العطلة الصيفية والفراغ القاتل
وخزة ضمير (25)
العطلة الصيفية والفراغ القاتل
فراس حج محمد /فلسطين
انتهت تسعة أشهر هي كل العام الدراسي الذي لم يكن بالتأكيد حافلا بأي نجاحات شخصية أو مجتمعية، فقد طحن الطلاب والمعلمون والوزارة والدولة فيه الماء، ولا شك بأن المخرجات المرصوفة في السياسة التربوية لم تكن حاضرة إلا على ورق ينوء بسواد الحبر الذي كتبت فيه، إخفاقات هنا وهناك، وضجر ويأس كبيران من أيام تتالت في غرف صفية، رأى فيها المعلمون نجوم الظهر، وقد عابثهم طلاب أشقياء لم يعودوا مقتنعين بأهمية المدرسة كمصنع للفكر أو التربية أو تعديل السلوكيات الخاطئة، فالكل يأتي متثاقلا حزينا كئيبا، لا يعنيه إلا الروتين، وليس معنيا بغير أن يؤدي ما عليه من واجبات أما إحداث التغيير الحقيقي فليست في وعي أحد إلا من رحم الله، وقليل ما هم.
انتهت السنة الدراسية والكل متطلع إلى العطلة الصيفية التي أضحت أملا ومتنفسا من روتين خانق ومسلسل كئيب استمرت حلقاته مائة وواحدا وثمانين يوما، ولم يكد ينتهي آخر يوم حتى ترى البهجة قد عمت وجوه البائسين طلابا ومعلمين.
انتهت السنة الدراسية ليترك الطلبة كل ما حاولوا تعلمه أو أجبروا على حفظه وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون منه شيئا وليس يعنيهم منه شيئا، ولم تعد النتائج المدرسية في نهاية العام تهز أحدا أو يطرب لها ولي أمر، سواء أكان ابنه في الناجحين المتفوقين أو في الراسبين المتأخرين، بل على العكس ترى أولياء أمور الراسبين أكثر فرحا أحيانا فالمدرسة عندهم مضيعة للوقت، ولسان حالهم ومقالهم يعبر عن رغبة حقيقية في أن يجد أطفالهم أعمالا ينغمسون فيها طوال هذه العطلة.
انتهت السنة الدراسية بكل ما خلفته من نكات وتعليقات مرة وأليمة ومواقف كثيرة مضحكة ومبكية في المدرسة أو في الشارع أو في البيت، ليبدأ فصل العطلة الصيفية، فينتشر وباء التسكع والفراغ بين الجميع ليتمرغ هؤلاء الطلبة بأوحال الواقع الذي يشدهم نحو التشرد والسهر، ومعابثة ألعاب الفيديو وأفلام المغامرات والعنف وبرامج المصارعة، ليتشبعوا بأوهام البطولة المنتفخة، وتمتلئ نفوسهم بمسببات عنف حقيقي مخزون في اللاوعي، لتكون المدرسة هي المحل الطبيعي للتفريغ في العام القادم.
انتهت السنة الدراسية وهلت العطلة الصيفية، وهطلت كوارثها، لتكثر المشاكل بين الطلبة الذين تفرغوا للعبث، فلم تعد أعمال الزراعة كما في القديم تستهويهم أو مساعدة أبائهم في أعمالهم تسكن خواطرهم، يتلهون بالتكنولوجيات الاستهلاكية من جوال وإنترنت، ويقبعون ساهرين أمام أجهزة أكلت عقولهم واستنفدت نور أبصارهم وبصائرهم، وابتعدوا عن كل ورقة وقلم، ولم يكن لهم غير الفراغ والعنف مجالا ليقضوا فيه ثلاثة أشهر هي الشر كله.
انتهت السنة الدراسية ولم يكن هناك ما يستوعب الطلبة في برامج ترفيهية شاملة تحفظهم وتنمي شخصياتهم، فلا المؤسسات ولا الحكومات ولا أولياء الأمور معنيين بهذا كله، لا من قريب ولا من بعيد. ازداد الأمر سوءا عن زمن جميل مضى، فلم يعد الطلاب هم الطلاب ولم تعد اهتمامات أولياء الأمور هي نفسها، المهم أن ينشغل الأبناء عن آبائهم، وليس المهم بما ينشغلون.
جاءت العطلة الصيفية وانتهت السنة الدراسية ومسلسل الخسران في تتابع واستمرار، فمن المسؤول يا ترى؟؟