هل الدولة العلوية حقيقة، وممكنة القيام ؟
هل الدولة العلوية حقيقة، وممكنة القيام ؟
عقاب يحيى
يكثر الحديث هذه الأيام عن مؤشرات قيام دولة ـ دويلة علوية يجري التمهيد لها ولحدودها في المعارك الضارية التي يشنها نظام الإجرام في حمص وجبل الزاوية والتركمان..وهناك من يعتبر ذلك تطهيراً عرقياً كمقدمة لتلك الدولة المنشودة ..وهناك من يخصّب الفكرة بكومة من المعلومات عن حدود ترتسم، وأسلحة تخزن، واستعدادات قائمة للوقت المناسب.. وكثير من كلام بهذا المعنى .
يسهل الكلام عن الدويلات الطائفية والقومية في مناخ الاتجاه التقسيمي الذي ينتشر في مناطق عديدة من الوطن العربي، ومخططات التفتيت التي تقوم على أساس عرقي أو مذهبي، حيث يصرخ العراق بذلك، بينما وقائع التمزق منتشرة في معظم المجتمعات العربية، خاصة التي تتعايش فيها أقليات قومية ودينية ومذهبية، في حين يعرف الجميع أن الاستراتيجية الصهيونية تعتمد ذلك بقوة، وقد قدّمت لها إيران بمشروعها القومي ـ المذهبي مواد دسمة للانتشار والموضعة، وكذا الاتجاهات السنية المتطرفة التي تنظر للأوطان من خرم إبرتها الخاص فتبلع الطعم، وتنشر أوار حروب التقسيم .
ـ فرنسا حاولت إقامة دولة علوية وهي تقسم سورية لأربع دول، فشلت لعدم واقعية ذلك من جهة، ورفض الوطنية السورية، بما فيها الوطنية في الطائفة العلوية من جهة ثانية، وارتفع هدير المشروع القومي بشعاراته الوحدوية الكبيرة القافزة فوق المكونات كلها، والعابر لها دون علاج، ودون أخذ بالاعتبار لمواقعها وتأثيراتها.. تحت مفهوم : أنها مخلفات مضى عليها الزمن، وبنوع من سياسة هروبية للأمام لا تخلو من نهج قمعي في التعامل مع ظاهراتها، بدل دراستها وعلاجها .
ـ وكما هو معروف.. فالمكونات الدينية والقومية.. وغيرها واقع قائم، ونتاج مفاعلات تاريخية ترسّخت في بنيان المجتمع، واختلف دورها : قوة وضعفاً وفق المراحل التي عرفتها المجتمعات العربية.. فعبر فترات النهوض، والتحرر ضمرت كثيرا، وحوصرت في بيئاتها، وفي أعداد محدودة من كبار السن، لكن، ومع تعثر، وفشل، ثم نحر المشروع النهضوي انبعثت تلك الظاهرات بقوة، تستمد القوة، وشيئاً من مشروعية من البوار، ثم من لجوء من رفعوا رايات الوحدة والتقدم للاستنجاد بها، والارتكاز عليها في صراعاتهم الداخلية، وفي الحكم، حتى إذا ما نجح الطاغية الأكبر : حافظ الأسد بانقلابه التفحيحي.. معلناً تدشيناً رسمياً لمرحلة جديدة.. أطلت الطائفية بوجهها القوي، وإن لبست، دوماً، الشعارات البراقة الكاذبة، وكانت واحدة من استناداته الكبرى في ضبط الوضع، وإحكام قبضته على خناق البلد.. حتى لم تعد خجولة، وبات بالإمكان القبض عليها بقوة في قيادات الأجهزة الأمنية، ومفاصل الجيش والدولة وصناعة القرار في مملكة الرعب.. ذلك على الرغم من عمليات الخلط المشوّه في الشعارات القومية والتقدمية، وتلك التغطية الديكورية ـ المَظهرية لبقية المكونات وتصديرهم واجهة الوزارات ومناصب الدولة .
ـ في أحداث الثمانينات بين" الحركة الدينية" والنظام ارتفعت وتيرة التعبئة الطائفية حتى المدى المفضوح، حين نجح الطاغية، ومعه المجرم شقيقه / رفعت الأسد/ في تجيير الطائفة العلوية لصالحه، وتصوير نفسه حامي حماها من عدو مفترض سيبيدها على الهوية.. وكانت مجزرة حماة الرهيبة تمثل واحدة من تلك التجليات الخطيرة لمستوى التعبئة الطائفية، وفلتان خزين الحقد الموجّه ضد المدينة ورمزيتها، ثم جرت محاولات الالتفاف الملغوم على هذا الواقع بمزيد من الشعارات الشعبوية، والصيغ الديكورية، وتقريب التجار الجدد من دائرة القرار، وتصديرهم واجهات للتحالف الجديد .
*****
عبر هذا المسار يجدر الوقوف عند الدور الإيراني، ونتائجية المشروع الإيراني على لوحة الصراعات المذهبية وتعميمها في معظم مناطق الوطن العربي، وبالتحديد قفي سورية. ففي غياب المشروع العربي الموؤود.. نجحت إيران، وعبر التزاوج بين شعارات المقاومة وتبني القضية الفلسطينية من اختراق المجتمعات العربية من أقصاها لأقصاها.. واختلطت الحدود فعلاً بين الجانب القومي في ذلك المشروع، والبعد الديني، بل المذهبي حيث بات صعباً التمييز والتفريق بينهما، وهل المشروع الإيراني قومي بامتياز؟، أم خليطة بين القومي والديني؟. وحين نجيء للديني يجب التوقف عند الطابع المذهبي حيث فشلت القيادة الإيرانية العقائدية في الخروج من شرنقة مذهبيتها إلى الإسلام الأرحب، وأسهمت، مباشرة، أو من حيث النتيجة في توتير الأجواء المذهبية، وفي تصدير الصراعات المذهبية بديلاً، وإطاراً يؤدي إلى انقسامات عمودية خطيرة في معظم بلدان الوطن العربي .
ـ نظام الطغمة الذي وصف الثورة منذ بداياتها بأنها فتنة ومؤامرة.. كان يكشف بذلك بعده الطائفي الذي لم يقدر ترقيعه بكل البراقع والشعارات.. فانخرط فيه علانية، وارتكز بشكل فاضح إلى البعد الطائفي، وإلى بقية المكونات الدينية، وحتى القومية يستنجد بها، ويجندها في معركة أراد تصويرها على أنها معركة حياة أو موت بين هؤلاء، وبين الأكثرية المجتمعية.. ونجح، إلى حدود كبيرة، في تحشيد الطائفة العلوية ـ بأغلبيتها الساحقة ـ خلفه، أو لجمها من أن تتحول إلى عامل ضده، وراح يجند البسطاء فيها في أعمال التشبيح والتفظيع، بينما ترسانته الأمنية وجنودها من النخب المثقفة والإعلامية تقوم بدورها المرسوم في محاولات تشويه الثورة وتصويرها على أنها فعل سني في مواجهة الآخرين، مستفيداًن ومستغلاً بعض التصريحات وممارسات ردود الفعل المتناثرة هنا وهناك .. بينما فشلت المعارضة وقوى الثورة في إحداث اختراق مهم داخل تلك التركيبة المجتمعية..
ـ لكن، ورغم عديد المظهرات الطائفية، ورغم بنية النظام الفئوية، وقوة استناده في هذا المجال، بل وداعبة مثل تلك الأفكار التقسيمية لبعض المرضى والموتورين فيه.. إلا أن مقومات دولة علوية ليست قائمة موضوعيا، لا من حيث الجغرافيا : حيث الاختلاط والتداخل والتشابك، ولا من حيث القابلية للحياة، والتي تخالف التركيبة المجتمعية لبلدنا، وحرص الجميع على الوحدة الوطنية، والوحدة الترابية ـ السياسية ـ المجتمعية لسورية، والتي هي جوهر الثورة، وثابتها الذي لا يمكن التفريط به من جهة، والقاسم المشترك الكبير عند الجميع، بمن فيها الكتلة الرئيسة في الطائفة العلوية التي ستقاوم مثل هذه المشاريع الملغومة، وستقف في خندق الوطنية السورية عندما يحين أوان ذلك .
ـ نعم من واجب المعارضة أن تعمل بكل وعي على صيانة الوحدة الوطنية.. بما يتجاوز الشعارات" التطمينية" والكلمات العاطفية عن الوحدة المجتمعية.. غلى وضع سياسات عملية تصون اللحمة الوطنية وتحدث الاختراقات المهمة في الواقع.. وخاصة في صفوف المحسوبين على الطائفة العلوية، والابتعاد عن سياسات رد الفعل، ولغة المجاملة والتعميم ..