عن "أسلمة" الثورة، وما تثيره من هواجس

عن "أسلمة" الثورة، وما تثيره من هواجس

عقاب يحيى

كثيرة الأحاديث التي تتناول ظاهرة " الأسلمة" في الثورة . هناك من يتحدث عن وقائع وأرقام وقصص تجري على الأرض، خاصة في ميدان التسليح وتشكيل الكتائب، وتبعيتها، ومرجعياتها، وخطها، وممارساتها

ـ وهناك من يبدي تخوفات كبيرة من هذا التحول الذي عرفته الأشهر الأخيرة، وأثره على جوهر أهداف الثورة : الحرية، والكرامة، والوحدة الوطنية، وقبول الآخر، ودولة المواطنة والحريات..ونجد هذه التخوفات أكثر انتشاراً في الأوساط المعارضة التي تنتمي للمكونات الدينية والمذهبية غير السنية ..

وهناك من يعتبر أن الثورة سرقت، واختطفت، وانحرفت عن مسارها السلمي، الشعبي إلى السلاح، وأن الإسلام السياسي : الوسطي منه والمتشدد، بما في ذلك خطاب القاعدة، هو الذي قود الآن، ويدفع بالثورة إلى تلك الخندقة، وإلى الحزبوية، والمليشياوية ..

******

الثورة في جوهرها ثورة شعب عبّرت عن مكونات سورية السياسية والدينية والمذهبية، والتي يشكل فيها المذهب السني الأغلبية ، فكان الطبيعي أن يكونوا أغلبية فيها .

ـ والثورة السورية، وليدة الإيمان بالحرية هي نبت طبيعي لمجتمعنا الذي يشكل فيه الإيمان عاملاً حاسما . الإيمان العقيدي، والحافز على الشهادة والتضحية والتكافل، ولهذا كان طبيعياً أن يظهر جانبها المؤمن، وأن تكون شعاراتها متناغمة مع ذلك، وان يمنح قول : ما إلنا غيرك يا الله، والله وأكبر، وغيرهما من الشعارات الدينية، البشر ذلك البعد العقيدي الكبير والحافز الجمعي، وأن يكون الجامع منطلق كثير المظاهرات، وملجأ البشر للحماية والطمأنينة .

ـ والثورة السورية واجهت إحجام القاعدة الشعبية العريضة من عموم المكونات الدينية والمذهبية : المسيحيين بمختلف مذاهبهم، وبقية المذاهب الإسلامية غير السنية، باستثناء عام لمنطقة سلمية، وإن بحدود يجب وضعها في مكانها الطبيعي بدون تهويل أو تقزيم .

ـ وفي هذا المركب الحساس لا بدّ من الكلام الواضح، والصريح عن الحالة العامة في الطائفة العلوية.. التي تظهر أن جلها هو الخزان الواسع لنظام الطغمة الذي يستمدّ منه عناصر استمراره وقوته، وشبيحته الأساس، وحتى عمليات الفجور الإجرامي، والقتل الفظيع، والهجوم على القرى السنية.. وغير ذلك من عمليات تنتشر قوية في الوسط الشعبي وترفع منسوب الاحتقان إلى درجات خطيرة .

ـ هنا وبما يتجاوز الأعداد المحدوذة والنخبوية من عموم هذه المكونات ، وسقوف بعضها المنخفض فيجب الاعتراف أن وضع، وموقف القاعدة الشعبية فيها يترك أبلغ الأثر السلبي على البشر الذين يضحون بحياتهم وملكياتهم وعوائلهم فيما يعتبرونه للصالح العام، ويمكن أن يدفع بعض الشعبيين، وغير الواعين، وحتى المبرمجين والمؤدلجين إلى ردود فعل يجب فهمها في هذا السياق، وليس انتشالها وتعميمها لإطلاق الأحكام العامة، ووصم الثورة بكل التهم، وإلى درجة أن البعض من المحسوبين على العلمانية يعتبرون مجرد الإيمان العادي إدانة، أو تهمة، أو بصمة تسمح بإطلاق التوصيفات المعهةودة، دون إغفال دور النظام المجرم وآلته الإعلامية الجهنمية في عمليات التشويه، والترويج والفبركة، وصناعة القصص، وحتى بعض العمليات المشبوهة التي يمكن أن يقوم بها عملاء له، ومجندون في مشروعه الخبيث .

******

لنقلها صريحة : أن القوى الوطنية " التاريخية" التي تتكلم كثيراً عن المخاطر المحدقة بالثورة.. لم تستطع تقديم الكثير لها على الأرض، ولا ترجمة معظم الشعارات التي ترفع . على العكس، فإن أزمتها البنيوية، وتركيبها المتشقق، والعاجز، والهرم جعلها تتأخر ليس عن توقع قيام الثورة وحسب، بل عن الالتحاق بها بوقت مبكر، بينما ما تزال أطراف تدمن المراهنة على طواحين الهواء، وآخرها المبادرات السياسية كخيار وحيد.. وإلا : قولهم ببديل الحرب الأهلية. أي إما اللهاث هنا وهناك خلف أوهام حلول تفاوضية(بعضهم يضع شروطاً لها، وبعضهم يتركها سائبة) لم تكن أصلاً ممكنة التطبيق بفعل تركيبة ونهج وقرارات الطغمة المجرمة، وإما : " الحرب الأهلية" كحتمية، وهذا أمر غريب أن يصدر من بعض القوى التي أمضت عمرها تمارس السياسة والمعارضة، بينما نجد فصائل، وتيارات، وعناصر معارضة منخرطة بالثورة وتسهم بمقدورها فيها، وتضع الخيارات وفق التطورات، وبناء على وعي حقيقة الطغمة ومدياتها، معتبرة أن إسقاطها ـ الطغمة ـ عبر العامل الذاتي أساساً، الممر الوحيد للعبور إلى الحرية والدولة الديمقراطية .

******

ـ بالمقابل وكي تكون العيون والعقول والقلوب مفتوحة على ما يجري في الأرض..يجب القول أن تداخلاً كبيراً يحدث، واختلاطات خطيرة تجد ترجماتها على الأرض تحت عنوان التسليح، وتشكيل الكتائب الخاصة لهذا الحزب أو ذاك، تلك المجموعة أو تلك، صاحب رأسمال تحركه دوافع مختلفة، أو جهات عربية وإقليمية مختلفة لكل منها حساباته ومصالحه وأجنداته . وأن المال : السياسي وغيره يلعب اليوم دوراً حيوياً على الأرض، وفي عمليات التأثير والاستقطاب، والضغط، والقولبة وكثير من مظاهر مريبة تفقس بعض الطروحات والممارسات الغريبة عن الثورة وجوهرها.

ـ في هذا المجال فإن دخول السلفية على الخط، والفكر المتشدد الاجتثاثي والتطهيري يجد مرتعه في بعض الجهات والمجموعات المسلحة، ويستمد نسغه من التوترات الطائفية المتصالعدة، ومن ممارسات النظام الإجرامية، ودفعه عديد المنتمين للطائفة العلوية كوقود ورأس حربة وقتلة، بينما ما زالت عملية توحيد قوى الثورة، وفصائل العمل المسلح تشكل الثغرة الأكبر التي تحتاج توحيد جميع الجهود في سبيل ذلك، وكي يصبح الجيش الحر إطاراً حقيقياً وليس مجرد واجهة شكلية، أو يافطة استخدام .

ـ الثورة السورية وبغض النظر عن جانب الإيمان فيها : قوة وانتشاراً ومحرضاً .. أو التحاق وركوب اتجاهات متشددة فيها وعليها.. هي ثورة شعبية هدفها بناء دولة حديثة للسوريين جميعاً، وليس لفئة، أو مجاميع معينة، وهي مدركة لهذا الجوهر، لكنها بالوقت نفسه تحتاج انخراط ومشاركة ودور جميع قوى المعارضة، والانتتقال من الكلام والتنظير إلى العمل المتاح في الميدان، وفي أعمال الإغاثة، والمهام الواقعية المختلفة، بما فيها دعم الجيش الحر ليكون ذراع الثورة، وإطارها الموحد  .