مغالطات فاضل الربيعي
مغالطات فاضل الربيعي
طارق حميدة
في مقال له على موقع الجزيرة، بعنوان: هل يعيش العرب لحظة "ذهول من الإسلام"؟ يتحدث فاضل الربيعي عن مقتل الشيخ البوطي داخل أحد المساجد في سوريا، وقد ركزت معالجته على محاور رئيسة: أولهما اتهامه للمقاومين السوريين، والإسلاميين منهم على وجه الخصوص بتلك العملية، ليؤكد من خلالها أن هذه هي طبيعة "الصحوة الإسلامية" المعاصرة، وأنها بطبيعتها تكفيرية، وأن عدوانيتها مواجهة نحو الداخل الإسلامي وأن صراعها هو مع المسلمين.
ثم يؤكد في جانبه التنظيري التأريخي على أن هذه الظاهرة، هي امتداد لما وقع في العصر الراشدي من اغتيال للخليفتين عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب في المسجد النبوي ومسجد الكوفة.
والمشترك بين قتل البوطي واغتيال الخليفتين الراشدين هو وقوع الجريمة في المسجد، أي أنه قد "بلغ الصراع عتبة المعبد الديني"، و "أصبح المكان الديني ميداناً للقتال" وهو ما ينذر بتفكك المجتمع وزوال الأمة عن مسرح التاريخ، بحسب تعبير الربيعي.
ويذكر الربيعي بأنه قد "نفرت المجتمعات القديمة من كل صراع يجري على مقربة من المعبد، وقامت بتحريم القتال في محيطه. ولعل تعبير "الحرم" الذي أُطلق في الجاهلية على محيط الكعبة، يتضمن هذا المعنى المنسيّ". ويضيف: "في الصراعات التي يمكن أن يصبح فيها الدين موضوعاً صراعيًا، غالباً ما لجأت المجتمعات القديمة إلى تحييد المعبد، والتوافق على حمايته. كما أن العرب في الجاهلية أسسّوا ما يمكن تسميته بـ"الزمن الديني المقدّس" حين قاموا بتحريم بعض الشهور "الشهور الحرم" ومنعوا فيها القتال الداخلي، أي أنهم أخرجوا بضعة شهور في السنة من الزمن الواقعي، وأعادوا إدراجها في زمن ديني جديد، لحماية المعبد، وضمان استمرار الطقوس الدينية. وفي الصراعات التي يمكن أن يصبح فيها الدين موضوعاً صراعيًا، غالباً ما لجأت المجتمعات القديمة إلى تحييد المعبد والتوافق على حمايته. وفي الموروث العربي والإنساني القديم والمعاصر، ليس ثمة منظر أبشع من منظر جريمة قتل داخل مكان ديني مقدّس "محرّم".
والملاحظة الأولى هي أن الكاتب يسعى لتبرئة النظام السوري، الذي يؤويه – أعني فاضل الربيعي- منذ زمن بعيد، ملصقاً تهمة قتل الشيخ البوطي بالمقاومة السورية علماً بأن الشعب السوري قد استمر شهورا طويلة يخوض ثورة سلمية حتى اضطر للرد على مجازر النظام ، فضلاً عن أن قصف المساجد والكنائس هو عمل النظام المستمر وليس المقاومين. إضافة إلى أن أصابع الاتهام في قتل البوطي ومن قبله نجل الشيخ حسون تشير إلى النظام لا إلى المقاومة.
والكاتب له موقف معلن ضد الربيع العربي عموماً والثورة السورية على وجه الخصوص، ويكاد يكون أحد أبرز المنظرين في هذا الاتجاه، ويكفي معرفة أن له مقالا بعنوان " الحرب الكونية على سوريا ، يقول فيه إن "جوهر الصراع الدائر في المنطقة بأسرها- منذ أن اندلعت ثورات ما يسمى الربيع العربي في العام 2011 والتي اتضح بجلاء، وبسرعة أنها ثورات زائفة صبّت في النهاية لصالح التكفيرية والسلفيية لا الديمقراطية وحقوق الإنسان. إنه صراع عنيف تخوضه قوى دولية وإقليمية حول قضايا كبرى، ليست مسألة الديمقراطية والحريات فيه سوى تفصيل صغير، وهذه القضايا بطبيعة الحال تخص مصالح القوى العظمى لا مصالح الشعوب المقهورة".
حيث يظهر من استخدامه تعبير" ثورات ما يسمى بالربيع العربي" وأنها " ثورات زائفة" رفضه لهذه الثورات، التي صبت في رأيه "لصالح التكفيرية والسلفية"، وأن هذا الربيع ليس سوى " صراع عنيف تخوضه قوى دولية وإقليمية حول قضايا كبرى .... تخص مصالح القوى العظمى لا مصالح الشعوب المقهورة".
ولاحظ زعمه بأن ثورات الربيع العربي تمثل صراعا عنيفا، في حين شاهد كل العالم سلمية تلك الثورات في تونس ومصر واليمن، وكذلك ليبيا وسوريا، لولا أن فرعوني ليبيا وسوريا أبيا إلا حرب الإبادة ضد شعبيهما، الأمر الذي اضطر الشعبين إلى الرد بالسلاح، فالعنف كان سلوك الحكام وبالذات الليبي والسوري ولم يكن صنيع الشعوب الثائرة، ولو كانت الثورات عنيفة كما يزعم الربيعي، لرأينا الثائرين الإسلاميين الذين صاروا في سدة الحكم يمارسونها وقد صارت بأيديهم السلطة والقوة، لا بل إن معارضيهم ليتمادون في العدوان عليهم وعلى مقراتهم ومع ذلك يلوذون بالصبر والتحمل والتجاوز، كما كان ذلك سلوكهم طيلة وجودهم في المعارضة. والقاعدة أن من كانت صفته العنف فإنه عنيف في السلطة وفي المعارضة، ومن كانت السلمية طبيعة لديه فإنه سيحافظ عليها سواء أكان معارضاً أم كان في السلطة.
ولا يقف الربيعي عند هذا الحد من التزوير،لا بل إنه حين يرُدّ ما أسماه "بلوغ الصراع عتبة المعبد الديني" إلى ما يراه أصوله التاريخية، فإنه يذكر بأن فكرة المسجد الحرام وبالتالي تحريم مكة وكونها حرماً آمناً، وكذلك فكرة الأشهر الحرم هي فكرة من اختراع العرب، وليس وحياً ربانياً، حيث يؤكد بأن المجتمعات القديمة التي نفرت من كل صراع يجري على مقربة من المعبد، قد "قامت بتحريم القتال في محيطه، ولعل تعبير "الحرم" الذي أُطلق في الجاهلية على محيط الكعبة، يتضمن هذا المعنى المنسيّ...... كما أن العرب في الجاهلية أسسّوا ما يمكن تسميته بـ"الزمن الديني المقدّس" حين قاموا بتحريم بعض الشهور "الشهور الحرم" ومنعوا فيها القتال الداخلي".
ويُرد على مزاعم الربيعي بقوله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) [ سورة التوبة: 36]، وقوله سبحانه: (أَوَلَمْ نمكن لهم حَرَماً آمِناً)[ سورة القصص: 57]، وفي الحديث قول النبي عليه السلام: ( إنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ). فتحريم الأشهر الحرم وكذلك تحريم مكة، لم يكن اصطلاحاً من عرب الجاهلية، بل كان حكماً إلهيا قديماً قدم السماوات والأرض.
والربيعي صاحب منهج وله العديد من الكتابات التي تسعى لإثبات أن الدين وقصص القرآن ترتد إلى أصول أسطورية قديمة لدى الشعوب والثقافات السابقة، ويكفي مثالا كتابه عن قصة يوسف عليه السلام.