خطابُ الخراب: كثيرا من العاطفة.. قليلا من العقل
خطابُ الخراب:
كثيرا من العاطفة.. قليلا من العقل
د
. حمزة رستناوي"يُحكى عن رجلٍ كان اسمهُ سوفسطا , وأنه كانَ و شيعته يُنكرون الحقائق كلها"
ابن تيمية- كتاب الصفديّة
*كثيرا ما نغرق في التفاصيل ,و تفاصيل التفاصيل , اسقاط طائرة هنا و اختطاف شخص هناك و تصريح صحفي ..الخ بما يأخذنا بعيدا عن فهم الظواهر , و محاولة ايجاد علاقات مقنونة تفسر ما يجري حولنا من أحداث , و ربَّما كانت المقولة الشهيرة (لا علم إلا بالكليات ) تؤكد ذلك, و كذلك كثيرا ما يأخذنا الحماس لشخص ما, أو تتحكّم بنا ردود الافعال تجاه حدث معين , و من ثمّ نتّخذ موقفا انفعاليا أقرب إلى الانتقام , أو نستسلم للأحلام و الأمنيات بعيدة المنال (التفكير الرغبوي )
ما نحتاجه هو تنمية مهارات التفكير النقدي والتأسيس لعقلانيّة متوازنة في الثقافة العربية الاسلامية , و تنمية البعد المنطق في التفكير , سواء أكان بمعناه الخاص كالمنطق الصوري أو بمعناه العام كمنهج البحث العلمي و التفكير السليم , فالمنطق بشكل عام يدرس القواعد العامة للتفكير (الصحيح) و لا يهتم كثيرا بالجزئيات لنفسها ..هو يسعى للبحث و تطبيق صيغ قانونية عامة تسلك الجزئيات , و هذا ما أظنّه مفيدا من جهة تقديم مقاربة عامة لقضية استهلكتها الأحداث و التفاصيل كثيراً , بما قد يحجب الصورة الكلّية عن أذهاننا .
*يميز أرسطو في تصنيفه للقياسات بين أربعة أنواع هي :
1-البرهاني
2- الجدلي/ الخطابي
3- الشعري
4– السفسطائي أو الجّدالي.
و سنفصِّل قليلا في هذه العُجالة في موضوع الخطاب / القياس السفسطائي أو الجدالي,
و هو تعريفا القياس المركَّب من الوهميَّات و الغرض منه تغليط الخصم , و يتراءى هذا الخطاب على أنّهُ برهاني أو جدلي/ خطابي و لا يكون كذلك ( ابن سينا, كتاب النجاة) وسنقوم الآن بعرض العديد من نماذج المُغالطة مع التمثيل لها بشواهد قد تكون مفيدة من الحالة السورية.
*مغالطة عدم التلازم non-sequitur fallacy
و هي صفة مشتركة بين كل المغالطات المنطقية , حيث نجد عدم تلازم سببي بين المقدِّمات و النتائج, فالارتباط لا يعني بالضرورة السببيَّة
Correlation does not imply causation
(فلان علوي ..إذا هو مُجرم و شبِّيح )
الخطأ المنطقي ناتج عن اعتماد مُقدمة كبرى خاطئة , هي القضية الكلية الموجبة ( كلّ علوي هو مجرم - كلّ علوي هو شبِّيح )
( فلان من دوما.. اذا هو سلفي و ارهابي )
الخطأ المنطقي ناتج عن اعتماد مقدمة كبرى خاطئة , هي القضية الكلية الموجبة ( كل دوماني هو سلفي – كل دوماني هو ارهابي )
*مغالطة الحجّة الدائرية Circular Reasoning fallacy
وهي استخدام النتيجة كأحد المعطيات في الوصول إلى النتيجة نفسها, و عادةً ما تُصاغ النتيجة بطريقة لا تبدو مشابه للمُعطى من الوهلة الأولى.
باسم: سوريا مهد الحضارات لأنها بلد عريق في التاريخ
*مغالطة حُجّة من جهل argument from ignorance fallacy
هي انتقاد صحة أمر ما لعدم وجود أدله تثبت عدم صحته.
باسم : القوات الحكومية السورية أبداً لم تستخدم غاز الكلور في قصف مدينة كفرزيتا , و لا توجد أدلّة موثوقة بين أيدينا تؤكّد هذه الافتراءات.
فعدم توفر أدلّة موثّقة لا يعني بالضرورة براءة القوات الحكومية من قصف المدينة بغاز الكلور, فقد يكون جمع الادلة و تحليلها غير ممكن و صعب في ظروف الحرب, و قد تتوفر هكذا أدلّة بعد شهر أو سنة ..الخ. ,و تستخدم هذه المغالطة أحياناً لنقل عبء الإثِبات من صاحب الحجة إلى الطرف الآخر.
*مغالطة الاتصال false continuum fallacy
و هي الاعتقاد بأنّهُ لا يمكن التميز بين طرفين لعدم وجود حَدّْ فاصل و واضح بينهما
باسم: الطقس حار
رباب: ما دمنا نقيس درجة حرارة الجو بالدرجات, فلا يوجد طقس بارد أو طقس حار, فالبرودة و الحرارة هي درجات في النهاية.
و مثال آخر ذو صلة بالثورة / الحرب الأهلية السورية.
باسم :لقد ارتكبت المعارضة المسلحة مجازر و جرائم ضد الانسانية يندى لها الجبين.
رباب: بالتأكيد لقد حدثت حالات انتقام ضد عائلات موالية للنظام , و ذهب ضحيّتها عدد متفاوت من الناس ,و لكن لا يمكننا أن نصِفُها بالمجازر أو بالجرائم ضدّ الانسانية.
و وجه المُغالطة هو أنّه بغض النظر عن التعريف القانوني للمجزرة أو الجرائم ضد الانسانية , فالمجزرة هي في النهاية تراكم عددي لحالات القتل.
*مغالطة التقسيم الخاطئ False dichotomy fallacy
و هي تقليص عدة الاحتمالات إلى احتمالين فقط، فهي إلى حدٍ ما عكس مغالطة الاتصال، وتستخدم هذه المغالطة أحياناً لإجبار الخصم على اختيار عدة اختيارات مُنتقاة و إيهامه بعدم وجود اختيارات أخرى، و تستخدم هذه المغالطة كثيرا لتوجيه التصويت عند تصميم استطلاعات الرأي في البرامج التلفزيونية و مواقع النت.
باسم: إما أن تكون معنا أي مع الدولة السورية أو مع الارهابيين
لقد جرى اهمال خيارات أخرى, فليس بالضرورة كل من يعارض النظام السوري هو مع ( الارهابيين).
رباب: عليكَ أن تختار بين الاسلام و العلمانية.
فقد جرى اهمال خيارات أخرى كأن تكون مسلم علماني, حيث أن العلمانية بِحَدِّ ذاتها ليستْ بدين.
*مغالطة الاحتكام الى التجربة الشخصية Anecdotal fallacy
عادة ما يتذكر الشخص التجارب الداعمة لأفكاره أو التجارب الشاذة عن العرف و العادة . و تحدث هذه المغالطة عند استخدام تجربة شخصيِّة أو مثال معزول كقرينة إثبات , و من ثمّ تعميم هذه الخبرة أو المثال.
( إنّهم يقتلوننا على الهويّة , لقد قتلوا أخي فقط لأنّه علوي)
( إنّهم يقتلوننا على الهويّة, لقد قتلوا أخي فقط لأنّه سنّي )
فالراوي هنا يعرض لتجربة شخصية , و هذه التجربة لا تكفي – لوحدها- للتعميم و الاستنتاج أنَّ أخوهُ قد قُتل فقط لأنّه علوي أو لأنّه سنّي , أو أنّهم (أي : الطرف الآخر) يقتلون العلويين أو السنَّة على الهويّة.
*مغالطة القنّاص Texas Sharpshooter fallacy
وهي انتقاء البيانات التي تدعم الحُجة ,مع تجاهل البيانات التي لا تدعم الحجة، كالذي يرمي الجدار بالبندقية ثم يرسم نقطة الهدف على موقع الرصاصة , ثم يدعي بأنه قنَّاص. و مثالها وسائل الاعلام الحكومية في بداية الثورة السورية كانت تنفي وجود مظاهرات في مدينة مُعينة عقب صلاة الجمعة , عبر تصوير أماكن هادئة أخرى في ذات المدينة تظهر الحياة الاعتيادية.
انتهى