سورية: كُرةُ لَهَبٍ تتقاذفُها الأيدي
سورية: كُرةُ لَهَبٍ تتقاذفُها الأيدي
محمد عبد الرازق
أصبحتْ القضيةُ السورية تكبرُ، و تتدحرجُ ككرة الثلج، و الكل يريد أن يكون له نصيبٌ منها في قابل الأيام، فلقد تسارعت وتيرة المؤتمرات حولها، ففي موسكو عقد لقاء الجمعة الفائتة لبلورة صيغة، و أهداف مؤتمر ينوي الروس و الأمريكان عقده للبحث في حلٍّ لها، و قد حضره عن الروس كلٌّ من: ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية والمبعوث الرئاسي إلى الشرق الأوسط، وغينادي غاتيلوف نائب وزير الخارجية، وعن الأمريكان: فريديريك هوف المنسق الأميركي الخاص للشؤون الإقليمية، و خصوصًا الملف السوري. و قد دارت المباحثات حسب كلام الروس حول: التبادل المعمق لطرق مساندة التسوية السلمية في سورية.
و في الأسبوع الماضي أيضًا عقد المنتدى الاقتصادي العالمي في إسطنبول، و كانت المسألة السورية في صلب مناقشاته.
و في يوم الجمعة الماضي أيضًا عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة جلسة ناقشت الوضع السوري، أعقبها جلسة مغلقة لمجلس الأمن، هذا فضلاً على المؤتمر الدولي الذي دعت إليه روسيا بمشاركة إيران، بموازاة دعوة كوفي عنان لإنشاء لجنة اتصال حول سورية، و عقدِ مؤتمر أصدقاء سورية في باريس في السادس من شهر تموز القادم.
الواضح من هذا الحراك كلِّه أن هذه الدول تتقاذف كرة اللهب السورية خشية أن تحترق أصابعها بها، فهم يرغبون في لعق الشهد بعيدًا عن إبر النحل؛ فأمريكا مشغولة بإعادة أوباما إلى البيت الأبيض لفترة ثانية؛ لذلك نراها تتعاطى مع الشأن السوري من باب نافلة القول، و هي تتمترس خلف مبادرة عنان الواهية، قاصدة من ذلك إدارة الأزمة، و ليس إنهاءها، و ضمن هذا نراها قد عهدت بالملف لبوتين ليجرب حظه فيه فإن تحقق لها ما تريد من تسوية على الطريقة اليمنية ( المُعدَّلة )؛ تكون قد تساوقت مع استطلاعات الرأي التي تقول بأن(70 بالمائة من الأمريكيين لا يرغبون في الحل العسكري في الملف السوري)، و بذلك يكون أوباما قد ظهر كرجل سلام بحسب دعايته الإنتخابية. و إذا فشل هذا المسعى بجدار التعنت من النظام و حلفائه؛ فإن الأمر سيؤجل إلى ما بعد شهر شباط من العام القادم ليكون في جدول أعمال الرئيس القادم ليفتتح به عهده الميمون ( جمهوريًا، أو ديمقراطيًا)، فإن كان جمهوريًا يكون قد باشر بما ساقه في حملته بعسكرة الأزمة السورية، و إن كان أوباما يكون قد أعذر أمام ناخبيه بأنه قد ألجئ إلى مالا يرغب فيها.
أمَّا تركيا فهي بدورها تحاول إبعاد هذه الكرة عن حجرها خشية أن تتورط في نزاع لا ترغب فيه، و تدفعها إليه المعارضة الداخلية التي تريد الصعود على أنقاض الانهيار الاقتصادي الذي ستتسبب به هذه الورطة لحكومة أردوغان، إلى جانب خوف حكومة أردوغان نفسها من أن هناك من الأطراف الخارجية من يسعى ليجعل من تدخُّل تركيا في الأزمة السورية حربة بلا رأس، ناهيك عن عدم تأمين غطاء لتحركها من أي نوع كان، إلى جانب عدم الاتفاق على من سيدفع فاتورة هذا التدخل.
و إذا ما نظرنا إلى الواقع العربي الرسمي فسنراه منحازًا إلى الخيار الأمريكي بشكل واضح، فدعوات التسليح ما تزال أفكارًا ممتازة، و حتى مشاريع الدعم المادي لم يصل منها إلاَّ النزر اليسير( وصلت خمسة ملايين من أصل ثلاثين تبرعت بها قطر، و المائة مليون الليبية ما تزال في الحساب )؛ و مع ذلك فهناك من الدول العربية من بدأت تتخلى عن دعمها مطالب الشعب السوري رضًا بالأمر الواقع، و خوفًا من أن يصل إليها أثر هذا الربيع ( موريتانيا، و الجزائر، السودان)، و هناك منها ( عُمان ) من أخذ يلوم الدول ذات المواقف المعلنة في مساندتها الشعب السوري ( قطر، و السعودية، و الكويت )، و هي في ذلك تمرِّر رسائل طمأنة من تحت الطاولة إلى الجارة ( إيران ) لتوصلها بدورها إلى ( النظام السوري ).
و هنا يلاحظ أمر مستغرب في قضية المساعدات التي تجود بها الشعوب الخليجية؛ أنها أخذت تخضع للمراقبة بشكل يعيد إلى الأذهان قضية تجفيف الينابيع؛ و حتى إن ما يصل منها تريد بعض الدول المضيفة أن يكون لها نصيب منه بدعوى أنها متضررة من النازحيين السوريين. و حسنًا فعل مؤتمر إسطنبول الأخير الذي أوصى بمساعدة هذه الدول عسى أن تكفّ يدها عن تلك المساعدات التي أشبه ما تكون بالمال الوَقْف الذي لا يجوز أن يُصرف في غير ما أوصى به المتبرعون.
و في ظل ذلك تبرز الجهات المستفيدة من هذا الواقع، و هي:
1ًـ روسيا التي تريد اِستعادة مكانتها الميدانية في منطقة الشرق الأوسط، ومكانتها السياسية ونفوذها في مجلس الأمن، و تريد أن تعزز علاقاتها الثنائية مع الولايات المتحدة مستعينة بالباندة الصينية في ذلك. علمًا أن بوتين و هو يقدم إلى أوباما خشبة الخلاص في سورية يدرك أنه لن يتمكن من التورط عسكريًّا حاليًّا في سورية، لكنه أيضًا لن يتمكن من تجاهل المجازر، و لاسيَّما في المرحلة الإنتخابية ( يريد أوباما من الروس مساعدته في البقاء في البيت الأبيض بحسب الدردشة التي كانت بينه و بين مديديف في مؤتمر سول الأخير).
2ًـ إيران التي تريد أن تقايض في موضوع نسب التخصيب حضورًا سياسيًّا في محيطها الإقليمي، و قد جاء ذلك واضحًا في دعوة محمد سعيد جليلي الأمريكان في جلسة التفاوض في بغداد؛ لبحث أمور غير الملف النووي، وكان يشير إلى الأزمة السورية.
3ـ النظام الذي يُعطى مهلة أخرى قد تصل إلى ( مائة يوم ) سيعاني الشعب خلالها من تصعيد نوعي وحاد في العنف المسلح؛ إذْ سيسعى النظام فيها لإخضاع المناطق التي خرجت عن سيطرته، مستعينًا بأدوات، و وسائل أشد فتكًا و إيلامًا ( الطيران الحربي، المجازر الجماعية، و حرق المحاصيل، و ربما في فترة لاحقة: السلاح البيولوجي) فإن تحقق له ما يريد، و إلاَّ فإنه يعزز من مكانته التفاوضية عندما يجبر على ذلك.
4ـ و أخيرًا إسرائيل التي تفضل أن يبقى النظام جارًا لها؛ لأن أمنها من خلال بقائه كما صرح رجل مال العائلة ( رامي مخلوف)، و في حال خرجت الأمور عن سيطرة النظام فلا أقلَّ من تدمير سورية ( شعبًا، و جيشًا، و مقدرات)، و عندها تنشغل سورية بترميم ما دمر عشر سنوات على أقل تقدير، و هي مدة تكفي لإسرائيل حتى تحقق تفوقًا نوعيًّا إضافيًا على دول الطوق.
و السؤال الذي يبدر إلى الذهن في ختام ما سبق: و أين دور الشعب السوري من كرة الثلج التي أخذت تكبر، و تتدحرج، أو من تقاذف كرة اللهب بين هذه الأيدي؟
نقول هناك جملة من الأمور التي تحققت على يد هذا الشعب الثائر، و هي من جملة المبشرات في هذه الثورة، منها:
ـ تمدد المعارضة حتى و صلت إلى دمشق و حلب اللتين كانتا رهانه الأخير؛ فنقاط التظاهر فيهما قد فاقت التوقعات في جمعة ( الثوار، و التجار يدًا بيد حتى الانتصار).
ـ دخول البعد الإقتصادي من خلال إضراب تجار دمشق و حلب على خط الاحتجاجات الشعبية.
ـ باتت كتائب الجيش الحر على تخوم قصر الروضة في المهاجرين، و العمليات النوعية له أصبحت حديث وسائل الإعلام، و مواقع الإنترنت زاخرة بصورها، فضلاً على مفاجآت تحملها الأيام القادمة يعدها أبطاله.
ـ ازدياد الإنشقاق عن جيش النظام: نوعًا، و رُتبًا، و عددًا، و سلاحًا( هناك مدرعات منشقة، و مضادات طائرات، و صواريخ )، وكان آخرها إنشقاق الكتيبة (743 ) التابعة للواء ( 72) للدفاع الجوي في الغنطو بحمص بكامل عتادها و رجالها( 10 ضباط، 15 صف ضابط، عشرات الجنود)، بقيادة عقيد من الطائفة العلوية، و قد سبقه إنشقاق آخر، يقرب من ( 203) عسكريًّا في حماة قبل أسابيع قليلة.
ـ تناقص أعداد الشبيحة من غير الموالين للنظام، و هو أمر ينذر بخطر لم يكن يتوقعه النظام؛ لأن الضحايا ستكون في قابل الأيام من خُلص أنصاره، و هو أمر كان يسعى لتجنبه.
ـ المأزق الذي وقع فيه (حزب الله ) بعد أزمة الرهائن، منهم خمسة من كبار ضباطه الأمنيين، و كذا مقتدى الصدر الذي وصلت إليه نعوش مقاتليه، و اعترافات أسراه الذين زجَّ بهم لمؤازرة النظام، و قد كانت زمر الحرس الثوري قد تلقت شيئًا من ذلك من قبل ( لا ننسى كلمة مندوب إسرائيل في الجمعية العامة: إن الشعب السوري يتلقى القتل على يد ثلاثي الشر: بشار، و حزب الله، و أحمدي نجاد).
ـ حصول جملة من التطورات السياسية، منها:
ـ تشكيل لجنة لتنسيق الحراك الثوري على مستوى التنسيقيات تتألف من ( 28مدنيًّا، و 28 عسكريًّا).
ـ تشكيل مجلس لتنسيق الحراك بين قوميات أبناء الحسكة.
ـ انتخاب الدكتور عبد الباسط سيدا ( المعارض الكردي) رئيسًا للمجلس الوطني، و هو أمر سيعزز من تلاحم أبناء شعبنا الكردي مع إخوانهم في الحراك الثوري من العرب، و نظن أن بشار ليس سعيدًا بهذا التوافق على شخص الدكتور عبد الباسط.
هذا، و إن المبشرات فيها أكثر من أن تُعدَّ، و تحصى، و يكفينا منها أن رعاية الله قد تكفلت بها منذ أن بدأت على يد أطفال درعا، و ما تزال تحفُّها في كل يوم و حين؛ و من كان الله معه فلن يُقهر، و يُهزَم.