لقب باشا
لقب باشا..!
صالح خريسات
لا يجرؤ المرء على الدخول في تفاصيل الطريقة، التي تتم فيها الإنعام بهذه الألقاب على أشخاص لا نراهم أكثر من عاديين. فيحظون بهذه الألقاب، ويستغلونها في الوسطين الاجتماعي والرسمي، ويتمتعون بمكاسبها طول العمر، وينتقل اللقب في أعقابهم، الذين يحرصون على إضافته في سجلات الأحوال المدنية، بطريقة غير معهودة. فما حاجتنا إلى مثل هذه الأمراض النفسية؟!
وإذا كنا لا نحتج على هذا الألقاب، لأنها لا تخدع غير المغفلين، فإن مما يدهش حقا، أن أيا من هؤلاء، إلا من رحم ربي، له رأيه الخاص، أو فكره الذي ننسبه إليه، إنما هم حصلوا على هذا اللقب، وغيره من الألقاب المتداولة، بحكم عامل الصدفة، والمدة الزمنية التي قضاها في موقعه. وليس عامل الفكرة، أو ما ينسب إليه من أعمال جليلة.فهو باشا عندنا، ومظهره يخدع الآخرين.
إننا إذا تركنا للباشا فرصة الحديث في أمور العامة، وقضايا الفكر، والسياسة، فلسوف نكتشف العجب، ونكتشف أن الباشا أصغر بكثير من حجم اللقب الذي أكسبه كل هذه الهيبة والاحترام.
والملاحظ الآن، أن كل هؤلاء الباشاوات، وغيرهم من أصحاب الألقاب الكبيرة، إذا تقرر تسريحهم، أو تقاعدهم، ينقلبون مئة وثمانين درجة، ويسارعون إلى تجهيز الدشاديش الحجازية، ويبدءون مباشرة بالتفكير في مشروع رئاسة البلدية، وخوض الانتخابات البرلمانية، لإقناع ذويهم بأنهم ما زالوا مهمين، وأن الدولة لا تستغني عنهم أبدا.ولكنهم سرعان ما يتراجعون، ويؤثرون الجلوس على أبواب المحلات التجارية، ينتظرون آذان الصلاة لقضاء بعض الوقت في المسجد، ثم يعودون إلى نسائهم وكأنهم كانوا في عمل مضن وشاق، فيعربدون ويسخطون، وتسمع منهم ..لو كنت أنا المسؤول!..
ويتابع الباشاوات إعلانات الوفيات في الصحف لأداء الواجب،ويحرصون على ارتداء الملابس الرسمية، واصطحاب بعض الرجال الكبار في السن، أو من هم على كراسي الوظيفة، ليضفي عليهم بعض الهيبة والوقار. وقد يتجرأ بعضهم على التفكير بإقامة وليمة، يحضرها رؤساء المجالس البلدية والنواب، من أجل إرضاء فضوله، وإقناع أهله بأهميته في المجتمع . وقد وجدنا منهم من يجروء على الحديث، أو الكتابة في الصحف، عن تجربته في الحرب، ثم نعلم أنه أمضى جل خدمته العسكرية، مسؤولا عن المستودعات والبطانيات..
وشيئا فشيئا يتحول الباشاوات إلى رجال دين،ويطلقون لحاهم، ويدخلون في حوارات عقيمة مع أشخاص غير محسوبين. لكننا في كل الأحوال ، لا نجد منهم من يتمتع بفكر حر، أو رأي مستقل، فهم ينتظرون الحكومة أن تفكر نيابة عنهم، فيصفقون لكل قرار دون بحث أو تعليل..!وقد يدعي بعضهم ، أن الحكومة استمزجته..!
إننا في حاجة إلى نموذج، إلى مثال ،إلى قدوة ..إن كثيرا منا يفتنه النموذج الآخر،لأننا لم نر مثله في بلادنا، ولكننا رأينا أنواع الإخفاق التي تقودنا إلى التساؤل: لماذا يحصل الباشاوات في بلادنا على مكاسب وألقابا لا يستحقونها؟