انتفاضة العراق التصحيحية
ياسر الزعاترة
ما من شك أن العرب السنة يعيشون منذ مجيء الاحتلال وضعا بائسا لا يمكن تصوره نتج ابتداءً عن إرادة المحتل حلَّ معضلته على حسابهم، حيث دفع من جيبهم للقوى الشيعية المتحالفة معه، وكذلك إيران على أمل الخروج من المستنقع الذي وجد نفسه فيه بأقل الخسائر.
بقرار الاحتلال حلّ الجيش العراقي بدأت المأساة، حيث انطلقت عملية تشكيل الجيش الجديد، وتبعا له الأجهزة الأمنية على أساس طائفي يستبعد العرب السنة، فيما استخدم شعار اجتثاث البعث ذريعة لمزيد من مطاردة رموز المجتمع العراقي من العرب السنة.
حدث ذلك رغم علم الجميع أن حزب العبث لم يكن حزبا طائفيا، وهو في عقده الأخير قبل الاحتلال، بل ربما قبل ذلك، لم يعد يعني الكثير على صعيد الأيديولوجيا، بقدر ما أصبح حزب سلطة ينتمي إليه كل من يريد الحصول على منصب ما في دوائر الدولة، واللافت أن لعبة الاجتثاث لم تطارد سوى العرب السنة في الحزب، بينما استثنت الشيعة أو أكثرهم، بدليل أن عددا هائلا من مسؤولي الدولة من الشيعة هم أعضاء سابقون في الحزب.
إنها الطائفية التي اختبأت خلف عناوين شتى من أجل مطاردة العرب السنة ورموزهم، ومن أجل ثارات قديمة لا أصل لها، لأن صدام حسين لم يكن طائفيا سنيا، وما ظهر منه على هذا الصعيد كان نتاج مخاوف ظهرت خلال سنوات الحرب مع إيران لا أكثر.
في عملية التهميش هذه تم استخدام سياسيين من العرب السنة قبلوا بذلك عبر التعاون مع الاحتلال، ومنذ مجلس الحكم الذي أسسه بريمر مرروا لعبة التهميش، ووضعوا ختمهم على اعتبار العرب السنة مجرد أقلية لا أكثر.
قبل 3 سنوات، ابتعد العرب السنة عن خيار العنف، وانخرطوا في العملية السياسية رغم أنها تمت بشروط صاغها المحتلون ومن تعاون معهم من القوى الشيعية، وهي عملية كانت مبرمجة في الكثير من تفاصيلها لتهميشهم، لأن الأكراد باتوا عمليا خارج اللعبة بحصولهم على ما يشبه الاستقلال، وإن ظلوا نظريا جزءا من العراق.
وقف العرب السنة بقضهم وقضيضهم وراء القائمة العراقية التي دعمتها تركيا وبعض الدول العربية على أمل تصحيح الوضع المشوه، فكان أن حصلت القائمة على المرتبة الأولى في الانتخابات، متقدمة على قائمة المالكي (ائتلاف دولة القانون)، وكان طبيعيا أن تشكل الحكومة، لكن إيران التي تسللت إلى شرايين الوضع العراقي برمته ما لبثت أن تدخلت بقوة لتعيد توحيد القوى الشيعية من اجل أن تشكل هي الحكومة، وهو ما كان، ودخلت القائمة العراقية في شراكة مع المالكي، لكن تلك الشراكة لم تغير في واقع التهميش الذي يعيشونه، وزاد المالكي فاستهدف نائب الرئيس طارق الهاشمي باعتقال فريق حمايته، ثم سعى لاستهداف الرجل الثاني القوي في القائمة (رافع العيساوي) بذات الطريقة.
هذا الحدث الأخير قلّب مواجع العرب السنة، فانتفضوا، لا من أجل العيساوي، بل من أجل مظالمهم التي باتت تتكرس كل يوم، باعتقال نسائهم وأبنائهم وتكريس تهميشهم وإقصائهم.
في مناطق تواجدهم هبوا هبة رجل واحد. في البداية تجاهلهم المالكي وأمعن فيهم تهديدا، لكنه عاد وأظهر بعض التراجع بعدما رأى مستوى عزيمتهم، لا سيما أنه يدرك أن الوضع في ضوء ما يجري في سوريا لا يحتمل الكثير من الغطرسة.
وفيما سمى العرب السنة انتفاضتهم بالربيع العراقي، إلا أن أحدا منهم لا يتعامل معها على أنها ثورة ستقلب الأوضاع رأسا على عقب، لكنهم في المقابل يرفضون أن تباع بثمن بخس؛ تنازلات محدودة لا تسد الرمق ولا تعيد الحرية والكرامة والعدالة. إنهم عازمون على استرداد حقوقهم كاملة، بل حق الشعب العراقي كله في الحرية والكرامة والعدالة دون إقصاء ولا تهميش، وبعيدا عن طغيان نخبة فاسدة.
صحوة العرب السنة تستحق التحية، لا سيما أنها صحوة ضد الطغيان، وضد نخبة سياسية ضعيفة (بعضها فاسد) لم تمثل هواجسهم ولم تدافع عنهم رغم ما منحوه لها ثقة. والحل لكل العراقيين يتمثل بتشكيل حكومة جديدة تحظى بقبول كل العراقيين وتعبر عن هواجسهم جميعا.