الصحافة الطائفية !
الصحافة الطائفية !
أ.د. حلمي محمد القاعود
لا أقصد الصحافة التي تصدرها الطائفة وتعبر عنها ، وتؤصل للتمرّد الطائفي ، وعزلة الطائفة ونشر مفاهيم الانفصال عن المحيط الاجتماعي العام ، وإقناع القاعدة العريضة بأنهم أصحاب البلد وأن المسلمين غزاة ومحتلون جاءوا من أعماق الجزيرة العربية لينشروا مفاهيم البداوة التخلف ، وان القرآن من صنع محمد – صلى الله عليه وسلم – وأن الإسلام يؤسس للعنف والوحشية ...إلخ .
الذي أقصده بالصحافة الطائفية هو الصحف العامة والحزبية التي يملكها طائفيون أو ينفق عليها طائفيون من وراء ستار ، ويقوم عليها ناصريون وشيوعيون ومرتزقة من خدام البيادة البوليسية والعسكرية في النظام السابق ، ويحملون أسماء إسلامية ، ويقومون بمهمة التشهير بالإسلام والمسلمين ، وخاصة بعد نجاح الإسلاميين في الانتخابات التشريعية والرئاسية .
هناك ثلاثة نماذج بارزة وصارخة في هذا المجال يمكن إيجاز ملامحها فيما يلي :
أولا : جريدة الفجر ، وهي مملوكة للسيد نصيف قزمان ، وموقفها التحريري من الإسلام والمسلمين في غاية السوء منذ صدورها حتى الآن . لم توفر شخصية إسلامية - مهما كانت درجتها أو مستواها - من التشويه والتشهير والسخرية ، وقد طالت في حملتها الظالمة شيخ الأزهر السابق ، حيث صورته على هيئة بابا الفاتيكان ، وقالت عنه كلاما لا يليق بمقام أرفع رمز من رموز المسلمين ما اضطره إلى رفع الأمر للقضاء الذي أنصفه وحكم بالسجن والغرامة على المسئولين عن التحرير!
ليس في الإسلام شخصية مقدسة أو معصومة إلا نبي الإسلام – صلى الله عليه وسلم – ولكن انتقاد شيخ الإسلام والعلماء والمسلمين يختلف عن التشهير والتشويه والقذف ، وقد انتقدت شيخ الأزهر السابق – رحمه الله – في عشرات المقالات ، ولكنني لم أسئ لشخصه أبدا ، وكان ما قلته قاسيا على الرجل وشديدا ، ولكنه كان محصورا في إطار العلم والقضايا المطروحة للنقاش .
جريدة الفجر التي تعتمد الإثارة والابتذال والتدليس تقف من الإسلام والمسلمين موقفا مناوئا ومعاديا مع أن محررها يكتب أحيانا بعض المقالات عن مكة والمدينة في إطار صوفي شاعري ، ولكنه تحت عنوان العداء للإخوان المسلمين ، لا يبقي على ذرة احترام لدين الأغلبية الساحقة ، وقد وضح ذلك في السباب والشتائم التي كالها لرئيس الجمهورية المنتخب لحساب الجهات التي يواليها وفي مقدمتها الكنيسة والمخابرات وأمن الدولة !
ثانيا : جريدة المصري اليوم التي يسهم الملياردير نجيب ساويرس مع عائلته بنصيب كبير في رأس مالها ، وهي نموذج للصحف التي أسهمت في التخطيط لإصدارها الولايات المتحدة بعد حوادث سبتمبر وغزو العراق لمواجهة ما تسميه الإرهاب الإسلامي وتحسين صورة أميركا لدى الجمهور العربي . وقد استقطبت لتحريرها العناصر الموالية للغرب وثقافته . وكان كفاحها في التحريض على الإسلاميين عظيما ، فقد قدمت ما يسمي بقضية ميليشيات الإخوان عقب العرض الذي قدمه طلاب الأزهر عن حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين ، وقد دخل عدد كبير من قادة الإخوان السجن بسبب هذا الموضوع .
ومن المفارقات أن الكاتب الذي أطلقوا عليه لقب إسلامي وجعلوه كاتب الصحيفة الإسلامي ؛ كان الشقيق الأصغر للإمام الشهيد حسن البنا ، وهو شخص شيوعي متطرف ينتسب إلى الحركة الشيوعية الماوية في الصين ، وقد أفسحت له الصحيفة مساحات واسعة ليكتب مقالاته أو يجري مع محرريها حوارات مطولة يعبر فيها عن آراء غريبة وصادمة حول قضايا إسلامية تعدّ من ثوابت الإسلام ، مثل الحجاب ، والعلاقات بين الرجل والمرأة وصوم رمضان ...
تحرير المصري اليوم يوجه الأخبار المتعلقة بالإسلام والمسلمين توجيها معاديا ورافضا ، ومعظم كتاب المقالات علمانيون رافضون للإسلام وتشريعاته وقيمه ، وموالون للغرب قلبا وقالبا .. والجريدة تجزل لهم العطاء ، وتمنحهم فرصة الظهور على شاشات الفضائيات وخاصة التي يملكها الملياردير نظير مقابل مادي كبير!
ثالثا : جريدة الدستور وكانت مملوكة لبعض لأشخاص ( ناصريين ثم وفديين ) وآلت إلى رضا إدوار ، وهو صاحب مجموعة مدارس خاصة تستقبل أبناء الأغنياء مقابل مصروفات عالية .
الرجل شخصية طائفية مستبدة متعصبة ، يتحرك بصورة مستفزة ؛ فهو يفرض نفسه على رؤساء التحرير والعاملين في الجريدة لينفذوا أوامره التي تتدخل في صلب العملية التحريرية التي لا يفقه فيها شيئا ، ولكنه يريد تنفيذ إرادته الطائفية الفجة ، على عكس الملياردير صاحب المصري اليوم الذي يتحرك بذكاء واضح من خلال صحفيين محترفين يدسون السم في العسل ، وكتاب يقدمون الإسلام من خلال ماركسيتهم أو ليبراليتهم ، فيخدعون عامة القراء في نعومة واضحة في الغالب .
لقد تعاقب على رئاسة تحرير الدستور عدد كبير من رؤساء التحرير الذين لم يعمروا طويلا باستثناء رئيس التحرير الحالي الذي انبطح أمام الإرادة الطائفية المسعورة ، وتخلى عن المهنية تماما ، وتحولت الجريدة إلى منشور طائفي تحريضي ضد الإسلام والمسلمين يبدأ من الصفحة الأولى التي تنشر بيانات صاخبة ضد الرئيس المنتخب والإسلاميين وتحرض على الفتنة الطائفية وتدعو لانقلاب عسكري للإطاحة بالسلطة الشرعية المنتخبة ، وهو ما دفع بعض المواطنين للجوء إلى القضاء ، الذي قدم بدوره رئيس التحرير للمحاكمة الجنائية .
هناك صحف حزبية وخاصة ، محدودة التوزيع ، بعيدة عن المهنية ؛ ينفق عليها المال الطائفي لدعم التمرد الذي قادته الكنيسة على مدى أربعين عاما ، وازدراء الإسلام وتشريعاته ، وتشويه الحركة الإسلامية ، ويأتي الإنفاق مباشرا أو غير مباشر في بعض الأحوال عن طرق الاشتراكات أو الإعلانات ..
والسؤال الآن : ألا يوجد بين الأغنياء المسلمين من ينشر صحفا تدافع بالحق والمهنية عن الإسلام والطائفة الأرثوذكسية التي اختطفها المتمردون الطائفيون ؟ إنهم سينالون ثوابا دنيويا وأخرويا لو فعلوا ، ويحافظون على وحدة الوطن .