمسكون بالسكين وقد عزموا على قطع إصبعه إجبارا لأهله على دفع المبلغ بسرعة، ولكن ولحسن حظه لم تكن هناك شبكة اتصالات.
مبالغ ضخمة وخاطفون باسم الجيش الحر
تدعي الجهة الخاطفة عادة أنها من الجيش الحر لتشويه سمعته، إذ يتصل الخاطفون بأهل المخطوف، مطالبين بفدية مالية كبيرة لتبدأ رحلة طويلة من المفاوضات وليكتشف أهل المخطوف بعد حين أن ما دفعوه "للجيش الحر" إنما قاموا بدفعه للشبيحة أو للصوص.
عزيز الذي يعمل في صيدلية في حماة اقتحمت مجموعة مسلحة صيدليته وأخبرته أن "المعلم" في السيارة يريد أن يتكلم معه، وفور وصوله إلى السيارة دفعوه إلى داخلها ولتمضي السيارة مسرعة، ولم تمر إلا ساعات قليلة ليتصل شخص يدعي أنه من "الجيش الحر" مطالبا بمبلغ 7 مليون ليرة سورية لفك أسر الرجل، وهنا تبدأ رحلة المفاوضات العصيبة التي تولت الأم زمامها والتي استطاعت أن تخفض المبلغ من 7 إلى 5 ثم 3 ثم مليونين، جرى الاتفاق على تركها في كيس صغير ليمر شاب مسرع على دراجة نارية ويأخذها.
خرج عزيز بعد شهرين من خطفه ليروي كيف تم ذبح أحد الأشخاص أمام عينه عندما رفض أهله دفع المبلغ وقالوا له "هذا سيكون مصيرك إذا لم يدفع أهلك".
الاختطاف لدوافع انتقامية
تتحدث لمى فقيه الباحثة في منظمة هيومان رايتس ووتش في سورية ولبنان عن عمليات خطف "ذات خلفية انتقامية أحياناً بين الجيران أو ربما بين الأقارب".
فالمحامي (ح.د.) أحد الشخصيات التي تم خطفها انتقاما من صهره، إذ رفض الخاطفون تسليمه حتى يأتي الصهر ويسلم نفسه، وبعد المفاوضات ودفع فدية مالية تبين أن الخاطفين هم من أقرباء صهره وقد أقدموا على هذا الفعل نتيجة "خلافات عشائرية بينهم".
أما محمد علي من ريف حلب فقد تم خطفه في وضح النهار من جهة مجهولة وتم العثور عليه بعد فترة مقتولا في إحدى مجارير الصرف الصحي، الأمر ذاته تكرر مع أخيه الذي عثر عليه مقتولا في أحد الآبار الجافة مكبلا وعليه آثار تعذيب دون أن يعرف أحد الأسباب والدوافع غير أن جميع القرائن تشير إلى وجود دوافع انتقامية أو"تصفية حسابات".
عشوائية تطال حتى الثوار
لا يميز الخاطفون بالمجمل بين مؤيد ومعارض فالأولوية للربح المادي إذا كانت الجهة الخاطفة تنتمي إلى عصابات اللصوص، أما إذا كانت العصابة من الشبيحة فإن الأولوية سياسية طائفية بامتياز.
إسماعيل أحد ضحايا الخطف الذين كانوا من المشاركين في الحراك السلمي منذ بداية الثورة. ويصف الخطف أنه من "أصعب ما يمر به الشعب خلال الثورة فلا تمييز بين الآراء السياسية في الخطف فالاعتقال عشوائي جداً".
وكذلك حال عمر الذي اختطف على يد عصابة ادعت أنها من الجيش الحر وهو من السجناء السياسيين الذين اعتقلوا قبل الثورة، ولم يخرج إلا بعد دفع فدية مالية.
وكذلك أبو عبد الرحمن الذي خطف ابنه من قبل مجموعة شبيحة في قرية موالية للنظام في الساحل السوري، ولم يتمكن الرجل من استعادة ابنه المخطوف إلا بعد القيام بخطف مجموعة أخرى من القرية الموالية، لكن الابن عاد مشوها جراء التعذيب الذي ناله على أيدي الشبيحة.
تبرئة وإدانة
الجيش الحر ومنذ وقت مبكر سارع إلى إدانة عمليات الخطف متبرئا من كافة العمليات المنسوبة إليه، ويسجل الكثير من المواطنين للجيش الحر قيامه بالعديد من عمليات التخليص أو الوساطة وخاصة في المناطق التي يسيطر عليها، ولعل عملية إلقاء القبض على خاطفي وقتلة النقيب رياض الأحمد في جبل التركمان في اللاذقية خير مثال على ذلك.
وهكذا أصبح الخطف في سورية مسألة يخشاها الجميع من دون استثناء، وبين كل عملية وأخرى، تزداد العائلات تشددا مع أبنائها، حتى بات الخروج من البيت مغامرة غير محمودة العواقب ولو كان المرء مقيما وسط العاصمة، فلا أحد مُستثنى من حالات الخطف وتبقى الرحمة متعلقة بالخاطف، الذي يكون إما "رقيق القلب" أو مستعدا لإضافة صورة المخطوف إلى صور ضحايا المجازر اليومية في سورية.