منعطف مسار الثورة في سورية نحو التغيير الجذري الشامل
منعطف مسار الثورة في سورية
نحو التغيير الجذري الشامل
كيف يتحقق شعار الثورة لكل السوريين على أرض الواقع
نبيل شبيب
تبدّلت المعطيات محليا وعربيا ودوليا حول مسار الثورة السورية، وبدأت تُطرح أفكار عديدة على مستوى الثوار للتعامل مع هذه المعطيات، ولا ينبغي أن يغيب عن الأذهان أن بقايا النظام القمعي في سورية، تعمل لتبديل أساليب عملها للتلاؤم مع تلك المعطيات أيضا.
في مسار الثورة أمر جوهري ثابت لا ينبغي أن يحيد عنه أحد طرفة عين، وهي أنها ثورة تغيير جذري شامل، فلا يمكن القبول بأي هدف دون هدف اقتلاع الاستبداد بجذوره وفروعه وسائر تجلّياته، لبناء دولة المستقبل وفق إرادة الشعب المتحررة تحرّرا ناجزا لا مساومة عليه.
ولدى بقايا النظام الاستبدادي أمر ثابت سيتشبث به حتى آخر رمق، وهو عدم التراجع في أي موقف أو سلوك يمكن أن يمثل خطوة أخرى على طريق سقوط العصابات وإفلات زمام التسلّط على الدولة والوطن والشعب، فهي تدرك أن التراجع يعني النهاية.
جناح سياسي للثورة
في مسار الثورة نقص كان تأثيره مزدوجا، فعدم وجود جناح سياسي ثوري فاعل ومؤثر على صناعة القرار أعطى الفرصة للعبث الأجنبي فترة طويلة بحقيقة هدفها الجوهري الثابت، وبالتالي لممارسة سياسات توصف بحق بأنها "سياسات إعطاء المهل المتوالية" لعصابات القمع المسلّح، بقصد أو دون قصد -سيّان.. فالمهم هو الحصيلة- كما جعل المعارضة السياسية التقليدية تبحث -بغض النظر عن النوايا أيضا- عن موقع "لنفسها" في مسار الثورة، الشعبية بامتياز، فغلب التشرذم وتسلّلت الانتهازية إلى صفوفها، ولا تزال حتى الآن أمام مفترق طرق بين معايير "المعارضة التقليدية" ومعايير "الثورة التغييرية".. وكانت الحصيلة أن القوى العربية والدولية التي لا تستطيع أو لا تريد الاستغناء عن التعامل مع "كيانات سياسية" وليس "ثورية" وجدت ما يكفي من الأسباب ومن الذرائع للتقصير في أداء "المفروض والواجب" عليها تجاه الثورة الشعبية، أو للانحراف عن ذلك في اتجاهات شتّى.
وفي مسيرة القمع الإجرامي من جانب عصابات النظام المسلّحة نقص خطير لا تستطيع التخلص منه، فوجودها من قبل وبقاؤها الموهوم رهن بألاّ تطرح "مخرجا سياسيا" تجاه ثورة تستهدف التغيير الجذري الشامل، وهذا ما جعلها تعتمد على ثلاثة مرتكزات: قوة الأسلحة الثقيلة الإجرامية، التحالفات الإقليمية والدولية الإجرامية، والكذب المتواصل سياسيا وإعلاميا. وكانت الحصيلة إعطاء مزيد من طاقة الدفع للثورة جغرافيا ونوعيا، وعزلة إقليمية ودولية متصاعدة وإفلاسا سياسيا وإعلاميا مطلقا.
لقد وصل مسار الثورة بذلك في هذه الأيام بالذات إلى منعطف حاسم، يمكن للثورة أن تبني عليه بالجمع بين أمرين: أولهما تصعيد الثورة بمختلف وسائلها، سلما وبالقوة المشروعة، في مواجهة القوة الاستبدادية القمعية غير المشروعة، والأمر الثاني نشأة جناح سياسي ثوري معبّر عن الثورة يفرض نفسه على كافة القوى الأخرى، من خلال طرحه القوي المشروع لأهداف الثورة المعبرة عن إرادة الشعب، على صعيد المنطقة إقليميا، وعلى المستوى الدولي، وتجاه المعارضة التقليدية التي يرتبط مستقبلها بمدى ارتباطها بالثورة.ز وليس العكس.
من شروط النصر
بين أيدينا من الوقائع في هذه المرحلة أو هذا المنعطف الحاسم:
1- متابعة جناح المظاهرات والاحتجاجات الشعبية السلمية
2- تطوير مسيرة الجناح المسلّح باسم الجيش الحر
3- طرح إعادة هيكلة المجلس الوطني السوري
4- الطرح السياسي الخارجي بين "مهمة عنان" و"مؤتمرات أصدقاء الشعب السوري"
ومن هذه الوقائع تنطلق الدعوة التالية:
1- إن الثوار الذين استطاعوا في مواجهة أصعب مراحل مسار الثورة الحفاظ على نبضها الثوري المتصاعد في مختلف المدن والأرياف، فتمكن الصمود البطولي من الثبات في مواجهة قمع العصابات المتسلّطة الهمجي، هم قادرون بعون الله، على أن ينتقلوا بمسيرة الثورة داخل الوطن، إلى أقصى درجة ممكنة من الانتشار جغرافيا وعددا، والتصعيد الجماهيري نوعيا، لتتحوّل مواقع الاحتجاجات ممّا ناهز 700 في جمعة "ثورة لكل السوريين" إلى عشرة أضعافها قريبا، وبما يشمل مزيدا من فئات الشعب السوري بجميع مكوّناته، مع العمل على ابتكار مزيد من "أشكال الاحتجاج الثوروي" الأكثر تلاؤما مع الظروف الخاصّة بتلك الفئات، وهي متنوّعة لا يمكن أن يسري عليها جميعا اتباع طريقة التظاهر الجماهيري فقط.
2- أمام المجموعات والتنظيمات المعارضة في المجلس الوطني السوري والمتواصلة معها في الوقت الحاضر، فرصة قد لا تتكرّر، تحمل عنوان إعادة "هيكلة" المجلس، والمفروض أن تضاف إليها إعادة "نموضع" المجلس على خارطة الثورة ومسارها، بحيث تشترك الأطراف الثلاثة "الثوار" و"الجيش الحر" و"المعارضة التقليدية" في صناعة القرار.. الآن، على طريق إعادة الهيكلة تنظيميا، وتثبيت الرؤى السياسية، الحالية والمستقبلية، وتحديد الوسائل والأطر الضرورية لمتابعة المسار حتى تحقيق هدف التغيير الجذري الشامل.
3- إنّ التعامل مع القوى العربية والإقليمية والدولية، في إطار مجلس الأمن ومهمة عنان، وفي إطار "أصدقاء شعب سورية" وأطروحاتهم المتفرّقة المتعددة، لن يكون تعاملا مجديا للثورة ومسارها، إلا بقدر ما يتحقق من توحيد الموقف السياسي والوسائل الثوروية "الآن" بين الأطراف الثلاثة المذكورة، ولن يتحقق ذلك إلا:
- بالتخلّص من كل أثر صادر عن أنانيات ذاتية شخصية وتنظيمية وانتمائية
- بتأجيل المقتضيات المشروعة للتعددية الانتمائية إلى ما بعد قيام دولة المستقبل
- بتثبيت معايير الثورة التغييرية أساسا لكل خطوة للتلاقي على أرضية مشتركة
. . .
هذا ما يقتضيه الوفاء لدماء الشهداء والضحايا ومعاناتهم، وهذا ما يقتضيه الإخلاص للوطن والشعب، وهذا ما تقتضيه حتى "المصلحة الذاتية المشروعة" لكل فريق دون استثناء.. وهذا ما يمكن للتقصير فيه، أو المماطلة في تحقيقه، أن يؤدّي إلى إطالة أمد الثورة مع المعاناة، ولا يكفي للقبول به -أو تسويغه- يقين المخلصين بأنّه يؤدّي في الوقت نفسه إلى مزيد من التمحيص. آنذاك يتحول شعار "الثورة لكل السوريين" إلى واقع نعيشه في مسار الثورة وفيما تؤدّي إليه من نصر مؤزر بإذن الله.