خواطر قابلة للنقاش / الخاطرة 11
د. محمد أحمد الزعبي
> حول إشكاليات المعارضة السورية :
أولاً ، تعود الأسباب الرئيسية لمعارضة الغالبية الساحقة من السوريين ، لنظام الأسد، بصورة أساسية إلى:
1. لاشرعية النظام ، حيث وصل حزب البعث إلى السلطة عام 1963 بانقلاب عسكري ، وهو ماعرف
في حينها بـثورة الثامن من آذار 1963 ،
2. سيطرة " فئة معينة " من العسكريين على ماعرف يومها بـ "اللجنة العسكرية " ومن خلالها على
الجيش ومن خلال الجيش على الحزب والحكم ، حيث مرت هذه السيطرة بثلاثة مراحل :
ـــ المرحلة الأولى من 1963 (ثورة الثامن من آذار ) وحتى 1966 ( انقلاب القيادة القطرية على القيادة
القومية / حركة 23 شباط ) ،
ـــ المرحلة الثانية من 1966 إلى 1970 ( انقلاب حافظ الأسد على حركة 23 شباط ) ،
ـــ المرحلة الثالثة من 1970 وحتى اليوم ( 27.2.2013 ) ، مروراً بمسألة التوريث عام 2000.
3. ردود الفعل العسكرية الدموية والوحشية المتواصلة على كافة معارضي النظام من كافة الفئات ، بدءاً
بالناصريين( تسريح مئات الضباط وإعدام العشرات إثر أحداث 18 تموز 1963 ) وانتهاءً بثورة آذار
عام 2011 ، مروراً بالإسلاميين ( مجازر تدمر وحلب وإدلب وحماه التي بلغت حصيلتها حوالي مائة
ألف ضحية ، إضافة إلى مئات الألوف الذين هربوا خارج سورية طلباً للنجاة بأرواحهم ، ولا سيما إثر
صدورالقانون 49 عام 1980 سيء الذكر ) ، وبالحزب الشيوعي السوري ( المكتب السياسي ) الذي
قضى أمينه العام رياض الترك أكثر من 17 عاماً في زنازين حافظ الأسد .
4. الانقلاب العسكري للقيادة القطرية على القيادة القومية للحزب في 23 شباط 1966 ،
5. الطابع الديكتاتوري العسكري الفئوي لانقلاب حافظ الأسد عام 1970 على حركة 23 شباط 1966
حيث تم اعتقال قياديي هذه الحركة ، وأودعوا سجن المزة العسكري قرابة ربع القرن ، وحيث توفي
عدد منهم إما داخل السجن ، وإما بسببه ،
6. الفساد الإداري والمالي في كافة أجهزة ومؤسسات وعناصرالدولة .وخاصة في الحلقة العائلية للنظام ،
والتي بلغت ثرواتها المسروقة من جيوب المواطنين السوريين أكثر من مائتي مليار دولار أمريكي .
ثانياً ، تتكون المعارضة الأساسية لنظام عائلة الأسد، سواء قبل أوبعد ثورة آذار 2011 ، من التيارات التالية :
1. التيار الإسلامي بكافة أجنحته المعتدلة والمتطرفة ،
2. جزء أساسي من التيار العلماني بجناحيه ، الليبرالي والماركسي ،
3. التيار القومي العربي بجناحيه الناصري والبعثي ( بعث العراق وبعث صلاح جديد ) ،
4. جزء أساسي من الحركة الكردية السورية ،.
5. شباب ثورة آذار 2011 ،
6. الجيش السوري الحر .
ثالثاً ،وتتحدد مواقفها من الثورة والنظام ــ من وجهة نظرنا ــ كالتالي :
ـــ تيار إسقاط النظام الديكتاتوري الوراثي ، بكل رموزه وأركانه ( وهوالتيارالأساسي في الثورة) وإقامة
نظام جمهوري ديموقراطي برلماني تعدد ي وتبادلي بديلاً عنه ، وذلك انطلاقاً من أن المجتمع
السوري ليس كأسنان المشط ، وإنما كأصابع اليد التي تختلف بالشكل وتتفق بالمضمون ، من حيث
أنها جميعاً تشكل يداً واحدة رغم هذا الاختلاف في الشكل .
ـــ تيار تغيير النظام الديكتاتوري الوراثي ، بنظام ديموقراطي مدني ، ولكن بالحواروبالطرق السلمية ،
ـــ تيار المحافظة على النظام ، ولكنه يطالب النظام بالقيام بعدد من الإصلاحات التي تحول دون سقوطه
ـــ تيار انتهازي يضع قدماً مع الثورة ، والقدم الأخرى مع النظام !! ، وهو يظهر غير مايبطن .
رابعاً ،الإشكالية الأساسية التي تعاني منها المعارضة السورية هي :
1. أزمة عدم الثقة ، التي ترسخت عبر عشرات السنين بين بعض هذه الأطراف ،
2. خوف هذه التيارات من بعضها بعضاً ، إذا ماوصل هذا البعض إلى الحكم بعد سقوط بشار ،
3. إشكالية الفارق بين المعلن والمسكوت عنه في أدبيات وبيانات كل من هذه التيارات ،سواء حيال
بعضها بعضاً أو حتى داخل أجنحة التيار ذاته ،
4. إشكالية الفارق بين الموقف المعلن والموقف المضمر من نظام عائلة الأسد بين بعض هذه التيارات ،
> حول مفهوم الثورة :
خامساً ، بخصوص هل مايجري في سورية ، أهو ثورة أم انتفاضة ؟:
ولكي نحدد أن ماجرى ويجري حتى اليوم في سورية هو ثورة أم انتفاضة ، علينا أن نعود إلى الجذر اللغوي لهذين المفهومين من جهة ، وإلى البعد الاجتماعي والسياسي لهما من جهة أخرى :
فمن الناحية اللغوية ، فإن معظم المعاجم والقواميس التي رجعنا إليها باللغتين الألمانية والعربية ،
لاتشير إلى كبير فرق بين المفهومين ، بل إنها تفسر كلاً منهما في كثير من الأحيان بالآخر ، أو
توردهما من ناحية المضمون كمترادفين .ولا سيما انهما يتساويان في مسألة السلمية ، وفي إمكانية اللجوء إلى العنف المسلح .
ولكن بعض المراجع السوسيولوجية تشير إلى وجود فرقين أساسيين بينهما ،يتعلقان (إجتماعياً ) بدرجة شمولية الموضوع أفقياً وعمودياً ،ونحن مع هذا التصور. إذ بينما يكون التمرد محدوداً على المستويين
الأفقي والعمودي(الشعب يريد تصحيح المسار)، تكون الثورة من جهة ، شاملة ( معظم الفئات الشعبية إن لم يكن كلها ) ، ومن جهة أخرى ، تكون مطالبها وشعاراتها جذرية وكلّية ( الشعب يريد إسقاط النظام) واستبداله بنظام سياسي آخر مختلف شكلاً ومضموناً . أو بتعبير آخر فإن الإنتفاضة قد تكتفي بالتغيير الكمي ، بينما لاتكتفي الثورة إلاّ بالتغيير النوعي .
وإذا ماطبقنا هذا المقياس على الحالة السورية ، فيمكننا أن نقول : بدأالحراك الشعبي كانتفاضة وانتهى كثورة .
> حول إشكالية الحوار مع النظام :
سادساً , حول إشكالية الحوار مع النظام السوري الحالي ( نظام آل الأسد ) :
عندما اطلق الشيخ معاذ الخطيب مبادرته المعروفة للحوار مع النظام بتاريخ 2.2.13 ، كتبت للشيخ معاذ رسالة مصغرة قلت له فيها :
ـــ إن وقف بشار الأسد لمجازره البشعة والمؤلمة والمفجعة ، لاتحتاج إلى مثل هذه المبادرات ، ولكنها
تحتاج إلى موقف جاد وحازم من الدول الكبرى المعنية ،
ـــ إنهم كلهم كذابون ياأخي معاذ ، يظهرون مالايبطنون ، وإن أولويتهم الحقيقية ليست وقف شلال دم
السوريين . ( وأضيف الآن إلى ذلك ) :
ـــ إنهم يفضلون حاكماً مستبداً وفاسداً يقول لهم " نعم " ، على حاكم عادل وغير فاسد ومنتخب من
الشعب ، ولكن يمكن أن يقول لهم " لا " .
ـــ إن الحوار الحقيقي إنما يكون بين متساويين ، وليس بين مسلح وأعزل ، ولعل هذا ماعبر عنه الشاعر
التونسي أبو القاسم الشابي بقوله : لاعدل إلاّ إن تعادلت القوى ...
> سابعاً ، توضيحان ضروريان :
التوضيح الأول ، حول التعددية البعثية :
لابد من الإشارة هنا إلى أن حزب البعث العربي الاشتراكي ، لم يعد حزباً واحداً ولا موحداً ، وإنما هو
الآن أربعة أحزاب مختلفة نتظيمياً ، وإلى حد ما أيديولوجياً ، رغم المظاهر الشكلية التي توحي بغير ذلك
، ورغم الشعارات المختلفة التي توحي بذلك ، ألا وهي :
1. الحزب الأم (ميشيل عفلق 1947) ،
2. بعث 23 شباط ( صلاح جديد 1966) ،
3. بعث الحركة التصحيحية ( حافظ الأسد 1970 ) .
4. الحزب العربي الإشتراكي ( أكرم الحوراني ، بعد 1961) .
ومن نافلة القول أن نشير إلى الخلافات العميقة ، وأحياناً الدموية ، والتي يعرفها الجميع ، بين هذه الأحزاب الأربعة ، والتي تقتضي سياسياً وأخلاقياً عدم وضعهم جميعاً في سلّة واحدة .
التوضيح الثاني ، حول مفهوم العلمانية عند التيارات والقوى السياسية ( المعارضة والموالية ):
إن مفهوم العلمانية ٍSäkular / Laizismus ( اللائيكية ) يختلف ، من جهة بين التيار الإسلامي بجناحيه السياسي وغيرالسياسي ، وبين بقية التيارات السياسية الأخرى ، ومن جهة ثانية ، يختلف ضمن كل تيارمن هذه التيارات . وتتمثل أوجه الخلاف والاتفاق هنا ، بين منظورين متباينين للعلاقة بين الدين والدنيا :
منظور : الدين لله والوطن للجميع، وإذن فإن المعابد لله ، والمحاكم للقضاة، والقضاة للدستوروالقانون
الوضعيين .
منظور : الدين والوطن لله ، وإذن فإن الحكم أيضاً هو لله ، وذلك من خلال كتبه التي أنزلها للناس عن
طريق رسله .
ويخيل إلى أنها مسألة معقدة ، ويحتاج حلها إلى زمن قد لايكون قصيراً ، وإلى نضج حضاري مختلف .
انتهى