«الإرهابيون» في الثورة السورية
«الإرهابيون» في الثورة السورية!!
ياسر الزعاترة
لم ننكر منذ شهور وجود مقاتلين إسلاميين في الساحة السورية. لم ننكر ذلك لأننا لا ننكر الوقائع على الأرض كما يفعل شبيحة النظام داخل سوريا وخارجها. لم ننكر ذلك رغم علمنا بأن النظام يستخدم هذه الفزاعة لكي يثبت المؤامرة على “سوريا المقاومة والممانعة”.
لم يكن سرا بأي حال من الأحوال أن الإرهابيين الذين يتحدث عنهم النظام السوري هم أنفسهم الذين تحالف معهم بعد احتلال العراق، وهم أنفسهم الذين كانوا يحظون بمديح شبيحة اليسار والقومجية الذين يتحدثون اليوم عن المؤامرة الأمريكية الصهيونية التركية القطرية السعودية على نظام المقاومة.
كنا نتحفظ أحيانا على بعض نشاطات القاعدة في الساحة العراقية، لكن الشبيحة إياهم كانوا يبررونها، حيث كان بعضهم يتحدثون كما لو كانوا عناصر في التنظيم، وليسو أقواما لا يؤمنون بالله ولا برسوله، أقله بعضهم حتى لا نقع في مغبة التعميم.
تحالف النظام السوري مع عناصر القاعدة في العراق، وكانت حلب تشحن المفخخات نحو الأراضي العراقية. لم يعد ذلك سرا، تماما كما كانت معبرا للقادمين منهم من خارج العراق. ونحن هنا لا ننكر البتة دور النظام السوري في إفشال الغزو الأمريكي للعراق، وإن كان الإسلاميون بشتى ألوانهم (قاعدة ومجموعات إسلامية أخرى) هم أصحاب الإنجاز الحقيقي الذي ضاع شق منه بسبب عوامل كثيرة تحدثنا عنها مرارا ها هنا خلال السنوات الماضية.
ما إن وقع العراق بيد إيران، حتى انقلب النظام السوري على من كان يراهم مجاهدين، حيث سلم بعضهم للأمريكان، بل ولدول عربية أيضا، كما قتل بعضهم بطرق شتى، في ذات الوقت الذي زج بكثير من السوريين منهم في السجون.
انتهت مهمتهم بالنسبة إليه، مع أننا لا ننكر إنها كانت مهمة مقدسة، لأنها أفشلت أسوأ هجمة تعرضت لها الأمة منذ عقود طويلة، ولو نجح مشروع الغزو لكان مشهد المنطقة مختلفا على مختلف الصعد، ولما كان بوسع حزب الله أن يحقق انتصار تموز 2006، فضلا عن هزيمة العدو في قطاع غزة 2009.
ولأنهم لم يكونوا عملاء للنظام السوري، ولا لسواه، بل كانوا مجتهدين في طلب الحق، بصرف النظر عن مسلسل الأخطاء التي وقعوا فيها، ولا زالوا يقعون فيها مع الأسف الشديد؛ لأنهم كذلك، لم يكن مستغربا عليهم أن يشاركوا بهذا القدر أو ذاك في الثورة السورية.
لكن ما ينبغي أن يقال هنا هو أن تدفق الشبان الإسلاميين إلى سوريا لا يشبه بحال تدفقهم إلى العراق ولا طريقة عملهم. فهنا جاء أكثرهم فرادى لا ينتمي أكثرهم لأي تجمع سياسي، تماما كما كان حال الشبان الذي ذهبوا إلى العراق قبل الغزو بأسابيع وانتهت مهمتهم بطريقة درامية لأن أحدا في العراق لم يكن يريد مقاومة الأمريكان في ذلك الوقت، ربما بسبب الظلم الذي كانوا يشعرون به حيال حكم صدام، ولا نستثني هنا أكثر السنّة، وليس الأكراد والشيعة فقط.
إن تدفقهم هنا يشبه إلى حد بعيد نموذج أفغانستان، مع فارق أن أحدا لا يشجعهم هذه المرة، إذ يبادرون إلى ذلك بأنفسهم، لأن أحدا لا يريد تكرار تجربة الجهاد الأفغاني التي أعادت كثيرين إلى بلادهم بخبرات معينة، وربما بأفكار لا تناسب الأنظمة التي شجعتهم.
من هنا يبدو من العبث الحديث عن تشجيع من قبل الأنظمة لظاهرة المقاتلين الإسلاميين في سوريا، بل إن هناك ليبيين مثلا كان لهم دورهم الكبير في الثورة وتركوا موسم القطاف وجاؤوا للمساهمة في الثورة السورية دون إذن ولا تشجيع من أحد.
اليوم هناك تضخيم واسع النطاق لظاهرة المقاتلين الإسلاميين القادمين من الخارج، والسبب هو تكريس منطق المؤامرة، مع أن القاصي والداني، بما في ذلك الصحف والوكالات الأجنبية لا زالت تقر (البنتاغون أقرَّ بذلك أيضا) بأن نسبتهم محدودة، وأن غالبية الثوار الساحقة هي من أبناء الشعب السوري (منشقين عن الجيش وطلبة جامعات وحرفيين وأناسا عاديين).
لقد نبعت الثورة من ضمير الشعب السوري، وهي كانت ثورة سلمية قبل أن يرد عليها النظام بالقتل والتدمير، ما اضطرها إلى حمل السلاح، بل إن العمليات الأولى كانت نتاج اختراق للنظام في مجموعات خبر التعامل معها من أيام العراق. وقد كانت الثورة طوال الوقت، ربما باستثناء الأسابيع الأخيرة لا تملك من الأسلحة ما يكفي للدفاع عن النفس، فضلا عن الإثخان في الجيش والأجهزة الأمنية.
إنها ثورة سورية تطلب الحرية، ومن جاؤوا من الخارج هم أحرار يريدون مساعدة الشعب السوري، ولا تثريب عليهم، بل يستحقون التحية والتقدير، اللهم إلا من حاول منهم فرض شيء لا يريده السوريون، أكان خلال الثورة أم بعدها، وهم قلة قليلة لن تغير في مسار الأحداث.
ليس ذنب الشعب السوري أن تدخل بعض القوى الإقليمية والدولية على خط الثورة، بل هو ذنب النظام المجرم الذي تحرك وفق شعار “أنا وبعدي الطوفان”، لكن الطوفان سيجرفه دون شك، وستلملم سوريا جراحها وتعود قوية عزيزة أكثر انتماءً لأمتها وأكثر تعبيرا عن ضمير شعبها الأبي، ولكن المنافقين لا يعلمون.