يومَ سقطت أميركةُ في بغداد
د. محمد بسام يوسف
في صباح اليوم التاسع من نيسان عام 2003م، انتشى الأميركيون وعملاؤهم، بدخول عاصمة الرشيد، محتلِّين مُغتَصِبين، رافعين شعاراً مُضلِّلاً: حرية العراق!.. وذلك بعد ممارسة سلسلةٍ من أكاذيبِ صهاينة الإدارة الأميركية وتابعهم البريطانيّ (طوني بلير)، وبعد إطلاق بهتان أذنابهم الممالئين والخونة والمتواطئين والعملاء، والأبواق الأميركية الصنع والإيرانية المنشأ؟!.. بَدءاً من أكذوبة (أسلحة الدمار الشامل) العراقية، وانتهاءً بأكذوبة (تحقيق الديمقراطية)، ومروراً بأكاذيب: البناء، والإعمار، والتحرير، وإسقاط الدكتاتورية، والرخاء، والاستقرار، والأنموذج العراقيّ المشرِق لكل أقطار المنطقة، والقضاء على الإرهاب!..
كانت حصيلة احتلال العراق عاراً على جبين أميركة، وفضيحةً يندى لها جبين الإنسانية، سقطت فيها مزاعم طغاة العصر، فإذا العراق الذي زعموا تحريره، بلداً مُدَمَّراً، ودولةً طائفيةً صفويةً فاشلة.. وسجوناً مظلمةً زُجَّ فيها مئات الآلاف من أحرار العراق وحرائره.. وانتهاكاتٍ مروِّعةً ترتكبها القوات المحتلّة والحكومات العميلة المتعاقبة.. وجرائم طائفيةً، تقترفها ميليشيات خائنة حاقدة تتدرّب في إيران الصفوية الشيعية، ويخطِّط لها المحتلُ الأميركيّ ويشجّعها ويدعمها ويستخدمها لتحقيق مؤامراته، لا يشبهها إلا الجرائم الشنيعة التي يقترفها –هذه الأيام- طغاةُ سورية الطائفيون.. ومئاتٍ من مليارات الدولارات المنهوبة.. وتمييزاً طائفياً شيعياً حكومياً في أبشع صوره.. وتزويراً مذهلاً للانتخابات بأنواعها ومستوياتها.. وحكومةً مزدوَجة العمالة للاحتلالين: الأميركيّ، والصفويّ الطائفيّ الإيرانيّ.. وأجهزةً حكوميةً فاسدةً من اللصوص والنهّابين والقتلة والمجرمين والموتورين الطائفيين.. وانهياراً مخيفاً في مستوى التعليم المدرسيّ والجامعيّ.. وتوقّفاً كاملاً للتطوّر الزراعيّ والصناعيّ.. وتخلفاً صحياً وطبياً.. وانتشاراً للأمراض والأوبئة.. وملايين العاطلين عن العمل.. ومئات المساجد المدمَّرة.. وشعباً يعيش معظمه تحت خط الفقر.. وانعداماً كاملاً شاملاً للأمن والاستقرار!..
* * *
ورد في وثائق (ويكيليكس) المنشورة منذ ثلاث سنوات، بأنّ (نوري المالكي) هو شيعيّ طائفيّ يرأس ميليشياتٍ طائفيةً للموت والتعذيب في العراق.. وهو مسؤول -حتى ذلك الوقت- عن اختفاء أكثر من خمسة عشر ألف عراقيّ، وعن قتل أكثر من مئةٍ وخمسين ألفاً من أهل السنة العراقيين.. وعن جرائم ضد الإنسانية، كفيلةٍ بجرِّه إلى محكمة العدل الدولية، عشرات المرات!.. وإضافةً إلى ذلك كلِّه، فلا يحق تكليفه –حسب قوانين الانتخابات الديمقراطية- بتشكيل وزارةٍ للعراق.. لكنّ (نوري أو جواد المالكي) السديّ السفّاح، كان خيار أميركة وإيران معاً، بدعمٍ وتأييدٍ من قِبَلِ نظام الحكم الطائفيّ في سورية!..
يقوم المالكي –اليوم- بردّ الدَّيْنِ لحلفائه الطائفيين في دمشق، ليضيف إلى فضائحه مزيداً من الفضائح، فهذا الدَّعيّ وشيعته وحزبه الصفويّ، قدم إلى كرسيّ الحكم في العراق، على فوّهة مدفعٍ أميركيّ، متدثِّراً بعمامةٍ فارسية، مُسلَّحاً بمزاعم القضاء على الدكتاتورية والاستبداد.. بينما نراه اليوم يدعم –بكل الوسائل- أشد الأنظمة استبداداً وانتهاكاً في سورية، ويجاهر بالاعتراض على أي شكلٍ من أشكال الحماية الأممية للشعب السوريّ!.. فيما تستهتر أميركة الدعيّة اليوم أيضاً، بجرائم سفّاحي دمشق الدكتاتوريين، وتتخذ الإجراءات كلها، لمنع الشعب السوريّ من الحصول على الوسائل التي يدافع بها عن نفسه!..
* * *
ذلك هو العراق (الأنموذج) الذي وعدت به أميركة وعملاؤها: عراق ممزَّق، تحكمه المافيات الصفوية، وتتغلغل إيران الفارسية في كل مفاصله، وتستوطن فيه فرق الموساد الصهيونيّ!.. عراق لا يعرف الأمن أو الاستقرار، تسوده شرائع الغاب والخراب!.. عراق تنهبه عصابات الشركات الأميركية وأذنابها وسماسرتها، وتضيع دماؤه وخيراته في ذمم دول الغرب الصليبيّ الحاقد، وتُزهَق أرواح أبنائه -كلَ لحظةٍ- في مذابح المحتلّ الأميركيّ، وداخل مسالخ حُسينيّات أذنابه وحلفائه الصفويين، القادمين من بلاد فارس الصفوية الحاقدة!..
لقد خسرت أميركة -بسبب عدوانها على العراق- أكثر من ستين ألف قتيل، ومئة ألف جريحٍ ومُعَوَّقٍ ومريضٍ نفسيّ، وأكثر من ألفي مليار دولار، وعشرات الطائرات الحربية، ومئات الدبابات والمدرّعات والآليات العسكرية والمدنية.. وتَفَكَّكَ تحالفها العدوانيّ، وأطيح برؤوس أكابر مجرميها واحداً إثر واحد، ولعل أهم الرؤوس الـمُطاحَة: (كولن باول) و(دونالد رامسفيلد) و(جون بولتون) و(بوش الصغير) و(ديك تشيني) و(كوندوليزا رايس).. وفوق ذلك كله، خسرت أميركةُ الهيبةَ، والمصداقيةَ.. وأُذِلَّت آلتها العسكرية التي طالما تفاخَرَتْ بها.
* * *
لعل أهم ما انكشف جرّاء احتلال العراق، هو هذا العناق الوثيق بين العدوَّيْن المشترَكّيْن للعرب والمسلمين، وانكشاف مشروعَيْهما المشبوهَيْن: الأميركيّ الصهيونيّ، والإيرانيّ الصفويّ الفارسيّ.. ولن يتحرّر العراق من الاحتلال وعقابيله، إلا بردّ كيد العدوّ الإيرانيّ الصفويّ الفارسيّ إلى نحره، لإسقاط مشروع الصفويين الإيرانيين إلى غير رجعة، بعد افتضاحهم وانكشاف خياناتهم للإسلام والمسلمين، وافتضاح نذالة عملائهم ومجرميهم وحاقديهم وسفهائهم.. لكل ذي قلبٍ من أبناء أمة العرب والإسلام، لاسيما في سورية المنتفِضة على طغاتها الخونة المستبدّين!.. وهكذا، سقطت أميركة في العراق عسكرياً وحضارياً، وسقطت إيران الصفوية الفارسية فيه وفي سورية، سياسياً وثقافياً وأخلاقياً ودينياً وعسكرياً.
إنّ عناق المشروعين العدوانيين: الأميركيّ الصهيونيّ، والصفويّ الفارسيّ، سيقابله –بإذن الله- ربيعٌ مُزهِرٌ في بغداد والشام.. فيه يُعانِق سعد بن أبي وقّاصٍ خالدَ بنَ الوليد، وتلتقي نفحات أبي جعفرٍ المنصور روحَ صلاح الدين الأيوبيّ.. لاجتثاث دجل أبي لؤلؤة المجوسيّ، وباطنية الحشاشين، ومَن على خطاهم.. وشاكلتهم!..