دمشق وبغداد.. عودة الصراعات التاريخية..
يوسف الكويليت
سورية والعراق، جاران لا يلتقيان رغم حكم البعث للبلدين، والخلافات لم تكن وليدة اليوم، فكأننا نعود إلى صراعات تاريخية بين الأمويين والعباسيين، وتحويل شعراء العربية في ذلك الوقت إلى هجائين لكلتا الدولتين، وتكرر الصخب بين صدام والأسد الأب، ومع الابن في بدايات غزو العراق، وتحالفات جديدة بين بشار سورية، ومالكي العراق، وهما من تبادلا الشتائم والاتهامات عندما أيدت سورية معارضي الغزو، ومساعدة تنظيمات متطرفة بما فيها القاعدة لضرب المدن العراقية، وبلا مقدمات انقلب العداء إلى تحالف بين الغريمين، وهذه المرة جاءت الطائفية لتلقي بظلالها على البلدين، لأن العدو القادم من سورية، قد يقلب المعادلات ويرسم خطاً جديداً ما جعل المالكي يعلن بأعلى صوته أن سقوط بشار يعني حرباً أهلية في العراق ولبنان..
الأيام الماضية شهدت نزاعات على حدود البلدين استخدمت فيها القوة العسكرية، وأمام إنكار الحكومة العراقية وتبرؤ الجيش الحر من الحدث، فقد أعاد جيش العراق ضرب مناطق على الحدود السورية، وأن المالكي يعدّ لاقتحام مراكز الاحتجاجات والمظاهرات في الأنبار بضربة استباقية من الجيش خطط لها بشكل سري مع رموز محددة اجتمعوا في منزل رئيس الوزراء، لأن هاجس سقوط الأسد يعني انقلاباً بالقوة، قد يؤدي إلى تغيير سلطة العراق بانقلاب عسكري، فهذه الكوابيس ستدفع الحكومة العراقية إلى التورط أكثر في الوضع السوري، وقد تكون، مع حزب الله وسائل ضغط عسكري لمساندة قوة الأسد، لكن المغامرة قد تجري، غير أن النتائج ستكون مدمرة، لأن هذا سوف يدفع أطرافاً أخرى لدعم المعارضة والجيش بعذر التدخل من قبل حليف حكومة دمشق، ومثلما تدخل صدام في حرب مع إيران لاختلال ميزان القوة لصالحه، والذي أتى بعد دعم من قوى خارجية كبرى وصغرى، فإن الورطة مع سورية ستأخذ ذات الأبعاد، والمخاطر..
فجيش العراق لا يزال في مرحلة التكوين، وحتى لو كان طابعه طائفياً، فبروز العشائر كمعارض لحكومة بغداد، قد يجعل القبيلة فوق الطائفة، وهنا ستتحد عشائر الجنوب الشيعية مع أبناء عمومتهم وأرومتهم في الأنبار وغيرها، وعندها ستنقلب المقاييس وتكون الحرب دينية مذهبية بين سنّة وشيعة، وعشائرية ولاؤها لرئيسها وقيادتها، وحتى إيران لو أرادت إدارة اللعبة بتدخل مباشر فقد تدخل حالة استنزاف طويل مع مكونات لا تضمن ولاءها، أو الانتصار عليها..
عقلاء العراق لا يريدون الانجرار إلى مستنقع جديد، وهم يعرفون تمزق الوضع الداخلي وفساد قياداته، لأن ذلك يعني أمام الرأي العام العالمي تدخلاً في شؤون بلد عضو في الجامعة العربية والأمم المتحدة، والأخطر من ذلك كله أن العداء سيتطور بين شعبين يقسمهما العداء المذهبي، والحكومتان الطائفيتان، وهذا سيُسقط حسابات بغداد كلها، إذا ما استغل الأكراد ظرف هذا الخلل بإعلان دولتهم، وعندها سيتمزق العراق وسورية معاً، وهو هدف تلتقي عليه قوى إقليمية ودولية في خدمة مصالحهما..