مخلوقات تهوى وتعشق خدمة السلاطين والحكام

د. موفق مصطفى السباعي

مخلوقات تهوى وتعشق خدمة السلاطين والحكام

د. موفق مصطفى السباعي

كتب أحد عمال المافيا الأسدية الذي أفنى عمره وزهرة شبابه أربعين عاماً في خدمتها.. بإخلاص وصدق .. وتفان ..

كتب بعد عامين من الثورة يشيد بها .. علما بأنه يتقن الكتابة بشكل جيد ورائع .. وأسلوبه سلس مرن .. ولهذا استغلته المافيا الأسدية أبشع إستغلال .. وأغرته ليسخر قلمه وفكره وعقله في خدمتها – كما أغرت كثيرين من ذراري المسلمين البسيطين المساكين المحبين للظهور والبروزة – وما أمر أمين الحافظ الذي كان يُلقب بأبي عبدو .. ببعيدة عنكم حينما سلمته رئاسة الجمهورية وعدة مناصب أخرى بينما هي كانت تدير البلد من وراء ظهره دون أن يعلم .. لتغطي على طائفيتها -  .. فوضعته في أعلى المناصب ..

علماً بأنه رجل طيب القلب ومن عائلة كريمة .. ومن مدينة ذاقت الأمرين قديما في أحداث الثمانينات وحديثا ومنذ بداية الثورة .. وقد هاجمت النظام الأسدي وانتقدته أمامه مرات كثيرة .. وكان يؤيدني في بعض الآراء .. ويخالفني في أكثرها .. ونصحته .. ولكنه لم يكن يحب الناصحين ...

والآن وبعد عامين من الثورة .. وبعد أن تيقن من أنها على عتبة الإنتصار .. أخذ يوصوص ويزقزق مترنما بها .. وصادحا بألحانها .. بدلا من أن يسخر قلمه الفياض .. وكلماته العذبة القوية .. ذات الجرس الإيقاعي المؤثر منذ الأيام الأولى .. وهي كانت في أشد الحاجة إلى مثل قلمه البتار .. الصداح ..

فجاءت هذه النفثات .. وهذه الآهات .. وهذه الخواطر الحزينة المؤلمة .. وهذا الرثاء المفجع لحال صنف من البشر يهوى حياة الذل والعبودية .. ويستمتع بحياة الرق والهوان .. ويتلذذ بالعيش في مستنقع الوحل الآسن الراكد .. ويخاف من الخروج إلى مياه النهر العذبة النقية .. الجارية المتجددة خشية الغرق ..

وهذا سر قوة وسيطرة وتحكم المافيا الأسدية في سورية أربعين عاما .. وسر استمرارها بعد عامين من الثورة ..لأن قسما غير قليل من المخلوقات البشرية في سورية لاتزال تحب وتفضل العيش في قفص الذل والهوان .. وتستمتع وتتلذذ بما يرميه لها حراس القفص من فضلات الطعام ..

إنها تخشى إذا خرجت منه إلى الهواء الطلق أن تصاب برشح أو زكام .. وألا تجد ما كانت تستمتع به وتتلذذ ..

 

ثمة مخلوقات على هذه الأرض تنتسب إلى الفصيلة البشرية .. لكنها تعشق البروزة ... وتهيم في غرامها ... وتستميت في تحصيلها ... ولو كان على حساب كرامتها وعزتها وشرفها وحريتها ...

ثمة مخلوقات  لا تعرف شيئا عن الحرية .. أو العزة .. أو الكرامة .. بالرغم من أن بعضها يعلم من تاريخ الأدب العربي كثيراً من الصور والأمثلة المشرقة .. المضيئة لأناس قدموا حياتهم رخيصة فداء الحرية والعزة والكرامة ...

هذه المخلوقات تقرأ نظريا ... وتتباهى في التنظير وإعطاء النصائح .. والمواعظ ... والعزف على قيثارة العواطف والمشاعر الإنسانية ... ولكنها .. ويا للخسارة .. ويا للسوء تكون أبعد الناس عن التطبيق والممارسة ...

فينطق عليها قول الله تعالى :

(۞ أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ ٱلْكِتَـٰبَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ )  

(يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴿٢﴾ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُوا۟ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴿٣﴾

لأنه يهمها كثيرا المظاهر الخلابة  ... ويفرحها تسليط الأضواء والأنوار عليها ...وهي في خدمة الرؤوساء والسلاطين والحكام ...دون التمييز بين حاكم صالح أو طالح ... حاكم عادل أو مستبد ظالم ...

إنها مخلوقات هيكلية خاوية من الروح .. فارغة من المشاعر والعواطف .. مهزوزة مرجوجة من أعماق قلبها .. مصابة بلوثة حب حياة القصور .. وترفها وبذخها ... وأن تكون ضمن جوقة الخدم والحشم لأصحاب القصر .. بسبب ما تعاني من هزيمة روحية .. وفكرية .. ونفسية .. ونقص في تكوينها الداخلي .. وشعور مسيطر على عقلها ... بأن سعادتها لا تتحقق ... وشخصيتها لا تكتمل إلا بخدمة الحكام والسلاطين وأصحاب القصور ...