معادلة الحلول السياسية ..

معادلة الحلول السياسية ..

عقاب يحيى

في جميع الثورات كان التوازن مطلوباً بين السياسي والثوري . بين التكتيك وثوابت الهدف..

ـ أكيد أن أي عمل سياسي لا يمكنه أن ينشأ في الفراغ، وألا يعتمد على قوة الميدان. لأن المسألة في الأول والأخير ميزان قوى يتكلم ويفرض، وليست أمنيات ورغبات وعواطف..

ـ الثورة السورية تواجه نظاماً استثناء لجهة تركيبته الأمنية ـ العسكرية ـ الفئوية، ولجهة عنجهيته واستهتاره بأرواح البشر، وبنيان الدولة ومؤسساتها، والوحدة الوطنية، ومصير ومستقبل البلاد، وتمسكه بثابت وحيد : البقاء ولو على جبال الجماجم، وأنهر الدماء، وأكوام الخراب..

ـ في ضعفه وقوته.. لا ينتج غير العنف والقتل ، وفي تعامله مع المبادرات يُظهر خبثه وتلاعبه للمطمطة والتمييع، والتمرير والنسف لأنه لا يعترف إلا به ..

ـ والنظام له حلفاء أقوياء، تتجاوز العلاقة مع بعضهم إطار المصالح إلى شيء عضوي يص مباشرة في المشروع الفئوي، القومي الإيراني.. بكل رؤوس حرابه، وأذرعته، وقدراته، وروسيا التي تحركها عوامل مختلفة .. بما فيها النزوعات الإمبراطورية لرجل الكاجي بي السابق، الرئيس بوتين.. وصرف أنظار شعبه عن الواقع الداخلي بإيجاد مخارج خارجية.. وتكون بلادنا السلعة، ومركز المقايضة..

ـ بالوقت نفسه فحلفاء وأصدقاء.. الشعب السوري محكومون بجملة اعتبارات وقيود، في مقدمها : تأثير الولايات المتحدة وما تريد ..

عديد الدول العربية تريد تقديم المزيد للثورة، وتقف معها.. لكنها ملجومة بسياسة الإدارة الأمريكية ورؤيتها، والأمر يمكن أن ينسحب على الدول الغربية التي لا يمكنها أن تتخذ قراراً منفرداً، حاسماً دون موافقة أمريكية، وهو حال تركيا أيضا .

الإدارة الأمريكية ولعوامل ثلاث : أزمتها الاقتصادية ـ دروس تدخلها في أفغانستان والعراق ـ التأثير الصهيوني الواضح ترفض اتخاذ قرارات حاسمة منذ البداية، وبالتالي ترفض إسقاط النظام بالقوة، وتضغط لفرض حل سياسي، والحل السياسي متناوب، لكن بقاء النظام بشكل ما ركيزة في كل تلك المبادرات والمفاوضات، والحجج كثيرة متناوبة : حماية الأقليات.. من خطر يفترضوونه ويضخمونه، في حين أنهم لم يحموا الشعب السوري، بأكثريته التي تذبح، وفئاته المختلفة، وتركو طغمة القتل تمارس كل أنواع الفتك والتدمير والمذابح الجماعية، فالخوف من الإسلاميين، والمتشددين والمتطرفين والقاعدة.. والقادم أيضاً وفق اختراعاتهم.. فآخر المعزوفات : السلاح الكيماوي والخوف من وقوعه بيد المتطرفين....

****

تلك هي ابرز ملامح اللوحة، وفيها، وفي القلب منها العامل الرئيس : شعب ثائر قرر التضحية بالنفس لأجل الهدف، وشباب يقاتل كخيار وحيد أجبر عليه، وتقدمات للثورة مهمة في تحرير أجزاء كبيرة من المدن والأراضي.. لكن باثقال العوز للسلاح، والتوزع في الاتجاهات والصيغ المتعددة.. وببعض التصرفات والنتاجات السلبية ..التي يُراد تضخيمها، وتصديرها لتشويه الثورة ولبّ عملها، ومطالبها ..

ـ الثورة، وآخذين بالاعتبار المساعدات التي قدمت لها، إلا أنها اعتمدت على قواها الذاتية : الشعب السوري بشكل رئيس، وعلى تسليح نفسها ذاتياً أيضاً، وبشكل رئيس..

لكن، وعبر منظور الميزان في الجهتين : الطغمة والثورة.. ترجح الكفة لجهة الطغمة على صعيد الدعم والإمداد، وحتى التأييد السياسي.. مما سمح له بالحفاظ على تماسك كتلته الداخلية، ووجود نسبة لا بأس بها تقف متفرجة، أو على الحياد، وعدم قيام انهيارات مهمة في بنيته وارتكازاته ..

ـ في هذه الوضعية تنبت وتقوى المشاريع السياسية.. بأمل أن تضع حداً للمقصلة المفتوحة، وللدمار اليومي لبلادنا، ولوضع حد للمخاطر الحقيقية التي تحيق بالوطن، وهي مخاطر كبيرة ..

لكن أية أفكار، مهما كانت واقعية، أو نبيلة، أو جيدة، أو ممكنة التحقيق من وجهة نظر أصحابها.. تستلزم هنا أمرين :

الأول : تقوية العامل الذاتي بكل الوسائل، ونخصّ منها الجيش الحر والكتائب المسلحة، والتقوية لا تقتصر على تقديم السلاح، والمتطور منه وحسب، ولا المال للقيام بالمسؤولية فقط.. بل وفي الساس : تنظيم وتوحيد وتنهيج العمل المسلح ووضعه في إطاره الصحيح، ووفقاً لضوابط دقيقة تحافظ علىى الحاضنة الشعبية وتتوسع فيها باعتبارها الهدف والأساس والمعين.. بينما تترك الممارسات والتصرفات المشينة والسيئة التي تُحسب على الثورة أبلغ الأثر على تلك الحاضنة، وتقدّم مادة خصبة للطغمة كي تخضمها، وتستغلها .

ـ والثاني ينطلق من استنهاض الوطنية السورية كي تتحمل مسؤولياتها في إنجاد الثورة وتقديم ممكنها، خاصة الجاليات الخارجية، ورجال الأعمال.. وفق خطة مدروسة تحقق ذلك ..

ـ إن النجاح في استقدام الدعم السوري يستلزم إجراءات مهمة في الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة بدءاً من معالجة أوضاعه الداخلية على طريق المأسسة وتعزيز الروح الجماعية، والممارسة الناضجة التي ترقى إلى الآمال المعقودة عليه، ووقوفاً عند المصداقية وحسن الأداء والتصرف ..

***

أية مبادرة سياسية.. وهي مطلوبة وواجبة على طول خط الصراع المصيري مع الطغمة، ومع الإقرار بها، وضرورة بلورتها ، وأهمية التكتيك المنوّع.. فعليها أن تنطلق من واقع الثورة وميزانها أولاً، وباتجاه تدعيم قواها ووجودها على الأرض..

ـ المبادرات لا يمكن أن تكون واحدة، وجامدة، وإن حافظت جميعها على الثوابت المتفق عليها : رحيل الطغمة ممثلة برأس النظام وكبار رؤوسه وتحويل المتورطين بالقتل للمحاكم العادية.. إذ يمكن أن تشهد مناقلات وتغييرات وفق التطورات، والأوضاع في كل صعيد ..