نحن والقرضاوي ومحمد مرسي
نحن والقرضاوي ومحمد مرسي
عبد العزيز كحيل
نحن المسلمين من غير المصريّين الذين نحبّ أرض الكنانة كما نحبّ انتصار المشروع الاسلامي الذي يحمله الاخوان المسلمون أصبحنا في حيرة من أمرنا مرّتين: الأولى بسبب تعدّد المرشّحين الاسلاميّين للرئاسة لأنّه ينذر بتفرّق الأصوات لصالح غيرهم من المرشّحين الاخرين، والثانية عندما أعلن الشيخ يوسف القرضاوي تأييده للدكتور عبد المنعم أبوالفتوح منذ مدّة ثمّ صمت عن تجديد تأييده له حتى ظننّا ان العلامة حفظه الله قد غيّر رأيه بعد ان دخلت جماعة الإخوان السباق ، لكنّنا تفاجأنا بإعلانه الأخير على قناة الجزيرة أنّه ما زال على موقفه من د. أبو الفتوح، وإنّما يعود سبب الحيرة إلى كون الشيخ يوسف حفظه الله من أكبر رموز الإخوان – حتى بعد تجاوزه لقضية الانتماء العضوي التنظيمي لأنّه أصبح ملكًا للأمّة كلّها- وهو يعلم أن د. عبد الفتوح هو الذي أخرج نفسه من الجماعة بعد ان خالف قراراتها ولوائحها، وكان يُمكننا تفهّم تزكية الشيخ له لو استمرّ غياب المرشّح الاخواني عن الانتخابات الرئاسية كما كان منتظرا، لكن بعد تغيير الجماعة لرأيها لتغيّر الظروف وبروز معطيات جديدة كنّا نظنّ ان فضيلة الشيخ الداعية سيغيّر رأيه حتى ولو في اتجاه التحفّظ على كلّ المرشّحين لئلاّ يُحرج د. عبد المنعم، لكنه صمّم على اختياره الأوّل وصرّح أكثر من مرّة ان أبو الفتوح أقدر المرشّحين على تبوأ منصب الرئاسة، وكلمتي هذه ليست انتقادا لشيخ الوسطية الاعتدال، ورأيه محترم ويبقى يحظى منّا بكلّ التبجيل والتقدير، ونبقى نعتبره شيخَنا ونستقي منه العلم ونتابع خطبه ودروسه وحصصَه التلفزونية النافعة، كما لا ننتقص من شخص د. أبو الفتوح في قليل ولا كثير، لكنّ همّنا أن لا يفوّت الاسلاميون فرصة بلوغ سدّة الحكم بالإرادة الشعبية لخدمة المشروع الاسلامي ، ومصر قدوة العرب والمسلمين، ولا شكّ أنّ أحداثها تؤثّر بقوّة على الجوار كلّه، ولهذا لا بدّ من الدفع بمرشّح تكون في صفّه أكبر فرص الفوز من جهة وكثير من عوامل النجاح في المهمة من جهة ثانية، ومن أقدر من د. محمد مرسي على هذا؟ والقضية ليست شخصية – رغم ما للدكتور مرسي من المؤهلات العلمية والأخلاقية – لكنّها قضية منصب حسّاس في ظرف يتميّز بأنواع من المخاطر لا تكفي المواصفات الشخصية لمواجهتها وحسن التعامل معها بل لا بدّ من سند شعبي مؤسّسي منظّم يحمل المشروع بقوّة ويحميه في جميع مراحله وعلى جميع المستويات، ومن يملك هذا السند غير الإخوان؟ بهم يكون الرئيس محميّ الظهر ومحاطًا بعدد ضخم من أصحاب الكفاءات المختلفة والقدرات العلمية والعملية العالية، إلى جانب ما نظنّ في الإخوان ومحيطهم من إخلاص وأمانة وصدق، ولا يملك أيّ مرشح إسلامي آخر مثل هذه الضمانات التي إن لم تتوفّر عرّضته من أوّل وهلة لمؤامرات ودسائس وعراقيل لن يجد له من أعوان عليها إلاّ النزر القليل، وحينئذ يتحتّم عليه الاستعانة بالفلول ومراكز القوى المختلة ويخضع للمساومات ويكون شبه معزول في المشهد المصري الملغّم بما لا يُحصى من مشاكل سيخلّفها حكم العسكر فضلا عن تركة حقبة مبارك.
هذا الذي يجلنا نتمنّى لو أن الشيخ القرضاوي حفظه الله أعمَل فقه الموازنات الذي تعلّمناه منه ودعا إلى التصويت على د. مرسي، بل تمنّينا أن يُقنع د.عبد المنعم بسحب ترشّحه ليس لأنه يفتقد للكفاءة ولكن لأنّه فرد بينما يمثل مرسي جماعة قوية البنيان صاحبة مراس طويل وقوة بشرية وبنيوية كفيلة ليس فقد بتحقيق المنجزات وإنما بحمايتها حتى تُحدث النهضة وتضع المشروع الاسلامي على السكّة وتُعطي القدوة المفقودة للبلاد الأخرى.
وقد كنتُ متهيّبا من الافصاح عن هذا الرأي والكتابة فيه، وليس من شيَمي التطاول على شيوخي ، لكن جرّأني عليه الأخ الأستاذ أكرم كسّاب – وهو تلميذ الشيخ المقرّب منه – عندما أعلن تأييده لمرشّح الإخوان وذكر أنّ اجتهاده قاده إلى هذا الرأي وقد تعلّم من الشيخ أن يجتهد ولو خالف أستاذه.
إنّنا – نحن غير المصريّين – نعيش أحداث مصر لحظة لحظة ، وننظر إلى تجربها الانتقالية الرائدة بأمل وتخوّف ونعتقد أنّ الزمن الاخواني سيفتح عهد الزمن الاسلامي الذي طالما نظّرنا له ووعدنا به حتى أصبحت قلوب المؤمنين متعلّقة به وأعناقهم مُشرَئبّة إليه، فلا نقبل أن تضيع الفرصة، وقد زاد من ثقتنا في فوز مرشّح الجماعة الأمّ تمرّد كثير من رموز الدعوة السلفية على فتوى قيادتهم بمساندة د. أبو الفتوح والتحاقهم بقواعدهم وتلاميذهم بحملة د. محمد مرسي جهارًا للاعتبارات التي ذكرتُها، وأصبح المشهد السلفي يتلخّص في تأييد نخبوي بحت للدكتور عبد المنعم.
إنّ جماعة الإخوان – وليس أي فرد مهما كانت قدراته ومؤهّلاته وإخلاصه – هي تستطيع بإذن الله إحداث التغيير المنشود في مصر وإبطال القنابل الموقوتة التي زرعها أكثر من طرف داخلي وخارجي لإرباك المشهد السياسي وإفشال الثورة وإعادة استنساخ النظام البائد، وما الهجوم الإعلامي الرهيب المتواصل عليها إلا دليل الخوف من مشروع النهضة الكفيل ببناء بلد مستقلّ قوي ، فهل يُعقَل ترك الساحة للطابور العلماني المتربّص الذي أخذ د.ابو الفتوح يغازله ويتبرّأ من خلفيته الاسلامية، في حين يُعلن محمد مرسي بكلّ صراحة ووضوح أنّه يحمل مشروعا إسلاميا، ويرفع شعار الاسلام هو الحلّ ويعدُ بتطبيق احكام الشريعة ، وهذا أمل المسلمين منذ أحقاب، فأيّ الفريقين أحقّ بالاتباع؟
إنّي أخشى – للاعتبارات التي ذكرتُها – أن يكون خذلان مرشّح الإخوان خذلانا للمشروع الاسلامي نفسه، ليس لأنّه حكر على هذه الجماعة ولكن لأنّ إعطاء القوس لغير باريها قد يذهب بالبلد والمشروع بعيدًا عن آمال الأمّة برمّتها.