أليس حكم الأسد تدخلا خارجياً؟!
أليس حكم الأسد تدخلا خارجياً؟!
عبد الرحمن الشردوب
باحث في مركز أمية للبحوث والدراسات
رفض الشعب السوري الثائر - الذي عانى الأمرين إبان فترة حكم النظام الأسدي - تدويل قضيّته والتدخل الخارجي في بداية الثورة ، وذلك لمعرفته لخطورة التدويل وما قد ينجم عنه من مخاطر ، لكنّ اللافت للأمر أنّه وبعد أسابيع قليلة من انطلاقة ثورته أصبح يطلب التدخل الخارجي لحماية المدنيين علانية فرأينا الثوّار يسمون إحدى الجمع " جمعة التدخل الخارجي ، ورفع الناشطون أصواتهم ولافتاتهم التي تطلب حمايتهم من بطش النظام الذي لم يحدّه حد ، وتجاوز كل الجرائم التي يتخيّلها أي إنسان حتى وصل الأمر إلى أن رفع بعض الثوار لافتة تطلب الاحتلال " الإسرائيلي " للخلاص من هذا النظام ، لا لشيء وإنما لأنهم لم يروا أو يسمعوا عن اليهود – وهم أقبح مثال للاحتلال – ما شاهدوه بأمّ أعينهم من النظام الأسدي .
ولإدراك الشعب أهمية سيادة الوطن وخطورة التدخل الخارجي كان طلبهم مقتصرا على حماية المدنيين ودعم الجيش الحر الذي انشقّ عن الجيش النظامي ليحمي المظاهرات السلمية من بطش النظام لذلك لم يتجاوز طلب المتظاهرين فرض حظر جوي ، وإيجاد مناطق عازلة ، وممرات آمنة ،إلى غير ذلك من طرق تحفظ أمن المدنيين وتمهّد للمزيد من الانشقاقات المدنية والعسكرية عن النظام وجيشه وبالتالي إسقاط النظام المنهار داخليا والذي يحكم سورية بالرعب وبقبضة حديدية تسلّط على رقاب كل من يطالب بالحرية وعلى رأسهم المنتسبين للجيش .
أسباب طلب الشعب السوري للتدخل الخارجي
والمتمحّص في الأسباب الرئيسية التي جعلت الشعب السوري يطلب الاستقواء بالأجنبي لحمايته من نظام الأسد يجد أنّ كل ما تخشاه الشعوب المحتلة من المحتل كان متحققا في نظامه الحاكم بأقبح صوره ؛ فشرعيته وحكمه باطلين لأنه استلم البلاد بانقلاب عسكري في الثامن من آذارعام 1963 وثبّت أركان حكمه عام 1970 في سلسلة من التصفيات والمجازر بدماء معارضيه ، وفي تعامله مع شعبه كان يتبّع سياسة القبضة الأمنية الحديدية بما فيها من امتهان للكرامة ، وكبت للحريات ، ولم يكتف - بوجود أجهزته الأمنية الأربعة عشرة - بقتل واعتقال أحرار البلد وحرائره ومن يعترض على الفساد والمفسدين بل تجاوز ذلك إلى التفنّن في أساليب الاضطهاد والقتل والاغتصاب إلى أن وصل بعد الثورة السورية إلى التطهيرالمذهبي والعرقي كما فعل جيش المهدي في العراق والصرب في مسلمي البوسنة والهرسك في تسعينات القرن الماضي ، وأما سياسته الاقتصادية فلم تك أقل خطورة من سياسته الأمنية عندما جيّرت مقدّرات البلد وخيراته لمصالح عصابته الحاكمة الضيقة على حساب الشعب .
نظام الاسد بوابة رئيسية للتدخل الخارجي في سوريا
والمتتبع لسياسته الخارجية يدرك تماما أن النظام السوري هو أحد أنظمة الحكم الأساسية في المنطقة التي وضعت للحفاظ على اسرائيل والمصالح الغربية بل إن وجوده كان بوابة رئيسية للتدخل الخارجي في سورية بدلالة ما يلي :
أولا : علاقته مع إسرائيل وتنازله عن الجولان السوري إضافة إلى موقف اسرائيل من الثورة السورية والذعر والخوف الإسرائيلي من سقوط النظام والذي يدلّ عليه أمورٌ منها صمتهم عن بعض التجاوزات المهمّة مثل نشر دبابات النظام في درعا بجانب حدود الكيان الصهيوني ، ومرور البارجتين الإيرانيتين اللتين عبرتا المتوسط بمحاذاة سواحل فلسطين ، والأهم من هذا تصريح رامي مخلوف ( ابن خالة بشار الأسد وأبرز أركان نظامه الاقتصادية ) للصحافة الأمريكية من أن الثورة تهدد أمن إسرائيل وهو دليلٌ واضحٌ على حماية النظام لإسرائيل وأنّه كان خلال فترة حكمه – بعكس المعلن – جهة رئيسية تعمل ضدّ القضية المحورية في بلاد الشام وهي القضية الفلسطينية .
ثانيا : تحالفه الوثيق مع الاتحاد السوفيتي سابقا وروسيا لاحقا وهذا أشار إليه صراحة مؤخرا وزير الخارجية السوري وليد المعلم الذي قال أنه وافق على استقبال المراقبين العرب بناء على طلب روسي، إلى جانب القاعدة العسكرية الروسية والحديث عن قدوم القوات الخاصة الروسية ووجود بوارجهم وأسلحتهم المختلفة .
ثالثا : صمت المجتمع االدولي عنه وعن جرائمه والاكتفاء بمجرد الضغوطات السياسية والاقتصادية عليه رغم أنه ارتكب ما اعتبره مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة جرائم ضد الإنسانية بحق شعبه وبالتالي ووفقاً لميثاق الأمم المتحدة الملتزمة به سورية يصبح من مسؤولية المجتمع الدولي التدخل العسكري من أجل حماية المدنيين ووقف مجازره وعنفه .
رابعا : الدعم الإيراني السياسي والعسكري والمالي والبشري الغير محدود مقابل نشر مشروعها الفارسي الصفوي في البلاد .
خامسا : دعم حزب الله وحكومة المالكي له من خلال القناصة والسلاح والدعم المالي . رابعا: استقواؤه باللوبي الاسرائيلي واليهودي في واشنطن وموسكو
سادسا : هذا النظام هو سليل شيوخ ووجهاء علويين تحالفوا مع فرنسا ومع العصابات الصهيونية في منتصف العشرينات من القرن الماضي كما كشفت الصحافة الإسرائيلية قبل عام كما أنه جزء أساسي من منظومة تحالف الأقليات في بلاد الشام التي بناها الاستعمار ومازال أحد أركانها الأساسيين وهذا ما يفسر اصرار الغرب على ربط مسألة الأقليات في سقوط الأسد .
والأهم من كل ذلك ان هذا النظام ما كان له أن يستمر في ممارسة كل هذه السطوة على شعبه لولا شبكة تحالفاته القوية مع مختلف الأطراف الدولية والاقليمية الداعمة له والتي مهّد لها بالكثير من التنازلات السياسية على حساب سيادة الوطن واستقلاله ووحدة أراضيه لتحقيق مصالحه بغض النّظرعن الأضرار التي يمكن أن تنجم على مستقبل الشعب السوري ، وكان من نتاج هذه التحالفات أن الثائر السوري وجد نفسه بعد الثورة بمواجهة عدة ميليشيات ودول ابتداءً من حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني وجيش المهدي العراقي والبوارج الروسية والطائرات الإسرائيلية بدون طيار التي تتعقب الثوار كما كشفتها تركيا .
كشف الثورة السورية لحقيقة النظام وارتباطاته الخارجية
وعندما مهّد الربيع العربي الطريق لهذا الشعب ليخرج من غفلته وخوفه طلبا للحرية والكرامة رأى أمام عينيه حقيقة هذا النظام المحتل - الفريد من نوعه - لأن فكرة كون الشعب تحت احتلال كانت من الأفكارغير الناضجة عند قطاع كبير من الشعب لأسباب منها :
أولا : السياسة الأمنية الاستخباراتية المتبعة قبل الثورة والتي كانت من شدّة البطش تمنع الأخ من مصارحة أخيه بحقيقة النظام وتعامله الأمني الدموي.
ثانيا : نجاح النظام في صناعة الرأي العام الداخلي بسيطرته على مفاصل التأثير فيه من جهة ، إضافة إلى بروباغندا " القومية والممانعة " التي احتمى بها وبشعاراتها الخالية من مضامينها .
ثالثا : كون العصابة الحاكمة مكوّنة ( في الجانبين العسكري والمدني ) من سوريين من عدّة طوائف ، وهي خطة خبيثة نجح النظام في حبكها وفي تضليله للرأي العام حول حقيقة العائلة الطائفية الحاكمة المسيطرة وتوجّهاتها .
وأخيرا لا بد من الإشارة إلى أنّ الثورة السورية وتداعياتها الداخلية والخارجية التي أشرت إليها كان لها أكبر الأثر في معرفة وكشف حقيقة كل من طرفي الثورة للآخر ، وكان من نتاج هذا الإدراك نتائج مهمّة على الطرفين :
فالشعب وهو الطرف الأول في الثورة أدرك أنه أمام – نظام حاكم ــ أخطر من الاحتلال لأنّ يقوم بممارسات أفظع وأشنع من ممارسات أي محتل بما في ذلك المحتل الصهيوني ، فضلا عن كونه يقوم باحتلال البلاد نيابة عن القوى الخارجية وتحقيقا لمصالحها بل إنّ دعائم حكمه الرئيسية كانت مبنية على تأمين مصالح المحتلّ الخارجية التي لا تتحقق عادةً إلا باحتلال يقدّم المحتل من أجله أثماناً باهظةً من الأموال والأنفس ، الأمر الذي جعل من إسقاط الشعب الثائر لهذا النظام بكل أشكاله ورموزه هدفا وغاية لا يمكن التراجع عنها بحال مهما كان الثمن وطال الأمد ، إضافة إلى تحوّل الثورة من الانتفاضة على الفساد والمفسدين في بدايتها إلى حركة تحرّر وطنية واستقلال بكل ما يحمله المصطلح من معنى ، ويدل على هذا الصمود الاسطوري واستبسال الشعب في ثورته .
أما الطرف الثاني وهو النظام الذي لم يفتئ يتهم المعارضة بانتهاك سيادة الوطن والتعامل مع الامبريالية الامريكية فلقد جعلته ثورة الشعب العظيمة يلقي بنفسه بكل وقاحة وصفاقة في أحضان الأجنبي ويستقوي به على قتل شعبه بعد أن فقد زمام السيطرة على البلاد، فأصبح لا يتصرّف إلا بمشورة القوى الداعمة له وبمساندتها ، ولم يعد يستطيع حكم شعبه لساعة واحدة إلا بالطريقة الدموية البربرية التي يحكم بها المحتلّ عادة من قتل واعتقال ونشر الجيش وآلياته وقصف المدن بالطيران والأسلحة الثقيلة ، وهذا ما يفسّر عدم استطاعته سحب آلياته وجيشه من المدن .