من المسؤول عن مأساة مخيم اليرموك؟!

ياسر الزعاترة

قد يبدو السؤال أعلاه مقبولا بالنسبة لمراقبين دوليين، أو صحافيين أجانب جاؤوا يتفحصون معالم المأساة وأسبابها، لكنه ليس كذلك بالنسبة لصاحب ضمير حي يعرف حقيقة ما يجري في سوريا منذ قرابة عامين؛ حقيقة أن هناك 40 ألفا سقطوا ضحية الإجرام الأسدي، وأن هناك مئات الآلاف من الجرحى ومثلهم من المعتقلين، فضلا عن أكثر من مليوني مشرد في الداخل والخارج. ثم يعرف إضافة إلى ذلك أن هناك أكثر من 700 فلسطيني قد قضوا نحبهم في الصراع الدائر في سوريا؛ كان نصيب مخيم اليرموك منهم وافرا إلى حد كبير.

كيف لمخيم يعيش وسط السوريين ويلتحم بهم وبأحيائهم أن يظل بمنأىً عما يجري في بلدهم؟! كيف له أن يمارس الحياد في معركة بين نظام مجرم وبين شعب يعيش معه وبين أبنائه؟! يثير الازدراء بالطبع أن يخرج عليك من يتحدث بلغة تحميل الجميل للفلسطيني، فيشير إلى وضعه الجيد في سوريا، لكأن بشار وأباه من قبله كانوا يدفعون للفلسطينيين من جيوبهم، أو لكأن اللجوء الفلسطيني قد تم في ظل حكم البعث (الأسدي)، ولم يبدأ في العام 48، ومعه طبيعة التعاطي الرسمي مع اللاجئين.

الأكثر سوءا من هذا وذاك، هو تجاهل حقيقة أن الذاكرة الفلسطينية لا تحتفظ لهذا النظام بالكثير من الود، لاسيما أنها ليست ذاكرة قصيرة يمكنها نسيان مجزرة تل الزعتر، أو حرب المخيمات مع قدر من التواطؤ على إخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان، حتى لو تحدثنا عن مرحلة جيدة من الدعم لقوى المقاومة خلال الألفية الجديدة.

مع ذلك، فقد حاولت المخيمات أن تنأى بنفسها عن المعركة الدائرة، أعني أن تنأى بنفسها ككتلة كاملة، وليس كأفراد، فبين الثوار هناك الكثير من الشبان الفلسطينيين الذي اقتنعوا بنبل الثورة ومطالبها المشروعة وانخرطوا فيها واستشهدوا مع إخوانهم السوريين، لاسيما أن الأعمى وحده هو من يعتقد أن هذه معركة ملتبسة (بعض اليساريين الذين يديرون الحملات لصالح بشار وضد “الإرهابيين” القادمين من الخارج، ينسون احتفالهم بجيفارا الذي كان يقاتل أنظمة ربما كان بعضها أفضل من نظام بشار بالنسبة لشعبه).

أيا يكن الأمر، فما جرى هو أن الثوار الذين سيطروا بشكل شبه جيد على الأحياء الملاصقة للمخيم (الحجر الأسود والتضامن والميدان)، لم يعملوا على احتلال المخيم، بل كانوا يعبرونه بشكل عادي نحو وجهتهم، فما كان من المليشيات المحسوبة على الجبهة الشعبية (القيادة العامة) وبعض المجموعات الأخرى إلا أن استهدفتهم، فقتلت بعضهم واعتقلت البعض الآخر، فكان طبيعيا والحالة هذه أن يردوا على ذلك.

في شهادة لأحد الفارين من المخيم أوردتها الغارديان تلخيص للحكاية. فقد قال الرجل إن النظام افتتح منذ الصيف مكتبين أمنيين تابعين للاستخبارات الجوية والسياسية لتجنيد أي راغب بالانضمام للجبهة الشعبية (القيادة العامة)، وأي شخص وافق على الانضمام أعطي بندقية. وأوضح أن المخيم لم يشهد أي معارك في داخله باستثناء مناوشات على مشارفه، ولم يدخله الجيش الحر إلا بعد تعرضه للقصف من قبل النظام.

رغم الجرائم التي ارتكبت بحق المخيم، وأفضت إلى نزوج جماعي لسكانه، إلا أننا لم نعدم “مقاومين وممانعين” يلقون بمسؤولية ما جرى على جبهة النصرة والإخوان والجيش الحر، مبرئين النظام من وزر الجريمة، مع أن قصف مسجد وقتل 25 إنسانا فيه، وجرح أكثر من 150 هو جريمة بشعة حتى لو كان المخيم كله يقاتل النظام.

خلاصة القول هي أن النظام هو الذي سعى إلى زج المخيم في الصراع، وليس الجيش الحر والثوار، بدليل أن الثوار اليوم لم يشترطوا شيئا للخروج من المخيم سوى إخراج كافة المقاتلين التابعين للنظام منه، وهم أحرص على دماء الناس فيه وفي سواه، مع أنهم لو استمروا داخله بحكم الاضطرار لأجل استكمال إسقاط نظام مجرم، لما كان في ذلك ما يدينهم أصلا.

أي منطق بائس هذا الذي يتبناه بعض أنصار النظام ومنهم فلسطينيون مع الأسف؟! إن ما يجري هو جريمة بحق الفلسطينيين، وقبل ذلك بحق السوريين، ودم الفلسطينيين ليس أغلى من دم إخوانهم السوريين، ومن يبرر لهذا النظام ما يفعله مجرم مثله مهما كان فكره، وأيا كان تاريخه.