المجازر واللاجئون
د. هشام رزوق
فتح جيل النكبة عينيه على المأساة الإنسانية التي تعرض لها الشعب العربي الفلسطيني الذي احتلت أرضه من طرف العصابات الصهيونية في أكبر مؤامرة غربية استعمارية ورسمية عربية في القرن العشرين .
كانت أكثر المحطات المأساوية من هذا الفصل الدرامي الذي نحت في ذاكرة الأجيال هي صور بعض المجازر التي أقدمت عليها العصابات الصهيونية المنظمة مثل الهاجانا وغيرها. من أشهر تلك المجازر كانت مجزرة دير ياسين التي لطالما تحدثنا بها ورأينا صورها ووزعناها على المنظمات الإنسانية وفي أروقة الأمم المتحدة كإثبات مادي على همجية الصهيونية وعنصريتها ولا إنسانيتها.
كما كانت صور اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من مدنهم وقراهم وهم لا يحملون من متاع الدنيا سوى بعض صرر الملابس وبعض الحاجيات التي استطاعوا حملها متوجهين بها في جميع الاتجاهات شمالا نحو لبنان وسوريا وشرقا نحو الأردن والعراق وغربا نحو مصر إضافة إلى هجرة ولجوء داخلي نحو الضفة الغربية الحالية. كثيرهم حمل معه مفاتيح بيته أملا بعودة قريبة، ثم صارت رمزا للأجيال للتمسك بحق العودة يوما .
شكلت صور اللاجئين وما زالت، قضية أخلاقية وإنسانية كبرى تتهم بها العصابات الصهيونية ومن ثم الكيان الصهيوني بأكمله بأبشع الأوصاف، كونه الكيان الوحيد الذي مارس طرد شعب من أرضه ليحل محله في القرن العشرين، كما كانت تلك الصور وما تمثله من مآسي تصدم الضمير العالمي وتجعل من الاحتلال الصهيوني لفلسطين عملا لا شرعيا ولا إنسانيا ولا يمكن القبول به، حتى أن القوى الاستعمارية نفسها التي خلقت ودعمت وأقامت هذا الكيان الغريب، كانت مضطرة لأن تولي قضية اللاجئين عناية خاصة من صحة وتعليم وعمل وغيره، كما بقيت صور اللاجئين ومخيماتهم شاهدا على مأساة شعب يذكر العالم كل يوم بأن هناك احتلالا وأن أرضا اغتصبت وأن شعبا شرد وأن لا بد من عودة الحقوق لأصحابها طال الزمان أو قصر.
أذكر تلك الحكاية ليس للتذكير بها، فالقضية الفلسطينية حاضرة في الوجدان العربي ولها جنودها وأهلها الذين يدافعون عنها ولا بد أن تعود الحقوق لأصحابها، إذ لا يمكن أن يضيع حق وراءه مطالب.
لكن أذكر تلك المأساة لأقارن بين صور مجزرة دير ياسين وصور مسلسل مجازر نظام الطغمة الأسدي في سورية الحبيبة.
إذا كان عدد من استشهد في دير ياسين من أبناء القرية الفلسطينية الهادئة لم يتعد الخمسين أو السبعين شهيدا، فكم بلغ عدد من استشهد على أيدي الطاغية بشار في الحفة والحولة والقبير والتريمسة وإدلب وجسر الشغور ودير الزور ودوما ودمشق، ووو.....؟
إذا كانت مجزرة دي ياسين قد أثارت الرأي العام الربي والعالمي لعقود طويلة فكيف يمكن نسيان مجازر الأسد المرتكبة على طول سورية وعرضها؟ وماذا سيكتب التاريخ عنها؟
مجزرة دير ياسين قامت بها عصابات صهيونية عدوة للشعب الفلسطيني والعرب والمسلمين بينما مجازر الأسد قامت بها قوات من المفروض أنها من أبناء البلد ومن المفروض أنهم سوريون وعرب ومسلمون، فكيف حدث ذلك وكيف يمكن تصنيف تلك الأيادي الأثيمة التي ارتكبت تلك المجازر التي لا توصف؟
وحين كانت تذكر كلمة لاجئين، كان يتبادر إلى الذهن فورا اللاجئون الفلسطينيون بكل صور المآسي التي اختزنتها الذاكرة العربية الفردية والجماعية.
أما الآن فقد اختلطت الأمور لكثرة من تحولوا إلى لاجئين على طول الوطن العربي وعرضه : اللاجئون الصوماليون، العراقيون، السودانيون، اليمنيون.....وآخرهم اللاجئون السوريون.
إنه لمن الخزي والعار أن يتحول الشعب السوري الأبي الذي لم يتردد يوما في احتضان أبناء الشعب الفلسطيني الذين تم طردهم من ديارهم وحولهم الاحتلال الصهيوني إلى لاجئين، واستقبل مئات آلاف الجزائريين الهاربين من المحنة فيما يعرف ب"العشرية الحمراء"، واحتضن مئات آلاف من أبناء الشعب العراقي الذين حولهم الاحتلال الأمريكي وحكومات العمالة إلى لاجئين، واحتضن عشرات الآلاف من أبناء الجنوب اللبناني الدين حولهم الاعتداء الصهيوني إلى مشردين، قلت أنه من سخافات القدر أن يتحول الشعب السوري إلى شعب يطلب اللجوء في كل البلدان المجاورة لبلده بعد أن استباحت قوات الأسد الغاشمة الأعراض والبيوت والممتلكات وهدمت المنازل وقطعت الأرزاق وقتلت الشيوخ والنساء والأطفال. من المهين أن يتم ذلك على أيدي سوريه وممن يحسبون من ابناء الوطن وليس نتيجة غزو خارجي أو احتلال استعماري.
إنه لما تتقطع له القلوب وتحبس له الأنفاس أن نرى نساء وأطفال وشيوخ سورية الحبيبة في مخيمات اللجوء في تركيا أو الأردن أو لبنان أو العراق أو على الطرقات وتحت الأشجار وفي البساتين يتعرضون لكل أنواع المذلة والإهانة والألم، ومئات الآلاف، بل الملايين من النازحين داخليا، ومن الذين لا يجدون مأوى، أو مكانا آمنا، فهل يدرك الطاغية بشار حجم الجريمة التي ارتكبها ويرتكبها بحق هؤلاء المشردين وبحق الشعب السوري كله؟ هل يعتقد أنه سوف يخرج بسلام من كل تلك الجرائم وأنهار الدم المسال؟ إن كان يظن ذلك فهو فعلا إنسان أحمق معتوه.
إذا كانت مجزرة دير ياسين لم تنس حتى الآن فهل سينسى إنسان سوري أو عربي شريف أو مدافع عن حقوق الإنسان، ماارتكبه الأسد من مجازر؟ وهل يعتقد أن أي إنسان شرد من بيته وأرضه وقريته أو مدينته سينسى ما حل به وهو على طرقات التشرد واللجوء؟
سيكون الحساب عسيرا، وستسجل صفحات سوداء في تاريخ سوريا لما حل بها على أيدي الطاغية الأسد وسيذكر التاريخ أن حاكما مستبدا قتل شعبه وشرد أهله ونكل بهم لسبب واحد وهو أنهم طالبوا بحريتهم وكرامتهم.
ستحل عليك لعنة التاريخ أيها الحاكم الطاغي كما حلت على طغاة من قبلك وكما ستحل على كل الحكام العرب الذين تسببوا بتشريد شعوبهم ودفعهم إلى اللجوء في مشارق الأرض ومغاربها.
سينتصر الشعب وسيبني البلد وسيحقق أمله في الحرية والكرامة والعدالة، أما الحاكم فإلى جهنم وبئس المصير، إلى مزبلة التاريخ.