المال الإيراني الوفير، يدخل في ميدان الصراع الخطير
المال الإيراني الوفير،
يدخل في ميدان الصراع الخطير
بسم الله الرحمن الرحيم
وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا اليك لتفتري علينا غيره
الصراع بين الحق والباطل صراع دائم ومرير
يريدون اغرق مصر بالدموع كما اغرقوا سوريا بالدماء
فشلت قريش مكة في عرضها المالي في الماضي ،وستفشل قريش طهران في عرضها المالي في الحاضر
يا أرض الكنانة ،حافظي على الأمانة
196الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه , وبعد:
الصراع بين الحق والباطل وبين الإيمان والكفر صراع كبير ومرير، لا ينتهي بمرور الزمن حتى تقوم الساعة كما قال تعالى "ولقد أرسلنا الى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون "النمل:45 وقال عن هؤلاء المتصارعين" هذان خصمان اختصموا في ربهم "الحج:19 فالصراع بين المؤمنين بالله تعالى والكافرين به لا يمكن أن يتوقف ولا أن يتهادن في زمان أو في مكان من هذه الحياة .
وهذا الصراع يقود المؤمنين فيه الأنبياء والرسل، ويقود الكافرين فيه شياطين الجن والإنس،الذين يستخدمون في هذا الصراع كل الأساليب والوسائل التي تمكنهم من الوصول الى تحقيق الغلبة على المؤمنين بصورة مطلقة،لا يضبطها خلق ولا يضبطها شرف ولا تضبطها كرامة ،لأن الغاية عندهم تبرر الوسيلة،وغايتهم هي تحقيق الإنتصار على الحق والإيمان بأي ثمن كان ذلك، وبأي أسلوب تحقق،وهذا يدل على ضعف أصحاب هذا الإتجاه وفساد ما عندهم من التصور والمعتقد.
في حين أن المؤمنين يعتمدون في المواجهة مع الكافرين الصراحة الكاملة والأخلاق العالية،لأنهم يحملون من المبادئ ما ينسجم مع الفطرة البشرية،التي خلق الله تعالى الناس عليها كما قال تعالى "فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون "الروم:30 فلا حاجة عند المؤمنين لإستخدام الأساليب الهابطة والوسائل الساقطة لتحريك هذه الفطرة البشرية من غفوتها سوى أن يتم لفت النظر الى هذه الحقيقة بالكلمة القوية والموقف الصارم الذي لا يلين أمام الباطل ولا يهون أمام الفساد،حتى تتمكن هذه الكلمة من الوصول الى أعماق القلوب فتهزها هزا،وتحملها على اعادة النظر فيما هي عليه من الإنحراف عن مقتضى هذه الفطرة التي خلق الله تعالى الناس عليها .
ومن هنا نشب الصراع بين النبي r وبين قومه عندما قام بدعوتهم الى توحيد الله تعالى ونبذ الشرك به،لأنه جاءهم بما لم يألفوه من التوحيد الخالص لله تعالى،الذي يعود اليه الخلق والأمر وحده دون سواه،ويعود اليه الكمال في اقواله وصفاته وأفعاله كما قال تعالى "وله المثل الأعلى في السموات والأرض "الروم:27 فلا اله الا الله ولامحيي ولا مميت الا الله ،فهو المهيمن على هذا الوجود دون سواه كما قال تعالى "تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيئ قدير "الملك:1 في حين ان المشركين كانوا ينسبون الى شركائهم كثيرا من الأحوال والصفات التي لا تليق الا بالله تعالى من العطاء والمنع والتيسير والتعسير والقبول والرد،لأن ذلك ليس في ايديهم وانما هو بيد الله تعالى وحده خالق الكون والإنسان "قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيئ قدير تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب "آل عمران:26 وبالتالي فليس لهؤلاء الشركاء الذين كان المشركون يعبدونهم مع الله تعالى شيئ من الأمر أو شيئ من النهي .
وهذا الذي تضمنته دعوة محمد r لهؤلاء الناس من اجل تفريد الله تعالى في الربوبية خلقا وايجادا ،وفي الألوهية أمرا ونهيا ،وفي الأسماء والصفات اثباتا ونفيا ،فرأوا في هذه الدعوة لأول وهلة ما يناقض ما درجوا عليه واعتادوه من التصورات والتصرفات فواجهوا هذه الدعوة بالردّ والصدّ مستخدمين في ذلك طاقاتهم البيانية وقدراتهم المالية واساليبهم المختلفة، للقضاء على هذه الدعوة خوفا على مصالحهم وحفاظا على كيانهم ،الذي بنوه خلال ردح طويل من الزمن، اختلطت فيه مصالحهم المادية مع مبادئهم العقائدية ،فراحوا يدافعون عنها بما يملكون من هذه الطاقات المادية والمعنوية،في محاولة لإحراز النصر في هذا الصراع كما قال تعالى "وأنه لما قام عبدالله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا قل انما ادعو ربي ولا اشرك به احدا "الجن:19
وقد اشتد هذا الصراع الفكري بين النبي r وبين المشركين الذين تواطئوا ضده وانضم اليهم اعداء النبي r من اليهود و سواهم ممن كانت لهم علاقات خفية مع اعداء هذه الدعوة في بلاد فارس والروم ،الذين كانوا يرقبون هذا الصراع ويمدون خصوم النبي r فيه بالتوجيه والإرشاد لتحقيق الغلبة عليهم والإنتصار كما قال تعالى "وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون "الأعراف:202 وقد بلغ من شدة هذا الموقف وقوة ضغط هذه المواجهة أن عرضوا على النبي r إغراءات مادية كبيرة ووجاهية خطيرة، من أجل أن يتخلى عن دعوته أو يخفف من مواقفه ضدهم ،ولو أن يهادنهم لفترة من الزمن، ليلتقي معهم في منتصف الطريق كما قال تعالى "ودوا لو تدهن فيدهنون "القلم:9 ففكر النبي r مجتهدا أن يفعل ذلك لفترة من الزمن من اجل مصلحة الدعوة ،فنزل قول الله تعالى يحذره من اساليبهم الخطيرة وأفكارهم المشبوهة،ويؤكد له على ضرورة الإستمرار في مواجهة باطلهم دون هوادة ،وفي رد شركهم دون مهادنة فقال تعالى "وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا اليك لتفتري علينا غيره وإذن لاتخذوك خليلا ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئا قليلا "الإسراء:57
ومن هنا قرر النبي r مواجهة باطلهم دون توقف أو تراجع أو ملاينة،فقال لعمه ابي طالب الذي جاءه عدد من زعماء قريش يطالبونه بحمل محمد r على ترك دعوته أو التخفيف والملاينة (والله ياعم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن اترك هذا الدين ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه ) فرد عليهم عرضهم المالي والوجاهي،ومضى في دعوته حتى نصره الله تعالى عليهم في نهاية المطاف ،فكسر اصنامهم واسقط دولتهم عام فتح مكة الذي قال الله تعالى فيه "اذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجا فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا "النصر،وهذا الثبات على المبدأ والحزم في مواجهة المخالفين هو الذي يوصل في نهاية المطاف الى النصر المبين كما قال تعالى " يا ايها الذين أمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون "آل عمران :200
واليوم يسعى الباطل المتمثل بما يسمى الجمهورية الإسلامية الإيرانية،الى اعتماد اسلوب زعماء قريش في عرض المال الوفير والجاه الكبير على حكام مصر،لفتح ابوابها أمام دعوتهم الباطلة من أجل نشر تصوراتهم العقائدية الفاسدة في اوساط الشعب المصري،لتغيير العقيدة الإسلامية التي يؤمن بها شعب مصر،في محاولة من ايران لتغيير التوجه العقائدي لدى الشعب المصري بما يخدم تطلعات ايران المشبوهة والمدعومة من روسيا الصليبية والصين الشيوعية،فقد قام وزير الخارجية الإيراني منذ أيام بزيارة الى مصر وقدم لحكامها جملة من العروض المغرية التي تشبه عروض زعماء قريش الماضية ،بدفع ثلاثين مليار دولار واصلاح الفي مصنع تعطلت عن العمل وتنشيط السياحة المصرية في مقابل فتح سفارة لإيران في القاهرة ،واستقبال خمسة ملايين سائح ايراني في العام ،وارسال عشرين الف طالب مصري للدراسة الدينية في الحوزات العلمية في مدينة قم ،ليعودوا بعد ذلك دعاة للتشيع في مصر،بعد استعادة المساجد الأثرية الفاطمية ،وانشاء جريدتين لنشر التوجهات الإيرانية في مصر،فأشبهوا بذلك العرض اليهودي المالي الوفير على السلطان العثماني عبد الحميد الثاني لتمكينهم من العودة الى فلسطين التي يعتقدون أنها لهم فرد السلطان عليهم أموالهم وطردهم من مجلسه،فجاءت هذه المحاولة من ايران هذه المرة لإسترجاع السيطرة على مصر،التي يعتقدون أنها كانت لهم في العهد الفاطمي،وغاب عنهم أن ذلك كان لهم تحت حماية الصليبيين ودعمهم كما صار تحت سيطرتهم بدعم الولايات المتحدة الأمريكية ،مما يهدد السلم الأهلي في مصر بالخطر الشديد الذي يعاني منه المسلمون في بلاد الشام تحت ظل الحكم البعثي النصيري المدعوم من روسيا الصليبية والصين الشيوعية .
وتأتي هذه المبادرة الإيرانية تجاه مصر في اطار المخطط الإستعماري المرسوم للمنطقة العربية في اطار ما يسمى بثورة الإمام الخميني، الذي قال لدى وصوله الى الحكم في ايران :اليوم فتحنا الطريق الى بغداد وعمان والقاهرة والرياض ،وقد تم فتح هذا الطريق الى بغداد فصارت تحت سيطرتهم ويدعمون النظام البعثي في سوريا لتستمر سيطرتهم عليها ،واليوم يتجهون الى القاهرة لوضعها تحت السيطرة في اطار هذا المشروع الذي أعلن عنه الخميني صراحة ،والذي سوف يجر المنطقة الى صراع مرير بين التشيع الصفوي والدين الإلهي .
ومن هنا فإن على الأمة الإسلامية أن تقدر هذا الخطر حق قدره،وأن تحذر من هذا العرض الإيراني المالي الوفير ،الذي يقابله ثمن ديني خطير، قد يكون سببا في حرب مذهبية في طول البلاد العربية وعرضها ،والتي ستفتح المجال واسعا للتدخلات الأجنبية من أجل تدمير طاقات الأمة وتحطيم مقدراتها لصالح أعدائها في شرق الأرض وغربها .وكأننا سنعيد في هذه الأيام قول القائل فيما مضى:
أرى تحت الرماد وميـض نار ويوشك أن يكون لها ضرام
فإن لم يدركها عقلاء قـوم يكون وقودها جثث وهـام
فقلت من التعجب ليت شعري أأيقــاظ أميــة أم نيام
هيئة علماء الصحوة الإسلامية في لبنان
أ.الشيخ الدكتور زكريا عبد الرزاق المصري
أستاذ مادتي العقيدة والفقه الإسلامي في بيروت وطرابلس
24 /5/1434هـ 5/4/2013م