نصائحُ لافروف للثورة السورية
عندما يغدو الشيطانُ ناصحًا:
محمد عبد الرازق
أشدُّ ما يكون المرءُ كَذِبًا عندما يُناقض نفسَه، و أشدُّ ما تكون البغيُّ عُهرًا عندما تتحدَّث عن العفَّة، و الشرف؛ لذلك نرى اللهُ قد توعَّد المنافقين بعذاب أعظم من عذاب الكافرين، ( إنَّ المنافقين في الدرك الأسفل من النار ).
و في خضم هذا الحراك الذي تشهدُه الساحة السورية، يطلعُ علينا بين الحين، و الآخر من يتمسَّح علينا بظاهر ٍ من القول؛ معيدًا إلى الأذهان ما كان من نصائح ( إبليس ) إلى أبينا ( آدام عليه السلام ). فمرَّة يطلع علينا ( حسن نصر الله )، بكمٍّ هائل من معسول القول، و مرة أخرى نرى ربيب الدبابات الأمريكية ( نوري المالكي )، يقوم بالدور ذاته؛ مقفيان في ذلك أثر ساداتهم في طهران، الذين ذكَّرنا رئيس مجلس صيانة الدستور لديهم ( أحمد جنّتي)، بأنَّه ( قد جرت انتخابات في سورية مؤخرًا، والشعب السوري شارك فیها للإدلاء بأصواته ؛ لذا یجب احترامها )، و بأنّ ( عددًا من الدول العربیة، والغربیة، ومعها أمیريكا، والكیان الصهیوني تمارس الضغوط علی حكومتي العراق، وسوریة، وتحاول الإطاحة بهما ). مشيراً إلى وجود (ممارسات إرهابیة ) أدّت لمقتل عدد كبير من العراقيين والسوريين، و أنّ هناك من يحاول (العبث بأمن سوریة، ومهاجمة البیوت، وقتل النساء والأطفال ).
ثم يخلص من ذلك إلى القول: ( إنَّ الذین یریدون إسقاط الحكومة السوریة یستلهمون هذا من بعض الدول، ویحاولون من خلاله إیجاد الانفجارات، والاغتیالات تمهيًدا لإسقاطها؛ في حین أنّها أعلنت مراراً أنّها مستعدّة، وجاهزة للتفاوض معهم حول مطالبهم).
و كأن الله قد حرمَ الشعبَ السوري من أن يعرف إلى الحكمة، و تبصُّر عواقب الأمور سبيلاً؛ فكان لزامًا عليهم أن يسدوها له.
و كان آخر ما فاضَتْ به ينابيع الحكمة من حولنا أن طلع علينا ( الرفيق لافروف )، مُتمسِّحًا بلين القول، مُبديًا حرصَه على الشعب السوري، في رسم خُطى مستقبله بما يحقق له تطلعاته في ظل دولة تُكرِّس حكم ( آل الأسد ) على الطريقة ( البوتينية ) في أحسن الأحوال.
ففي مقالة له في صحيفة "هافينغتون بوست" الأميركية، نشرت يوم الجمعة ( 15/ حزيرن)، يرى أنّ (محاولات الإطاحة ببشار الأسد بما يتعارض مع تطلّعات شريحة ملحوظة من المجتمع السوري، التي لا تزال تعتمد على هذا النظام؛ لحماية أمنها وعيشها سيعني إدخال سورية في أتون حرب أهلية دامية).
و عليه يجب أن ينحصر الجهد الخارجي في مساعدة السوريين على تفادي هذا السيناريو، وضمان إصلاح نظام السلطة السياسية في سورية، عن طريق التطوّر، وليس عن طريق الثورة، ومن خلال إجراء الحوار الوطني، وليس من خلال الإرغام الخارجي، وأنّ السعي إلى الدعم الأحادي للمعارضة لا يؤدّي إلى إحلال السلام السريع في هذه البلاد، ويتعارض مع هدف حماية المواطنين المسالمين .
وفي محاولة منه لإقحام إيران في صُلب الحراك على الأرض السورية، من أجل إشراكها في رؤية الحلول المقترحة للقضية السورية، و هو ما ظهرت بعض خباياه من خلال دعوتها إلى المؤتمر التي تدعو إليه ( روسيا )، يرى ( أنّ النزعة السائدة في هذا الخيار هي محاولات إجراء تغيير للنظام في دمشق كعنصر من لعبة جيوسياسية إقليمية أكبر، وهذه المخططات تستهدف من دون شك ( إيران )، التي تبدو مجموعة كبيرة من الدول من بينها الولايات المتحدة ، ودول حلف شمال الأطلسي، وإسرائيل، وتركية، وبعض دول المنطقة، مهتمّةً في إضعاف مواقفها الإقليمية)؛ وأنّه لهذا يكثر الحديث حاليًّا عن توجيه ضربة عسكرية إليها. مضيفًا (لقد شدّدت مرارًا على أن مثل هذا الخيار سيؤدي إلى وقوع عواقب وخيمة، علمًا أنّ محاولة قطع عقدة المشاكل المتراكمة بضربة واحدة محكوم عليها بالفشل ).
و في محاولة منه لصرف الأنظار عن فظاعة ما يقترفه نظام الأسد من انتهاكات لحقوق الإنسان، و هضم حرياته الأساسية، يشير إلى الدول المساندة الشعبَ السوري في انتفاضته، ليستْ في ذلك أحسن حالاً من نظام الأسد؛ ( فسورية لم تكن في المراتب السفلى بهذه اللائحة، إذ إنّ مستوى الحرّيات المدنية فيها أعلى بشكل لا يقاس من بعض الدول، التي تحاول حاليًا إعطاء الدروس بالديمقراطية لدمشق. فقد أشار تقريرٌ إعلاميٌّ نُشر مؤخرًا في صحيفة فرنسية إلى أنّ دولة كبيرة في الشرق الأوسط ( السعودية)، نفّذت خلال العام ( 2011م ) وحده ( 76 ) حكم إعدام، من بينها أحكام ضدّ أشخاص اتّهموا بالسحر ).
وعن تلاعب النظام المكشوف ببنود خطة ( عنان )، يرى أن اللوم يقع على ( مواقف بعض المعنيين في الوضع بسورية التي يُلحَظ من ورائها المراهنةُ على إفشال جهود عنان، ومن بينها دعوات صادرة عن المجلس الوطني السوري إلى التدخّل الخارجي ). و يتساءَل: (كيف يمكن أن تسهم بيانات كهذه في الجهود التي يبذلها رعاة المجلس من أجل توحيد المعارضة السورية تحت سقفهم؟ ). وأضاف ( نحن ندعم توحيد المعارضة فقط على أساس الاستعداد للحوار السياسي مع الحكومة تماشيًا مع خطّة عنان ).
ولم ينسَ ( حكيم الخارجية ) أن يذكرنا بأنّ موسكو ما تزال تعمل مع سلطات الأسد يوميًا؛ لحثّه على تنفيذ البنود الستة للخطة؛ و عليه فإن ما يوجه لروسيا من كلام حول تدخلها في الشأن السوري، كلام لا صدقية له.
فشحنات السلاح تتمُّ وفق القوانين المسموح بها دوليًّا، و هي لتقوية منظومة الدفاع الجوي، و ليست لقمع المتظاهرين، و تزويده بمروحيات هجومية هو مجرد إصلاح و إعادة تأهيل لثلاث منها، و ذلك لا يشكل أيَّ خطر على أرواح المواطنين السوريين.
و عن طبيعة علاقتهم مع نظام الأسد، يشرع ( الرفيق الحكيم ) في بيان حقيقتها، و يطلب منّا أن نتفهمها بعيدًا عن أية تفسيرات لا تحتملها، (فروسيا لا تعتبر نفسها جهة مدافعة عن النظام الحالي في دمشق، وليست لديها مبرّرات سياسية، و اقتصادية، وغيرها من المسببات، فهي ليست شريكًا اقتصاديًا وتجاريًا رئيسيًا وحيدًا لهذا البلد الذي كان قادته يتعاونون أساسًا مع العواصم الغربية )؛ فروسيا لا تسعى لبقاء الأسد، و منْ يظنُّ أنها تنقذه ممّا يرتكبه فهو مخطئ؛ ( فـاختيار النظام السياسي، وقادة البلاد هو أمر يخصّ السوريين أنفسهم ).
و يضيف ( نحن لا نحاول غضّ نظرنا عن المسؤولية الرئيسية التي تتحمّلها القيادة السورية عن الأزمة التي عمّت البلاد؛ فهي لم تسر وقتها على طريق الإصلاحات ).
و في تعليقه على المجازر التي فجعت العالم، يقول: ( لقد هزّت العالم كلّه مجزرة الحولة التي وقعت في (25 أيار)، وكذلك ما حدث في حماة من مآسٍ دموية. ولا بدّ من معرفة المسؤول عن ذلك ومعاقبة المذنبين، و لكن لا يحقّ لأيّ أحد احتكار دور القاضي والاستفادة من هذه المآسي؛ بغية تحقيق أهداف جيوسياسية).
و عن حرص بلاده على تحقيق مطالب الشعب السوري، لم ينسَ أن يذكرنا بأنهم ( يعملون أيضًا مع الممثّلين عن كل الفصائل المعارضة السورية ، في الوقت نفسه الذي يتواصلون فيه مع الحكومة).
و هو يُعرب عن ثقته بأنّه في حال تصرّف شركاء روسيا كذلك، من دون اتّباع المعايير المزدوجة سيكون هناك فرصة حقيقية لبلوغ التسوية السلمية في سورية؛ و لذلك لا بُدَّ لهم من الأخذ بنصيحته ( بالضغط من قبل الجميع على النظام والمعارضة، وإجبارهما على وقف القتال والجلوس إلى طاولة المفاوضات، و من المهم اتخاذ جهود جماعية عاجلة من أجل ذلك، وعقد مؤتمر دولي للبلدان المعنيَّة مباشرة بالنزاع السوري ).
وفي هذا الصدد يحذر من اِنزلاق المنطقة إلى أتون حرب دامية، و أنه لا سبيل إلى تحاشي ذلك إلاَّ بالأخذ بنصائحه تلك، مضيفًا أنّ المخطّطات الأخرى التي تقضي بالتدخّل الخارجي في سورية، بدءًا من قرار إغلاق القنوات التلفزيونية السورية على القمر( عرب سات ) الذي اتخذته اللجنة الوزارية العربية مؤخرًا في قطر، وانتهاءً بتزويد المجموعات المعارضة بالأسلحة، و المطالبة بتوجيه ضربات جوّية. فذلك لا يجلب السلام لسورية، وللمنطقة برمّتها؛ فأيّ إشعال لنزاع داخلي سوري قد يؤثّر سلبًا على الوضع في الدول المحيطة بسورية، وسيكون له تأثير مدمّر على الأمن الإقليمي والدولي.
و في ختام الأمر تأبى نفسه إلى أن تفصح عن الغرض الأساس من هذا اللف و الدوران، و لوك الكلام، و التذاكي على الشعب السوري، و تمخيضه النُّصحَ في مقالته تلك: (إنّ عوامل الخطر تتضمن فقدان السيطرة على الحدود السورية- الإسرائيلية، وتأزّم الوضع في لبنان والدول الأخرى في المنطقة، ووقوع الأسلحة في الأيدي الخاطئة، من بينها عناصر المنظّمات الإرهابية).
و بهذا يكون ( الرفيق الحكيم ) قد أبان المخبوء، و عزَّز القناعة حول المواقف الهزيلة التي تتلطَّى خلفها المواقف الدولية؛ من أن الأمر برمته يدور حول أمن، و سلامة ( إسرائيل ) ممَّا يحصل في سورية.