شيء عن الطائفية

عقاب يحيى

الصديق عصام دمشقية تناول البارحة موضوعاً مهماً، وشديد الحساسية حول موقف ودور الضباط الذين ينتمون للطائفة العلوية، ومراهنات سابقة عليهم للقيام بالانقلاب(الموعود) على الطاغية الأسد .. ومراهنة الدكتور إبراهيم ماخوس عليهم... دون جدوى ..

ويعيد الصديق عصام الت

ذكير بأهمية أن يقوم هؤلاء بواجبهم الوطني والتاريخي في إنهاء الغمة الآن قبل الغد، وتوفير الدماء والدمار والمخاطر على بلدنا.. وأنهم يجب أن يفعلوا ذلك امتحاناً لهم..

ـ الصديق كاسر صالح يردّ على الصديق عصام بأن الأمور لم تك يوماً طائفية، وأن لا الدكتور ماخوس،ولا " البعث الديمقراطي" تعامل بهذه الروحية التي يستغرب أن يتبناها صديقه عصام(يمكن قراءة التعاليق على الصفحة ـ لمن يريد) ..

ـ ولأني عشت تلك المرحلة، وكنت مسؤولاً فيها، ولأن الموضوع كبير، ومهم، سأكتفي بالتركيز على عدد من النقاط المختصرة :

ـ 1 ـ يجب الاعتراف أن التصفيات المتلاحقة في الجيش، منذ العام 1963، وتباعاً، طالت، في أغلبيتها الساحقة الضباط الذين ينتمون للسنة، وإن لم يكن العنوان مطروحاً . وأن التصفيات التالية ل 23 شباط شملت الكثير من الضباط من المكونات غير العلوية.. الأمر الذي عمق المركزة الواضحة للضباط المنتمين للطائفة العلوية في الجيش، مع ملاحظة أن " مجموعة عمران" بقيت في الجيش بعد إبعاد المرحوم محمد عمران، واشتهرت فيما يعرف ب" العليين" الذين كانوا العماد الرئيس للطاغية في انقلابه التفحيحي على الحزب ورفاقه / تشرين الثاني 1970/ .

ـ 2 ـ عملياً، ودون الإقرار المعلن بذلك.. كانت القوى العسكرية المهمة التي يُفترض أن تحسم الصراع مع الأسد ـ قبل السبعين ـ من المحسوبين على الطائفة العلوية، والأمر ذاته بعد الانقلاب.. وذلك بغض النظر عن الخط السياسي والفكري.. وعن التباين الكبير في النظرة لعوامل السقوط وتداعياته ومخلفاته والردّ عليه .

ـ 3 ـ واقعياً ورغم أن الطائفية تسللت إلى الجيش والحزب والسلطة.. وبقوة، فإن أسلوب التعاطي معها رفض الإقرار بها، وكان القفز فوقها، وإلباسها بعد الصراع الطبقي، والخط اليساري مقابل اليمين، والوطنية المواجهة للمؤامرة الخارجية.. هو النهج المعتمد لدى الذهنية السائدة وهو ما أدى إلى مزيد تفاقمها، لكن بشكل غير معلن، وفي الجلسات الجانبية، وبين الشعب .

ـ 4 ـ نعم كان رهان الكثير، بعد انقلاب الطاغية، على انقلاب عسكري يقوم به( عسكر الحزب) ىضد عسكر الأسد. وبواقع الحال كانت الأغلبية العظمى من هؤلاء العسكر(في الجبهتين) من الطائفة العلوية، ويعرف الجميع تلك المركزة الطائفية المباشرة، والواسعة التي أنشأها الطاغية واعتمد عليها.. وتلك مسألة لا تحتاج إلى نقاش، في حين أمضينا سنوات طوال ونحن نتصارع حول تحديد هويبة وبنية النظام الأسدي، وهل هو فعلاً " نظام برجوازي بيرقراطي متحالف مع البرجوازية الطفيلية"، أم أنه أكثر من ذذلاك ؟.. أي أين موقعه من الطائفية : بنية، ونهجاً، وتوظيفاً، وواقعاً ؟؟..واستمر الحال على هذا التوصيف سنوات حتى نجحت قيادة الداخل السوري للبعث(قبل أن يصبح اسمه البعث الديمقراطي) في فرض توصيف : الطائفي إلى بقية المواصفات، ودرج استخدامها من يومها .

ـ 5 ـ إن انتهاج أي إديولوجيا، أو خط سياسي وفكري يتجاوز الطائفية، والقطرية، وحتى الوطنية، والقومية.. لا يمكنه أن يسبح في الفراغ، أو أن يطنّش، ويغمض العينين عن رؤية الواقع بمفرداته وخصوصياته، وبالتالي فإن ىالتعكيز على التحيليل الطبقي للتفسير يصبح طبقوياً بامتياز، وهروباً واضحاً من مواجهة الظاهرات والعمل على معالجتها . والطائفية، أو المذهبية واقع قائم، ونتاج إفراز تاريخي لصراعات سياسية وغيرها عاشها المسلمون منذ وفاة الرسول(ص)، وتبلورت أكثر مع مقتل الخليفة الرابع، وابنه الحسين..وهي تختلف عن استجلابها، واستخدامها وتركيزها في الحكم والجيش والأمكن، والطاغية لم يك خجولاً، ولا محتشماً في كل فجوره الطائفي، وفي العمل على اختطاف الطائفة ىالعلوية لصالح حكمه وتأبيده، ومثله وريث العته والحقد، وشعبنا بكل فئاته، ومكوناته، بما فيه معظم المثقفين يتناولون الظاهرة الطائفية وتسييسها ولو بالهمس والمجالس الخاصة لأنها واقع قائم لا يغطى بأي غربال تنظيري، أو طبقوي.. ومواجهتها لا تخص غير المنتمين للطائفة العلوية مثلاً، بل تعني الجميع، وفي المقدمة منهم أبناء الطائفة العلوية، والمحسوبين عليها بهذا الشكل أو ذاك . كما أنها ليست قصراً على العلويين، وإن كان توظيف النظام لها، ومحاولته تصديرها رأس حربة تجعل من ظاهرة الطائفة العلوية أولوية على غيرها، في حين أن ىالجميع معني، بالتأكيد، برفض التسييس الطائفي، والعمل والتوزظيف، او النهج الطائفي حفاظاً على جوهر الثورة : ثورة الحرية والكرامة ، وعلى الوحدة الوطنية : بؤبؤ عين الثورة ورهانها لبناء دولة الحق والمساواة والحريات العامة .

ـ 6 ـ نعم هناك كثير من المناضلين، والديمقراطين المحسوبين على الطائفة العلوية الذين نافحوا النظام عقوداً، وبعضهم قدّم حياته، وزهرة عمره : استشهاداً، أو اعتقالاً، آأو مطاردة وتهجيراً . وهناك كثير من " ابناء" هذه لاالطائفة ىالذين انخرطوا في الثورة، او وقفوا معها، أو عارضوا النظام واختلفوا معه، او طالبوا بالتغيير السلنمي وغيره.. لكن أسئلة كبيرة وزاقعية تُطرح هنا :

آ ـ ما نسبة هؤلاء الفعلية غلى مجموع عدد الطائفة، وإذا ما جئنا إلى عدد المنشقين العسكريين سنجدها نادرة.. الأمر الذي يطرح اسئلة كبيرة على واقع يحتاج التفسير، والعمل الجاد، وليس الهروب والتبرير .ب ـ بواقع الحال، وفي ققناعة شعبنا.. فإن الاستناد الرئيس لنظام الطغمة يستند إلى تلك المجاميع من الضباط العلويين الذين يحتلون المفاصل المهمة والحيوية في القطعات النخبة، وعموم الجيش، وفي مفاصل الأمن، والدولة، ناهيك عن الشبيحة والدور الذي يقومون به، ومستوى التعبئة التي غسلت آدميتهم، وملأتهم بالحقد ضد آخر.. لأنه مختلف مذهبياً . وهنا فإن استحضار" المظلومية" وبعثها من ركام القرون، والاصطفاء لاستخدامها في عملية التعبئة ضد الآخر، وفي التخويف من أكثري سيمارس حرب الإفناء على الهوية.. اسهمت، بواقع الحال، في إيجاد مناخ عام لدى معظم الطائفة العلوية يقف في صف النظام ويمده بالعون متعدد الأشكال، وهي مسؤولية النظام بالأساس، ومسؤولية النخب المعارضة من الطائفة التي لم تتمكن من تغيير المناخ، والوضع المنتشر، وظلت تأثيراتها محدودة وفي أطر ضيقة .

ج ـ يجب القول الصريح أن سقف عديد المعارضين المحسوبين على الطائفة العلوية كان، وظل مكنخفضاً، بالقياس إلى أكطراف معارضة أخرى، وإلى شعارات ومطالب الثورة بإسقاط النظام، وصولاً إلى استخدام السلاح، والموقف من الجيش السوري الحر . لقد راهن كثير

، وما يزال البعض يراهن، على حلول سلمية، تداولية مع النظام، حوارية، أو تفاوضية.. في حين أن النظام نحر كل مراهنة، الأمر الذي يطرح أسئلة لا تخلو من الشك والريسبة في خلفية تلك المواقف وحدودها، ومدياتها.

ـ 7 ـ نعم.. اتجهت أنظار معظم المخلصين للثورة والوطن باتجاه المؤسسة العسكرية، أو أصحاب القرار فيها للقيام بعمل" جراحي" بوقت مبكر يوفر على بلدنا الدماء والدمار والمخاطر، وعندما نقول أصحاب القرار يدرك الجميع أن المعني به كبار الضباط والمسؤولين من الطائفة العلوية بشكل رئيس، لأنهم هم من بيدهم القرار، وليس تلك الواجهات المظهرية من غيرهم . وطالما أنهم لم يقوموا بهذا الدور ـ حتى الآن ـ وطالما أن النظام يمارس عربدة إجرامية نادرة في تاريخ النظام : تدمير المدن، والقتل الجماعي.. فإن المشاعر، والنفوس، والقناعات تتجه نحو اتهامات بالجملة للطائفة التي تبدو أنها الداعم الرئيس للنظام . ناهيك عن أفعال طائفية فاجرة تمارس، تستجلب ردود فعل مشابهة لها، وما ينتج عن ذلك من تعبئات، وأحقاد تحاول تطويع الصراع وليّه لتصويره كصراع مذهبي، أو بين طائفتين .

ـ 8 ـ إن التصدي للظواهر كما هي على الأرض، وليس تلك المفترضة ذهنياً لا يعيب الخط الوطني، واليساري، والعلماني وسواه، ولا يشوّه سمعته، ونظافته كما يعتقد البعض، بل يحوله إلى خط واقعي يعيش بين الناس، ويستمد نسغ الحياة منهم وليس من الكتب والافتراضات، وهو اليوم يدعو الجميع إلى مقاومة المظهرة الطائفية، وإدانة كل عمل طائفي حيث جاء، وبدرجة رئيس : نظام الطغمة الفئوي، المسؤول الأول عن دفع الأمور إلى حالة من الاحتقان المهدد، والعمل الجماعي لاشتلاع هذا البلاء الخبيث وتحرير بلادنا، بكل مكوناتها، من شروره ومخاطر ما يخطط ويسعى إليه ..