إيران.. وعقلية خيار الحرب

وليد الزبيدي

أقارن بين دعاة الحرب ورجال الدولة، وأتوقف عند رؤية الزعيم الألماني بسمارك، الذي رفض أن يسيطر عليه زهو الانتصار بعد هزيمة فرنسا أمام القوات الألمانية في حرب عام 1870، وبدلا من الإمعان في إذلال الدولة المهزومة (فرنسا) واستغلال ذلك لصالح ألمانيا، فقد ترك بسمارك درسا بليغا، لو اقتدى به الكثير من زعماء العالم لتجنبت البشرية الكثير من كوارث الحروب وويلاتها.. فبعد هزيمة فرنسا في الحرب تنازلت طواعية عن الإلزاس وجزء من اللورين لألمانيا، إلا أن بسمارك، الذي يفترض أن يجد في ذلك مكسبا لبلاده، قد سارع لمعارضة ذلك، وقال إنه لا يريد أن يجعل من فرنسا عدوا لألمانيا في المستقبل. ولا يختلف اثنان على أن هذه حكمة رجل الدولة، لا قناعة الجنرال الذي يبحث عن ألف سبب لخوض الحروب.. ويقول كونفوشيوس في هذا الصدد، إن «الجنرال العظيم حقا هو الذي يكره الغزو، وليس حقودا انفعاليا».

في الحالة الإيرانية، يتوقف المرء عند إيران في حقبتي حكم مختلفتين تماما في كل شيء تقريبا، إلا أنهما تتفقان في قرع طبول الحرب باستمرار، فقد كان شاه إيران، محمد رضا بهلوي، يحمل بيده ناقوس الحرب ولا يتوقف عن قرع الطبول، وهو الذي دفع قواته لاحتلال الجزر العربية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) عام 1970، وقبل ذلك احتلت إيران الأهواز الغنية بالنفط، وخلال عقود الحرب الباردة تفاخر الشاه بأنه «شرطي الخليج»، أي العصا المسلطة على المنطقة العربية.. وما إن انتهى حكم الشاه وجاء آية الله الخميني في فبراير (شباط) عام 1979، حتى استبشر العرب خيرا، فالحكم الجديد في إيران ثار على الشاه لأنه «شرطي الخليج»، وصنع من الدولة الإسلامية الجارة للعرب عدوا دائما، ووجد كثير من الشخصيات الإسلامية والقومية في العالم العربي في الثورة الإيرانية تصحيحا لدور إيران وبداية مرحلة جديدة، يتكامل فيها العرب والإيرانيون، ولا يتقاطعون، وذهب البعض بأحلام وردية إلى أبعد من ذلك، معتقدين أن أول قرار ستتخذه قيادة الثورة الإسلامية، هو تصحيح السلوكية الحربية للشاه، وإعادة الجزر العربية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، واستثمار طاقات وإمكانات الطرفين في بناء تجربة اقتصادية وصناعية وزراعية كبيرة، تنعكس إيجابيا على التنمية والتطور في المنطقة بأسرها.

بعد سنة وسبعة أشهر من قيام الثورة الإيرانية، اشتعلت الحرب بين الجارين العراق وإيران، ووقف كثير من المفكرين القوميين والإسلاميين العرب ضد العراق، لأنهم عولوا كثيرا على ثورة أطاحت بـ«الشاه». ورغم عرض العراق بعد أسبوع من بداية الحرب وقف إطلاق النار، فإن القيادة الإيرانية رفضت ذلك، وفي مارس (آذار) عام 1982 انسحبت القوات العراقية إلى الحدود الدولية، وأصر الجانب الإيراني على استمرار الحرب، وبدلا من إعادة الجزر الثلاث، دفعت إيران بقواتها إلى الأراضي العراقية واحتلت مدينة الفاو في فبراير عام 1986، وأعرب في تلك الأيام هاشمي رفسنجاني عن مطامع إيران في المنطقة العربية، عندما قال: «يجب أن تعرف الكويت ودول الخليج الأخرى أن إيران أصبحت جارة لها»، أي إنها في الفاو التي تحاذي الكويت.

وفي موافقته على قبول وقف إطلاق النار عام 1988، قال الخميني: «إن تجرع كأس السم كان أسهل من قبول وقف الحرب»، واعتقد البعض أن الخميني يتصرف بناء على موقف من الحكومة العراقية، التي اضطرت إلى الطلب منه مغادرة العراق، بعد التقارب الذي حصل مع شاه إيران في اتفاقية الجزائر عام 1975.. إلا أن شيئا لم يتغير في سلوكيات القيادات الإيرانية رغم مرور 33 سنة على الثورة. وفي حمى المواجهة مع الغرب خلال الأشهر الماضية، رفع الإيرانيون من تهديداتهم ورفضوا أي حديث عن إعادة الجزر الثلاث، وقبل ذلك وفي عام 2004 أعلن أبطحي نائب الرئيس الإيراني، أنه لولا إيران لما تمكنت أميركا من احتلال العراق، وهو اعتراف صريح بالمشاركة في احتلال هذا البلد، الذي تطور الدور الإيراني فيه لاحقا، ليصبح تدخلا وهيمنة يصفها البعض بـ«احتلال إيراني للعراق».

إن المراقب للخطاب الإيراني وشعاراته، يجد قرعا لطبول الحرب في كل يوم، ولا أدري فيمَ إذن يتدارس قادة إيران مستقبل العلاقات مع الدول العربية؟ وهل يدركون أنهم بحاجة إلى بسمارك إيراني لنزع أي نوع من الأحقاد الناجمة عن احتلال أراضي الغير، والإصرار على إطلاق المزيد من التهديدات، أم إنهم لا يريدون التخلي عن سلوك دروب الحروب. والنصيحة التي نعتقد أنها مفيدة، أن يعمل زعماء إيران بما جاء في دستور اليونيسكو من أن «الحروب تبدأ في العقول، لذلك لا بد من صنع السلام في العقول أيضاً .

المصدر- صحيفة الشرق الاوسط