أم الكبائر
الطيب عبد الرازق النقر
الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا
لعلي لا أضرب في أودية الحدس، وأوغل في شعاب الرجم، إذا زعمت أن معظم جرائم القتل التي نجمت عن شجار بين خليلين توطدت بينهما علائق المودة، وأواصر الإخاء كانت تصل للخمر بصلة، وتعود إليها بسبب، و«الصهباء» التي لا تنحسر عنها لثام الشبهات، وتنتفي دونها حزم الظنون، هي من جعلت بعض الأسر التي أضرّ بها الإملاق، وعازها القوت، تعاني من ضراعة الجانب، ووضاعة الشأن، لأن عائلها الذي غاصت بشاشة وجهه، وذهبت أناقة هندامه، بدد طارفه وتليده في «الشّمول» التي من أجلها قطع ما بينه وبين الناس من أسباب الوداد ووثيق الصلات، وأكتفى «بالحُميا» التي يهش إليها هشاشة السائل للعطية.
وشارب الخمر الذي يعاني من قبح القالة، وسوء الجهالة، أسمى من أن يلحق به نظير، أو يوجد له مماثل، في الضعة والهوان، لأنه بتصرفاته الهوجاء التي تندّ عنه حينما يغيّب بمحض إرادته مناط التكليف يصير مضغة في أفواه القارضين، وغرضاً لسهام الطاعنين، فكم من سكير رنحته الخمر ترك حواصل زغابه خاوية وعاد وقد نمّ عليه الشراب، وسرت في مفاصله «الخندريس» ليدمغ عائلته بكل عار، ويلحق بهم كل خزاية، ودُور الخمر التي تضج بضلالات العقول، وحزازات النفوس، وبذاء الألسن، دُور عشعش فيها الشيطان، وضرب فيها قبابه، وينبغي للدولة التي تعامت عن بؤس الفقير، الا تتصامى عن صوت الضمير، فتحسم بائقة هذا الفساد، وتُعيد صانعيه ومروجيه لأرضهم التي شحب لونها، وضؤل محياها، وتورى بعدها الزناد الملهم لكل ضال، والشعاع اللافت لكل غافل، فمناط الثقة، ومعقد الرجاء، أن تتنره حكومتنا الرشيدة عن معالم الجور، وتنتهج سنن العدل، وتطبق شريعة الله الخالدة فينا، فتطبيق شرع الله أمر لا سبيل لها إلا إليه، وليس لها عنه مذهب.
ومن نافلة القول أن نذكر أن الخمر أنزل الله فيها ثلاث آيات آخرها قوله تعالى:«إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر فهل أنتم منتهون».المائدة:91. ومن الأخبار المتفق في تحريمها قول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة عاق ولا مدمن خمر». والعرب في الجاهلية رغم تعلقهم بالخمر وتهافتهم على المدام الا أن هناك نفرًا حرّمها على نفسه منهم الهالك عبدالله بن جدعان وكان من سادة وأسخياء قريش فقد حدث وأن نادمه أمية بن أبي الصلت الثقفي فضربه على عينه، فأصبحت عين أمية محمرّة، فخاف عليها من الذهاب، فقال له بن جدعان: ما بال عينك؟ فسكت أميه ولم يُجبه، فألحّ عليه عبد الله فقال: ألست ضاربها بالأمس. فقال: أو بلغ مني الشراب ما أبلغ معه إلى هذا لا أشربها بعد اليوم، ثم دفع لأمية نديمه عشرة آلاف درهم، وممن حرموها على أنفسهم في الجاهلية بعد تعاطيها قيس بن عاصم، والعباس بن مرداس الذي سُئل عن سبب تركه للشراب فقال: أكره أن أصبح سيد قومي وأمسي سفيههم، وقيل لأعرابي لم لا تشرب النبيذ فقال: لا أشرب ما يشرب عقلي، وقال أثيل المنبت، طاهر الأرومة الحسن رضي الله عنه:لو كان العقل يُشترى لتغالى الناس في ثمنه فالعجب ممن يشتري بماله ما يفسده.