شيء عن، وللثورة ...
شيء عن، وللثورة ...
عقاب يحيى
ونقترب من الذكرى الثانية للثورة.. ذلك اليوم الانعطافي العظيم الذي هزّ سورية فأحدث زلزالها القوي الذي ما يزال متواصلاً ..
ولأنها سورية الجيوسياسية المهمة، وسورية المفتاح عبر التاريخ، والقلب النابض.. تأخذ الثورة أهميتها الكبرى ليس فقط لما تحدثه من متغيرات في سورية وحسب، بل لما سينتج عنها في عموم المنطقة، وهذا أحد أسرار يتم الثورة، ومستوى الحقد الذي يمارس ضدها، وأشكال التداخل، والتشويه، والدخول المتعدد الخلفيات على خطها محاولة لانتزاع جوهرها، وخطف غاياتها، وحرفها.. أو إغراقها بالجزئيات والتشعبات ..
ـ سلمية ناصعة استمرت أشهراً ستة، وبالصدور العارية دكّت جدران الخوف في مملكة الرعب فثقبتها، وبالتضحيات اخترقت حصون نظام الفئوية والحقد، فما تحمّل وقعها، فراح يقنصها بنهجه الدموي المنظم، ويغتال ناشطيها ورموزها، ويعتقل عشرات ىلآلاف وتعريضهم للموت والإذلال ونهش كرامتهم ورجولتهم وشرفهم : نساء ورجالاً تعرضوا للاغتصاب المدروس، لكنهم ارتقوا فوق الجراح الذاتية، وخرج الأحياء منهم أشد عزيمة، بل قنابل مستعدة للتفجير في وجه القاتل ومراكزه ..
ـ لم تكن الثورة عاشقة للسلاح واللجوء إليه... لكنها اضطرت لذلك دفاعاً عن النفس والحياة والعرض والممتلكات، وكانت ظاهرة الضباط والجنود المنشقين علامة مضيئة في تكوين الوطنية السورية العريقة.. حين رفض هؤلاء الشرفاء توجيه سلاحهم لشعبهم، وآثروا الالتحاق بالثورة لممارسة دورهم الطبيعي : حماية الثورة والمتظاهرين، ثم الانتقال الإجباري لحمل السلاح ومقارعة الطغمة به.. طالما أنه أغلق جميع الأبواب على الحلول السياسية، والانصياع لإرادة الشعب .
ـ للسلاح شؤونه وشجونه. مفاعلاته وآثاره. سلبياته وإيجابياته، خصوصاً في الحالة السورية المعنية.. إن كان من حيث بدء امتلاكه عفوياً وبكل الوسائل الذاتية المتاحة، وامتلاكه من قبل مدنيين، وشباب صغار لم يتخرجوا من مدارس حربية، ولم يتعلموا فنون القتال، وأسس الانضباط، أو بدخول قوى وأطراف كثيرة على الخط خلطت الأوراق، والأجندات، وأدّت إلى تزاحم المشاريع والخلفيات، والكتائب، وتعدد المرجعيات، والخطاب الذي يتجاوز في حالات موصوفة هوية الثورة وجوهرها كثورة للحرية والكرامة.. إلى التمسك بأغراض حزبوية، ومتشددة تطيح بأعمدة الثورة وغاياتها : الدولة المدنية الديمقراطية . دولة العدل والمساواة في المواطنة، والدولة التداولية التعددية التي تتكرّس مؤسساتها التشريعية في انتخابات نيابية مفتوحة، وتحقق الفصل بين السلطات، وتمنع الأحادية، والاحتكار والاستئثار، وترفض الانتقام والاجتثاث.. وتفتح صدرها لجميع المواطنين : أبناء وشركاء في الوطن الواحد، بمن فيهم المحسوبين على الطغمة، والبعثيين الذين لم تتلوّث ايديهم بالدماء، وأجهزة الدولة بمختلف فروعها، بعد إعادة النظر ببعضها، كالأجهزة الأمنية والشرطة والجيش ..
ـ ظواهر سلبية عديدة برزت نتاج العمل المسلح وتشعبه، وتعدده، بما فيها ولادة تجار جدد أقرب للعصابات والمافيا.. تمتصّ الدماء، وتسرق الإغاثة، وتقوم بعمليات الخطف مثلها مثل الشبيحة، وتكتنز الأمكوال بسرقة الممتلكات، ووضع اليد على جزء من مخازن الحبوب، والنفط، وبيع المصانع وغيرها.. كما برزت الذات نهمة، متضخّمة، أحادية، تنظر للأمور من خرم إبرتها الخاصة، وانتمائها الحزبوي الضيّق، وانعكس ذلك بجلاء على صورة المعارضة ودورها، والهيئات التي قامت : المجلس الوطني والإئتلاف.. بضعف المأسسة وروح العمل الجماعي..واتساع الفجوة بين الداخل وهذه المؤسسات، وتعدد الكتائب المسلحة التي وإن اتخذت راية الجيش الحر إطاراً عاماً إلا أنها في الحقيقة بعيدة عن التوحيد والتأطير المنظم حيث يخضع معظمها للجهات الممولة والحزبية، وهذا حال هيئة الأركان، ومصاعبها في توحيدج العمل المسلح ضمن إطارها، وفي وجود موانع وتداخلات محلية وإقليمية وخارجية تحول دون النجاح في مسعى التوحيد، والضبط .
ـ وحين نجيء إلى الجانب السياسي.. فإن افتقاد المعارضة، خاصة الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة إلى رؤية سياسية تنبثق عنها مبادرة سياسية واقعية يتقدّم بها لشعبنا بكل فئاته أولاً، وللمجتمع الدولي الضاغط على صيغة واحدة مازالت تراوح وتتجدد.. إنما يمثل فجوة كبرى في عمل تلك المؤسسات.
لقد اتفقت المعارضة في الشهر السادس من العام الماضي ـ في مؤتمر القاهرة ـ على وثيقتين مهمتين تشكلان مرجعية هامة : العهد الوطني والمرحلة الانتقالية، وحددت في الأولى مرتسمات وشروط الحل السياسي : رفض أية مفاوضات إلا بعد تنحية رأس النظام وكبار رموزه، وتحويل المتورطين بالقتل للمحاكم، لكنها ـ المعارضة ـ لم نبذل الجهد المنسق، المطلوب لجعل شروطها تلك مدخلاً مقبولا يتبناه المجتمع الدولي لبدء عملية الانتقال الجدي، وتجنيب البلاد مزيد المخاطر والدمار والدماء.. إن كان عبر تعزيز العامل الذاتي بتشكيل ميزان قوى يفرض منطقه على الأرض، أو عبر حركة واعية، مدروسة مع أصدقاء الشعب السوري لإقناعهم بجدارة تلك الشروط، وأهمية تبنيها لتأمين مستلزمات الحل السياسي .
ـ مع ذلك.. الثورة السورية العظيمة، ورغم كمّ التحديات، والمصاعب، وحجم التضحيات والخسائر.. تتقدّم وتتصاعد وتتسع مجالاتها.. وهذا من أهم أسرارها، وتزداد إيماناً بالمضي على طريق انتزاع الحرية والكرامة، وصيانة وحماية الوحدة الوطنية من التفتت والتقسيم، وإفشال خطط الطغمة بالانجرار لحرب مذهبية طاحنة..
إنها الثورة المستمرة حتى تحقيق الأهداف الشاملة لها..كواحدة من أهم ثورات العصر.. والتي تضع بلادنا على سكة التغيير، والديمقراطية .