نتكلم عن تجربة إسلامية قادمة للحكم 2

نتكلم عن تجربة إسلامية قادمة للحكم

خداع بنكهات (2)

محمد السيد

[email protected]

قال تعالى: ((أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون)) البقرة: 44

ها هي شعوبنا تنفض عن كواهلها غبار الظلم والاستبداد، وتهز عروش الخداع والغدر والإقصاء بكل أشكالها السياسية والثقافية والاقتصادية، فما أبدع وأنصع ذلك الحراك الذي امتدت أذرعه لتزيل أستار الخفايا عن غرف كانت مغلقة على الناس، وفي العلن تروج لتلك الخفايا ألسنة وأقلام وقامات مخترعة تحت عباءة الليبرالية والعلمانية، وهي الآن تحاول الدخول على الثورات بادعاء خادع، تزينه بلافتة الشعوب الثائرة، وبتأليف أغنية "الدولة المدنية" ورفض "الدولة الدينية"، أو ذات المرجعية الإسلامية، وهي تقدم في سبيل ترويج ذلك الادعاء عناوين مشاركة الشعب والحرص على حقوقه، وإخفاء رماد مشاركاتهم للطغاة طغيانهم، وذلك بترويج أفكارهم وإخفاء نهبهم وسلبهم، وبتزويق دعايات زائفة لإبعاد الدين عن كل شيء، بادعائهم أن ذلك من أجل الديمقراطية والحرية وحق الجميع.

ونحن بدورنا نرد عليهم بقول ربنا جل في علاه:((أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم))، إذ كيف تكون تلك الديمقراطية التي تريدون وتأمرون بها وتأتمرون لها، وقد أزعجكم وأقض مضاجعكم فوز الحراك الإسلامي، عندما أتيحت له الحرية في المشاركة من أوسع أبواب تلك الحرية، ثم ذهبتم يدفعكم الحسد والحقد لتقولوا وتفعلوا ما لم يأت به إلا الحانقون المتلونون، الذين يلوكون الكلمات الممجوجة الفجة بحق الفائزين، وبحق مستقبل البلاد والعباد إذا تولى الإسلاميون أمور الناس. إنه الخداع بالنكهات "الليبرالية"! و"العلمانية" ذوات الأوراق الصفراء، التي أمضت الوقت قبل الثورات تقبع في جيوب الطغاة، وبين شفاههم، ثم لتأتي الآن وقد أمضها ما جرى على يدي الشعوب من غيرة ونهضة وانقضاض على مواطن العفن وبؤر الفساد. فعجباً عجباً ورثاء رثاء لحال هؤلاء، الذين يقفون اليوم محاولين خداع الناس بتفوهات غادرها الزمن؛ لأنها تسكن الآن في ماض ودع الدنيا غير مأسوف عليه، فهو يتقلب طي الهوان والانقراض، وقد صدق قول الله جل وعلا فيكم حين بين مواقفكم الخادعة بقوله البليغ: ((يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون)) البقرة: 9 حيث تجاهلتم المصائر التاريخية لمن فارق قولة الحق وفعل الخير، مصطفين ضد الغير، حسداً من عند أنفسهم، وقد قال فيهم رب العزة: ((ألم نهلك الأولين* ثم نتبعهم الآخرين* كذلك نفعل بالمجرمين)) المرسلات: 16_18

وكان أحرى بهؤلاء أن يتخفوا ويصمتوا، فقد ضيعوا الفرص سابقاً عندما فتحت لهم أبواب الكلمة ومغاليق الفعل، ففضلوا السلامة والتنعم بفتات الظالمين على الوقوف مع شعوبهم وحقوقها، وقد عجب الشاعر المجيد من أمثال قول هؤلاء وفعلهم فقال:

ما قيمة الكلمات إن هي حوصرت             خلل السطور ولم تصافـح مأربا

عجباً لمن حمـل اليراع وادعـى                أدباً ولم يرد النضـال مخضـبا

حق على القلم النقي إذا اشتكت               دنياه جوراً أن يثور ويغضـبا

وإني أقصد بكلامي هذا من يتصدون لنجاح الحراك الإسلامي في العديد من بلدان الأمة اليوم، فقدكان الأحرى بهم أن يغطوا عيوبهم وهزيمتهم بقول الحق أو أن يصمتوا، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) متفق عليه. كما كان الأولى لهم أن يتأدبوا بثقافة الإسلام المنزل على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله، أي المسلمين أفضل؟ قال : (من سلم المسلمون من لسانه ويده) متفق عليه.

ولو أنهم اعتبروا واتعظوا بتراث هذه الأمة العظيم،المأخوذ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم جواباً لعقبة بن عامر رضي الله عنه عندما سأله بقوله: يا رسول الله، ما النجاة؟ قال: (أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك) رواه الترمذي وقال: حديث حسن. وذلك توجيهاً لمن لم يستطع الإصلاح، وفرت منه الإمكانيات للقيام بتعديل الفساد القائم، واستعصت عليه نفسه في السير بما يرضي الله، أقول: لو انهم اعتبروا بذلك، لنجوا من الوضع الذي وصلوا إليه، حيث خانوا المجتمعات وخذلوا الناس، ووضعوا أنفسهم بين فكي الضلال والخسران.

لقد آن الأوان أن يفهم هؤلاء أن الشعوب أدارت لهم ظهرها، وقد جربتهم وجربت مناهجهم ومناهج أسيادهم على مدى عقود، وليرضوا بوسائل الديمقراطية ونتائج آلياتها، تلك الديمقراطية التي أزعجوا قلوب الناس وعقولهم بالدعاء والدعاية لها، فهل يفعل أولئك ذلك، فيتركوا الساحة لتجربة الإسلاميين وشركائهم من الوطنيين والقوميين، فلعلها تكون أِشد عزماً للالتحام بالشعوب وتطلعاتها؟