عَوْداً على بدء... الثورات ووحدة الثوّار
حسن قاطرجي
قضية (الأخلاق) في تاريخ الثورات من أهم قضاياها وأخطرِها! وهي لا تقل أهمية وخطورة عن (فلسفة) الثورة التي تعبّر عن هُويّتها وقِيمها أو بتعبير آخر: عن قوّتها الثقافية الموجِّهة لها. ولقد سبق تسليط الضوء على هذا الموضوع المهمّ في مقالة (الثورة... فعل وأخلاق) على هذه الصفحة.
وفي عالمنا العربي بقدر ما يجب أن يكون المخزون الثقافي الإسلامي هو الموجِّه لقِيَم الثورات التي انطلقت قبل حوالي (20) شهراً ابتداءً من تونس ثم امتدّ شَرَرُها إلى خمسة بلدان، مثل قِيَم الحريّة، الكرامة، العدل... إلا أن (أخلاق) الثورة هي الضمان لنجاحها واقتناع الناس بها وإثبات عدالتها... بل دائماً تكون الأخلاق بمثابة (النور) الجاذب للأنظار إلى قِيَمها الثقافية وأبعادها الفكرية وقانونها التشريعي... وحينئذ سوف لن يقتصر دور الجماهير على المساندة والمناصرة وبذل التضحيات لتحقيق (أهداف) الثورة بل ستتّجه إلى تبنِّي القوة الدافعة الفكرية للثورة التي تتمثل في ثقافتنا بالإيمان وحقائق الإسلام وصياغاته الفكرية والحضارية والتشريعية.
والجدير ذِكْرُه أن عَصب (أخلاق) أيّ ثورةٍ عظيمة ومؤثرة وناجحة هو: وحدة ثُوّارها، وضمور (الأنا) والحرص على اجتماع الكلمة ووحدة الصف، وعلى توسيع مساحة المشترَك وتقليل مساحة المختلف، والأدب العالي في إدارة الخلاف في الرأي والسياسات وغالباً ما يكون ذلك كلُّه ثمرةَ العقل الراجح والخُلُق الفاضل... ومعلوم أنه في تاريخ الاجتماع البشري يكون التنازع من أعظم عوامل الخُسران دائماً، ولذلك حذّر الله العظيم المسلمين منه ـ وخاصّة في ساحات الجهاد ـ وبيّن سوء عاقبته في قوله سبحانه وتعالى: )ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهبَ رِيحُكم واصبروا(، مما يعني أن عدم التنازع يتطلب الصبر والتحكم بالانفعالات، وترجيح مصلحة تحقيق الأولويات، واستيعاب الخلافات، والتنازل عن الأنانيات. فاللهم عَجِّل خلاص أمة حبيبك صلى الله عليه سلم من الظالمين وانصر ثورتها على الطغاة المجرمين وثبّت الإيمان في قلوب المسلمين ونوِّر سلوكهم بأخلاق الصالحين... يا الله يا ناصر المستضعفين ومُذل الظالمين.