قضاء مصر الشامخ!!
قضاء مصر الشامخ!!
م. عبدالله الدمياطي
طيلة 30عام لم يكن القضاء المصري بعيداً عن النظام وبمنأى عنه, بل تحول إلى أحد أذرعته العديدة المروضة بإحكام, فصار واجهة النظام القانونية للتنكيل والبطش بمعارضيه, وإطلاق أحكام ظالمة ومتعسفة على المعارضين للنظام, بغية إقصاء واستئصال أوجه الحراك السياسي في البلاد، وبدلاً من تطبيق العدالة والدفاع عن المظلومين تحول القضاء المصري إلى مطية للسلطة تحركه حيثما تشاء, فكان له دور البطولة في نحر الحريات، وتكميم الأفواه، وبتر الآراء, وقصف العقول، لقد فقد القضاء المصري بكارة استقلاليته وأصبح يتنفس من هواء السلطة الفاسد، التي أفرغته من محتواه ومضمونه وحولته إلى مجرد فزاعة تنهر المواطنين.
منذ أن تبلورت معالم الدولة الحديثة
القائمة على فصل السلطات، احتل القضاء الدور الأهم في تحقيق معلم رئيس من معالم
الحياة وهو العدل الذي سطر ابن خلدون في كتبه أنه أساس العمران البشري وقد ارتقت
تلك القاعدة منذ وضعها إلى مستوى المسلمة التي لا يتجادل فيها عاقلان
ولتحقيق العدل كان لا بد أن تتصف السلطة القضائية بجملة
من الصفات الضرورية التي لا مناص منها حتى تتمكن من أداء الحد الأدنى من مهمتها
الخطيرة والدقيقة وهذه الصفات تتلخص أساسا في ثلاث نقاط الاستقلالية والنزاهة
والكفاءة وهي الصفات الأساسية والرئيسية لإقامة العدل، هذه النقاط التي اختفت في
عصر المخلوع مبارك فلم يعد هناك اى استقلالية للقضاء والنزاهة أصبحت لا تذكر
والكفاءة قضى عليها بالتوريث، قد نستمع إلى البعض يتحدث عن ضرورة إصلاح القضاء فهذه
سخافة فمنذ متى والأعمال التجميلية قادرة على معالجة الأورام التي لا ينفع معها غير
الاستئصال، منذ متى كانت تفيد المسكنات، فلا يمكن بأي حال من الأحوال إن نتحدث عن
إصلاح للقضاء دون تطهيره لأسباب كثيرة ترتقي لمستوى البديهيات ومن أهمها قضايا
الفساد التي تمس عدد كبير من شيوخ القضاء فملفات الفساد المالي تزكم روائحها الأنوف
وآخرون قضاة بعقلية موظفين مجتهدين في الطاعة ولائهم لمبارك فهو ولى نعمتهم، فكانوا
لا يقومون بوظائف القاضي بل كل همهم هو مراقبة زملائهم والسعي المتواصل لإدخالهم
بيت الطاعة الذي لا قعر له.
ولا يمكن إغفال دور القضاء في إفساد الحياة السياسية وفي التمهيد للتوريث فنحن لم ننسى عندما أعلنوا نزاهة الانتخابات في 2010، لم يكن قضاءنا يوما مستقلا فمعظم قضاتنا اختيروا بعناية بحيث يضمن النظام ولاءهم للسلطة حتى يساهمون بتثبيت أركان حكم الطاغية مبارك.
قضائنا الشامخ لم ينصف الشعب في ما عدا استثناءات طفيفة بطولات أصحابها تيار الاستقلال الذي دفع أعضائه الثمن غاليا من مهانة وسحل وظلم وإقصاء وتأديب.
قضاءنا الشامخ تستر على عملية مصادرة الإرادة الشعبية كما تستر على ملفات كثيرة للفساد تطال كبار رموزه، ولم تتحقق العدالة حتى بعد الثورة استخدمت ببراعة ثغرات القانون التي وضعت بعناية من أجل أكل حقوق الشعب السياسية والاقتصادية، فقضائنا الشامخ يقاتل بشراهة للمحافظة على رجال مبارك ضاربا بعرض الحائط كل الأصوات الشعبية المنادية بتطبيق العدالة.
لن تذهب تضحيات شعبنا أدراج الرياح، لن تذهب دماء الشهداء سدا ولو استدعى ذلك ثورات وثورات، ثورتنا لم تكن قطعاً ثورة عبثية أو مجرد حالة غضب عابرة؛ إنها ثورة حقيقية، وعميقة تستهدف إعادة الأمل للشعب إنها حلم ممتد وكبير إنها مستمرة .