هل تنفع التوبة في لحظة الهزيمة؟

د. سماح هدايا

"وتستمر الحملة الهمجية على أحياء مدن سوريا وقراها...وتختلط في النيران وعجين الدماء بقايا الجثث ببقايا الجرحى والأحياء. وقال شهود عيان: حتى النساء والأطفال من عصابات الغازين، شاركوا الرجال في القتل بالسكاكين."

 ترك الخطيئة العظمى هو الأولى. وأقلّ ما يقدمه الذين كانوا يتفرجون على مشهد الدم ويصمتون، أو يقفون على الحياد، أو يشاركون فيه، هو التّكفير عن الذنب حتى حدّ جلد الذات وسلخ الوشوم، ثم انتظار حكم القانون العادل. أما التوبة المؤجّلة ؛ فهي وهم؛ فلا توبة مقبولة في الوقت المتأخّر. أو في الربع المتبقّي من الوقت، أو في الوقت المستقطع، أو في اللحظات الأخيرة قبل النصر. 

عندما يختم الثوار والأحرار والأخيار الفصل الأخير من المعركة مع الطغاة المجرمين الأشرار. لا مجال لأن يمنحوا  قطعان الأوغاد شيئا من العفو والمغفرة عما ارتكبوه من جرائم وذنوب.

     ليس شعار "العفو عند المقدرة" بمقبول في مواجهة المجرمين والعنصريين التطهيريين. فلماذا علينا نسخ تجارب الماضي كما هي؟ لسنا الآن في زمن بيت أبي سفيان الآمن. وليس منّا أحد من ذلك الزمان. القصاص الحق هو الشافي.

    وعند احتساء شراب الفرح، لن تغيب قلوب المنتصرين في نشوة الفرح بعيدا عن وعي واجب القصاص. لأنّ  صرخات الأبرياء المظلومين، مازالت تملأ الأجواء. وأرواح الشهداء تطلب الوفاء،  ولأنّ أهل الضحايا والمتضررين والمنكوبين، مازالوا يتدثرون بثياب الحداد ولن يكتفوا  بالغفران، ولن تشفى ألامهم بدموع المجرمين وهي تكفّر عن كثير خطاياها أو قليلها.

     لايمكن، خذلان هؤلاء الذين قامت الثورة على مخاضهم،  بالصفح المريء وتسويغ السقوط الأخلاقي للظالمين وقبول وضاعة البشر وخستهم تحت ظل الدفاع عن حقوق الآخرين في الحياة والتعبير والبقاء.

لو فكّر المجرمون ورعاة الإرهاب ومثيرو الفتن بالمصير  الرهيب الذي ينتظر كل السيافين والذباحين والفتانين والمنافقين والمدّعين  والخائنين والانتهازيين، لكان الخوف رادعا عن جرائمهم. ولو فكر الحياديون والصامتون أنه في لحظات الثأر يختلط دم المذنب بالبريء، لصرخوا ملء حناجرهم بالحقّ وخرجوا عن صمتهم الذميم.  

    لن يدفع الضعفاء دائما ثمن طغيان الأقوياء؛ فالثورات تقلب الأحوال، وعندما يأتي اليوم العظيم، ويعدّ النصر مهرجان المظلومين والأحرار والشجعان والشرفاء.  لا احتفاء بدولة الحرية والكرامة والديمراطية قبل تنفيذ قانون الحق في الطغاة وجيوشهم وخدمهم وسدنتهم. نبدأ بتطبيق مبادىء نصرة المظلومين وقوانين عقاب الظالمين، قبل أن نتساوى جميعا أمام دولة المواطنة. وهي دولة الغد ...دولة الحرية والعدالة والكرامة.