نتكلم عن تجربة إسلامية تغييرية قادمة في الحكم

نتكلم عن تجربة

إسلامية تغييرية قادمة في الحكم

محمد السيد

[email protected]

سؤالان مشروعان (1)

قال تعالى: ((تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين)) القصص: 83

1_ سؤال أول: قادت مخاضات ولادة الربيع العربي إلى انتخابات حرة، تَفَوّق فيها الحراك الإسلامي على رغائب كثيرين بسقوطه، وهم من اتجاهات ومشارب متنوعة. لقد حالف التوفيق الوافر هذا الحراك، متجلياً هذا التوفيق بالقبول الجماهيري له، ولا أدل على ذلك من عدّ الأصوات في صناديق الديمقراطية في كل من المغرب، وتونس، ومصر، ومن توجه الحكم في ليبيا إسلامياً، وكذلك فإن التوقعات عالية بالقبول الكبير لهذا الحراك شعبياً في سورية، واليمن وباقي الدول العربية والإسلامية، وذلك كله رغم تشاؤم المتخلفين عن الركب، المتطيرين من نجاح الاتجاه الإسلامي. ورغم تخوف المتعجلين للقطاف، الذين يضعون أيديهم على قلوبهم خشية من خسارة الإسلاميين، وقد سُرِّي عن قلوبهم بعد سماعهم أخبار صيرورة التاريخ حين قلبت النتائج المعادلة السياسية والمجتمعية، وذلك بإعطاء الجمهور الثقة الواضحة للحراك الإسلامي، وها نحن اليوم أمام وقفة فارقة تحسب الزمان بدقات قلب الحركة الإسلامية. فهل من مصلحة هذا الحراك وما يحمله من مبادئ منتمية إلى دين الأمة أن يتقدم إما منفرداً أو بشراكة ليكون في سُدّة القرار، والتصدي لقيادة المرحلة القادمة، مع ما خلفه الحكام السابقون على قيام الثورات من بوار وخراب في المجالات السياسية والاقتصادية والأخلاقية وتبعية كاملة (لأجندات) الغرب في شتى مجالات الحياة، وقد عاثوا من خلال ذلك كله في الأرض فساداً وإفساداً وإقصاء للشعوب وقمعاً مرّاً لها، وإفقاراً ِشديداً وتعميماً للبطالة القاهرة بين مختلف مفردات المجتمع، واستبداداً غير مسبوق في عصرنا، واستئثاراً جنونياً بالثروة إلى درجة توريث الأوطان وهي يباب مفلسة وخزانات فارغة، فُتحت محتوياتها لأبواب الحسابات الخاصة في المؤسسات المالية العالمية والإقليمية؛ لتأكل ثروة الشعوب وموجوداتها وتهضمها. أما هذه الشعوب فقد تُركت تستجدي الرغيف، وتلهث خلف عمل بالكاد يكسب الفرد منه قوته وقوت عياله اليومي، هذا فضلاً عن عملية تخويف الناس والعالم من الإسلاميين بشتى التهم والشتائم والأمثلة المزيفة. وإذن فعلى ضوء كل ذلك الخراب الذي ذكرناه آنفاً وأكثر منه مما لم نذكر، نعيد السؤال: هل يُقْدِمُ الإسلاميون على تولي زمام المرحلة المقبلة منفردين كانوا أم مشاركين لغيرهم؟ وما وجه المصلحة في ذلك الإقدام؟ 

2_ وسؤال ثان: كيف نحكم على تجربة أنها ناجحة أم مخفقة؟

إن التجربة التي يمكن الحكم عليها بالإخفاق أو النجاح، هي التجربة التي تطرح في الساحة عند توليها لزمام أمور الشعوب برامج ورؤى متكاملة تمثل منطلقاتها ومبادئ حامليها وأهدافهم، ومن هنا نستطيع الجزم بأن معترضة تقول: إن الإسلاميين قدموا ما عندهم، وقد رأينا ما عندهم؛ في السودان وفي أفغانستان، وفي إيران، وفي العراق، وهو كافٍ للحكم على قادم تجاربهم بالإخفاق..! إننا نجزم بأن هذه المقولة العوجاء لا تمت إلى الحق والحقيقة بصلة؛ لأن مدخلاتها ومخرجاتها مغرضة؛ فهم يعلمون أن الأمثلة التي ساقوها ليؤيدوا بها مقولتهم غير محكمة؛ إذ لم تقدم أية حركة في تلك البلاد التي ورد ذكرها برامج ومناهج إسلامية كاملة برؤية عصرية وافية بطموحات شعوب تلك البلدان، فقد حال الهجوم على كل تلك الحراكات في مواقعها دون التفرغ لوضع البرامج والمناهج وعمليات الميدان، فهي (حركات الإسلام) إما اكتفت بطرح بعض الشكليات والمقولات الإسلامية النظرية دون تأثير واضح في الميدان، وإما أن بعضها تقوقع داخل عصبيات مذهبية قاتلة، بعيدة عن روح العصر ومتطلباته السياسية والتنظيمية والإدارية والاقتصادية. ودون تسمية أو تحديد نستطيع القول: إن التجارب التي ذكرت ليست مؤهلة ليحكم من خلالها على التجارب الإسلامية، سواء كانت تلك التجارب من الماضي أم أنها قادمة؛ لأن الأصل في الحكم على أي تجربة _ كما قلنا آنفاً_ هو التزام تلك التجربة بطرح رؤية متكاملة، وبرامج للتنفيذ تراعي مبادئ إسلامها وأصوله، وتراعي العصر وفصوله،وتراعي الشعوب وطموحاتها، وتراعي المكان وحراكه، وتراعي الإمكانيات وخطوها، بانية كل ذلك على حكم رشيد، تسوده العدالة والشورى الحقة والشراكة المجتمعية والسياسية والوطنية، ومتميزاً بالتعددية وانتقال السلطة بسلاسة واختيار حر، وباستلهام توجيه رب العالمين: ((تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين)) والعلو هنا يعني: الكبر والاستعلاء على الناس، والاعتداء على مصالحهم وإيمانهم، والاستكبار والاستئثار والإقصاء والهيمنة، وكل ذلك من معانيه، وهو ما يبعد صاحبها أو أصحابها عن العدل والمشاركة والمواطنة والشورى والحرية في الرأي والاختيار. وكذلك مستلهماً أمر الله جل وعلا في الآية الكريمة: ((الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور)) الحج:41 ، ومتبعاً منهاجه المراعي للزمان والمكان والظروف ولحال الناس وأوضاعهم المادية والأخلاقية وطموحاتهم المشروعة، بما يصلح الحال عامته وخاصته، ومنضداً كل ذلك فوق قول ربنا جل وعلا: ((كنتم خير أمة أخرجت للناس)) آل عمران: 110 بماذا يا ترى: ((تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)) آل عمران:110. وكذلك معولاً على آية ربه الكريمة الأخرى: ((يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)) الحجرات: 13وكلها آيات تجعل شرف الأمة ونجاح من يتولى زمام أمرها ليس نابعاً من عرق أو لون أو أصل، وإنما هو نابع من الإيمان بالله أولاً، ثم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم من القناعة بأن الناس سواسية خلقوا من أب وأم، فهم مشتركون بالإنسانية، وهو ما يعادل في عصرنا الحرية والتعددية والاختيار الحر والإنسان البصير حر الرأي ونافذ المشورة.

وخلاصة القول: إننا اليوم أمام تغيير كبير، نلمح من خلال بروقه إشراقات آية الله القرآنية القائلة: ((إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)) الرعد: 11، وإن أية تجربة سابقة على عهد الثورات الشعبية الحالية ليست صالحة لنحكم من خلالها على إخفاق الحراك الإسلامي أو نجاحه؛ فالتجارب الإسلامية الآتية: إن هي وفقت في طرح رؤيتها من خلال المبادئ الإسلامية والبرمجة العصرية المناسبة والنزول إلى الميدان بالحكم الرشيد المرن المستنير، عندئذٍ نقول: إن هذه تجربة إسلامية يمكن الحكم من خلالها على حراك الإسلاميين. هذا والله أعلم. 

خداع بنكهات (2)

قال تعالى: ((أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون)) البقرة: 44

   ها هي شعوبنا تنفض عن كواهلها غبار الظلم والاستبداد، وتهز عروش الخداع والغدر والإقصاء بكل أشكالها السياسية والثقافية والاقتصادية، فما أبدع وأنصع ذلك الحراك الذي امتدت أذرعه لتزيل أستار الخفايا عن غرف كانت مغلقة على الناس، وفي العلن تروج لتلك الخفايا ألسنة وأقلام وقامات مخترعة تحت عباءة الليبرالية والعلمانية، وهي الآن تحاول الدخول على الثورات بادعاء خادع، تزينه بلافتة الشعوب الثائرة، وبتأليف أغنية "الدولة المدنية" ورفض "الدولة الدينية"، أو ذات المرجعية الإسلامية، وهي تقدم في سبيل ترويج ذلك الادعاء عناوين مشاركة الشعب والحرص على حقوقه، وإخفاء رماد مشاركاتهم للطغاة طغيانهم، وذلك بترويج أفكارهم وإخفاء نهبهم وسلبهم، وبتزويق دعايات زائفة لإبعاد الدين عن كل شيء، بادعائهم أن ذلك من أجل الديمقراطية والحرية وحق الجميع.

   ونحن بدورنا نرد عليهم بقول ربنا جل في علاه:((أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم))، إذ كيف تكون تلك الديمقراطية التي تريدون وتأمرون بها وتأتمرون لها، وقد أزعجكم وأقض مضاجعكم فوز الحراك الإسلامي، عندما أتيحت له الحرية في المشاركة من أوسع أبواب تلك الحرية، ثم ذهبتم يدفعكم الحسد والحقد لتقولوا وتفعلوا ما لم يأت به إلا الحانقون المتلونون، الذين يلوكون الكلمات الممجوجة الفجة بحق الفائزين، وبحق مستقبل البلاد والعباد إذا تولى الإسلاميون أمور الناس. إنه الخداع بالنكهات "الليبرالية"! و"العلمانية" ذوات الأوراق الصفراء، التي أمضت الوقت قبل الثورات تقبع في جيوب الطغاة، وبين شفاههم، ثم لتأتي الآن وقد أمضها ما جرى على يدي الشعوب من غيرة ونهضة وانقضاض على مواطن العفن وبؤر الفساد. فعجباً عجباً ورثاء رثاء لحال هؤلاء، الذين يقفون اليوم محاولين خداع الناس بتفوهات غادرها الزمن؛ لأنها تسكن الآن في ماض ودع الدنيا غير مأسوف عليه، فهو يتقلب طي الهوان والانقراض، وقد صدق قول الله جل وعلا فيكم حين بين مواقفكم الخادعة بقوله البليغ: ((يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون)) البقرة: 9 حيث تجاهلتم المصائر التاريخية لمن فارق قولة الحق وفعل الخير، مصطفين ضد الغير، حسداً من عند أنفسهم، وقد قال فيهم رب العزة: ((ألم نهلك الأولين* ثم نتبعهم الآخرين* كذلك نفعل بالمجرمين)) المرسلات: 16_18

   وكان أحرى بهؤلاء أن يتخفوا ويصمتوا، فقد ضيعوا الفرص سابقاً عندما فتحت لهم أبواب الكلمة ومغاليق الفعل، ففضلوا السلامة والتنعم بفتات الظالمين على الوقوف مع شعوبهم وحقوقها، وقد عجب الشاعر المجيد من أمثال قول هؤلاء وفعلهم فقال:

ما قيمة الكلمات إن هي حوصرت             خلل السطور ولم تصافـح مأربا

عجباً لمن حمـل اليراع وادعـى                أدباً ولم يرد النضـال مخضـبا

حق على القلم النقي إذا اشتكت               دنياه جوراً أن يثور ويغضـبا

   وإني أقصد بكلامي هذا من يتصدون لنجاح الحراك الإسلامي في العديد من بلدان الأمة اليوم، فقدكان الأحرى بهم أن يغطوا عيوبهم وهزيمتهم بقول الحق أو أن يصمتوا، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) متفق عليه. كما كان الأولى لهم أن يتأدبوا بثقافة الإسلام المنزل على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله، أي المسلمين أفضل؟ قال : (من سلم المسلمون من لسانه ويده) متفق عليه.

   ولو أنهم اعتبروا واتعظوا بتراث هذه الأمة العظيم،المأخوذ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم جواباً لعقبة بن عامر رضي الله عنه عندما سأله بقوله: يا رسول الله، ما النجاة؟ قال: (أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك) رواه الترمذي وقال: حديث حسن. وذلك توجيهاً لمن لم يستطع الإصلاح، وفرت منه الإمكانيات للقيام بتعديل الفساد القائم، واستعصت عليه نفسه في السير بما يرضي الله، أقول: لو انهم اعتبروا بذلك، لنجوا من الوضع الذي وصلوا إليه، حيث خانوا المجتمعات وخذلوا الناس، ووضعوا أنفسهم بين فكي الضلال والخسران.

   لقد آن الأوان أن يفهم هؤلاء أن الشعوب أدارت لهم ظهرها، وقد جربتهم وجربت مناهجهم ومناهج أسيادهم على مدى عقود، وليرضوا بوسائل الديمقراطية ونتائج آلياتها، تلك الديمقراطية التي أزعجوا قلوب الناس وعقولهم بالدعاء والدعاية لها، فهل يفعل أولئك ذلك، فيتركوا الساحة لتجربة الإسلاميين وشركائهم من الوطنيين والقوميين، فلعلها تكون أِشد عزماً للالتحام بالشعوب وتطلعاتها؟

تطمينات.. ولكن ممن؟! (3)

قال تعالى: (( وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى)) الأنعام: 152

1_ مقدمة

أعتقد أن معظم الليبراليين والعلمانيين لا يعرفون الكثير عن الإسلام الذي تنتمي إليه الغالبية العظمى من الأمة، مع أنهم محسوبون على هذه الأغلبية، إلا أنهم غائبون أو مغيبون عن المعرفة الحقة وعن الفهم السديد لمن يسمونهم _غمزاً ولمزاً_ (الإسلاميين)! أو أهل (الإسلام السياسي)! ومن المؤكد أنهم قد فصلهم عن تلك المعرفة ظنهم الفاسد: أن الناس تبهرهم بعض الأفكار التي يستوردونها و (يرطنون) بها أمام الجماهير، مستكبرين، ومتعالين بها على الشارع العربي والإسلامي، وما دروا أن أفكاراً (يرطنون) بها هي السبب في ابتعاد الناس عنهم وإدارة الظهر لهم، وقد قيل في الأمثال إن الإنسان عدو لما يجهله. وقد انطبق هذا المثل عليهم؛ فهم لم يفهموا مغزى قولة الفرنسي من أصل لبناني "أنطوان صفير" في مجلة "لوبوان" الفرنسية: (إن مخاوف الفرنسيين يعني "الليبراليين والعلمانيين" مبنية على مزيج رهيب من الأفكار... وهو ما يعني أن هؤلاء لا يعرفون الثقافة العربية ولا الثقافة الفرنسية. إن هناك قطيعة حقيقية في نقل المعرفة؛ لذا فنحن مجبرون حتى يفهم بعضنا البعض الآخر على أن نتعلم كيف يعرف بعضنا البعض الآخر) (1)

2_ تطمينات.. ولكن ممن؟!

بناء على ما قدمناه من جهل الليبراليين بالمعادلة الشعبية العربية الإسلامية، نقول: لقد ذهب هؤلاء مذاهب شتى في موضوع نجاح الحركة الإسلامية في الانتخابات الحالية في عدد من دول أمتنا، وراحوا يثيرون المخاوف والهواجس، من توصل الحركة الإسلامية في كل من مصر وتونس والمغرب وليبيا إلى نيل أكثر الأصوات، وقدرتهم بذلك على تشكيل الحكومات، وإدارة البلاد بالشراكة مع غيرهم. وذلك لما تأكدوا أن لا خيار أمامهم سوى خيار واحد يتمثل بأن الإسلاميين سوف يكونون في مقدمة إدارة البلاد للمرحلة المقبلة، يشاركهم فيها من فهم المعادلة من المعتدلين الذين يعيشون الواقع، وتهمهم مصلحة الأوطان، قبل الأنانيات الحزبية الضيقة، والمماحكات الفكرية غير المتوازنة. وارجع في ذلك إلى ما قاله عمرو الشوبكي الليبرالي المتوجس خيفة من تولي الإسلاميين كتابة دستور مصر بأنفسهم، وعدّ ذلك أمراً خطيراً إن حدث، وذلك في ثنايا كلمة ألقاها على عشرات من الليبراليين الذين اجتمعوا ليستمعوا له فوق 

1_ صحفي وأستاذ جامعي في العلاقات الدولية في السوربون، ورئيس تحرير "كراسات الشرق" .

سطح إحدى البنايات في المهندسين (حي الأثرياء) في القاهرة، وقد عبأها (كلمته) بالسباب والشتائم للسلفيين، ولا بد أن الإخوان المسلمين نالهم من ذلك رذاذ غير سوي التفكير والتقدير؛ إذ إن واحدة من الحضور "دينا الجندي" المحامية أبدت شكوكاً في استطاعتها بناءً على ذلك الخطاب الذي ألقاه الشوبكي إقناع الناس بانتخابه، وقالت: لقد سألني البسطاء بقولهم: وما الخطأ في الإخوان المسلمين، فهم لن يسمحوا بالتعري في الشوارع، وهنا ماذا أقول لهؤلاء؟ فأنا لا أستطيع مخالفتهم حول ذلك؟!(1)

وعندما غُلب الليبراليون والعلمانيون أمام صناديق الانتخاب، وخاب خطابهم النخبوي بإقناع الناس أنهم يمكن أن يكونوا خُداماً للوطن وللإصلاح ولمصلحة الشعب، لم يجدوا غير الطلب من الإسلاميين أن يقدموا تطمينات للناس، _وهم يعنون بالناس أنفسهم في الحقيقة_ ونحن في هذه النقطة نواجههم بقول الله جل وعلا: ((وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى)) وبقوله جل شأنه: ((تالله لتسألن عما كنتم تفترون)) النحل: 56 . ثم بقوله سبحانه وتعالى الذي يأتي تذكيراً وتحذيراً لهؤلاء وأمثالهم من أن كل ما يقولونه ويفعلونه مسجل عليهم وسوف يحاسبون عليه: ((ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)) ق: 18 . وهذه الآيات المواجهة لهؤلاء هي الأساس، ثم إن عندنا أسئلة، سوف تلقي أجوبتها أضواء كاشفة لما يستبطنه الليبراليون والعلمانيون من أبعاد ومرامٍ يدفعهم إليها أفكار ليست إلا فتاتاً لملموه من بقايا موائد الغرب أو الشرق بعد أن تضرر هؤلاء بفساد تطبيقها على مجتمعاتهم، وها هم في الفترات الأخيرة بدأوا يئنون من نتائجها ومآلات سيرورتها. وتلك الأسئلة التي ستفيدنا في إلقاء الضوء الكاشف لاستبطانات مطلب الليبراليين المبني على الظن، يحدونا في طرحها ويجب أن يحدوا الجميع توجيه رسولنا الكريم الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم القائل: ((إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً كما أمركم، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى ها هنا التقوى ها هنا)) وأشار بيده إلى صدره. حديث رواه مسلم بروايات متشابهة، وروى البخاري أكثر رواياته.  

وفيما يلي الأسئلة التي سوف نطرحها وهي:

1_ من الذي يجب أن يقدم التطمينات؟ أهم الإسلاميون، أم الليبراليون العلمانيون؟

2_ ما الذي يدفع الليبراليين والعلمانيين إلى الوقوف بهذه السلبية تجاه الحراك الإسلامي، وتجاه ما يمكن أن يتخذوه من إصلاح معتمد على الرجعية الإسلامية؟

3_ ما نوع الديمقراطية التي يطرحها هؤلاء؟  

1_ هذا جزء من مقال نشرته جريدة الغد الأردنية يوم الاثنين 19/ 12/20111 نقلاً عن مقال للكاتبة الأمريكية " سارة توبول " نشرته النيويورك تايمز .

قدوم خير ويمن  (4)

قال تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون)) الأنفال: 24

تلوح لنا مواكب الإسلام بالفلاح، نمد أبصارنا إلى عهود كنا فيها قدوة العالم، راجين أن نعود لتصهل خيولنا المطهمة في أرجاء العالم، لنهدي إليه الأمن والأمان والسلام فوق مائدة القرآن، حيث تطأ بأنوارها وتشكيلة طعومها هواجس ومخاوف وقلق المتخوفين، فهي (مائدة القرآن) ليست إلا دعوة للحياة، فالاستجابة لها وزيارة شواطئها، والقطف من ثمارها وشذى زهرها هو خير ويمن وبركة، وإن هو إلا الحياة الطيبة والملاذ الآمن للإنسان أينما كان في الدنيا والآخرة، وذلك ما قال فيه جل وعلا: ((يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون)) .

ولكن هناك أناساً جهالاً يصرون على أنهم علماء أو عالمون بما يصلح الناس، فيقودون من يصدقهم إلى الخسران وإلى الضلال، فهؤلاء ممن أُفسح لهم مكان واسع في وسائل الإعلام، وظنهم الناس _من كثرة ما تتردد أسماؤهم في الوسائل_ فاهمين عالمين، حتى إذا جرى البعض خلف ما يطرحون، ووجدوا العجب العجاب، مما يخالف شخصية الأمة وهويتها، ويخالف الوقائع الحقيقية المشهودة في ساحات المجتمع، علموا أن هؤلاء ليسوا بعلماء ولا بفاهمين، إنما هم مهرجون، دفعهم إلى ما هم عليه من كيد للإسلام والمسلمين، إما الجهل المطبق بالمواضيع التي يطرقونها، وإما أنهم يقولون ما يقولون مقابل ما يحصلون عليه من قبول ورفع مقامات عند الغربيين، وعند وكلائهم الكبار في الأمة، وحالهم هذا ينطبق عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي رواه البخاري ومسلم: ( إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) .

وفي الساحة حراكيون إسلاميون، يمارسون حراكهم طالبين الخير والصلاح والإصلاح للأمة بكل وسيلة سلمية مشروعة، لكن بعض المصرّين على أنهم عالمون علمانيون ليبراليون، يفتئتون عليهم فيطالبونهم بتقديم ضمانات يتعهدون بها أنهم لن ينقلبوا على الديمقراطية إذا حكموا، ولا يحولونها إلهية (ثيوقراطية) استبدادية جديدة، بدل أن تؤدي الثورات في الربيع العربي إلى حرية الأمة وكرامتها، والتزام شخصيتها وهويتها وكلمة تقولها نابعة من هويتها.

فهل هذه مخاوف مشروعة؟ وهل كان أكثر الناس لينتخبوا ذوي الاتجاه الحركي الإسلامي (في المغرب وفي تونس وفي مصر، والغالب أنهم سينالون القبول في أغلب بلدان العرب والمسلمين) لأنهم يخشونهم؟ أم لأنهم يثقون بهم وبمشاريعهم ومرجعيتهم ..؟

إن قدوم الإسلاميين قدوم خير ويمن وبركة إن شاء الله، فهم الذين كانوا دائماً يقفون في:

1_ صف الناس معاناة وعوناً ومعيناً، يفرجون الكربة عنهم، ويتحملون العنت في سبيل الوصول إلى خيرهم وبرهم وتسديد أمرهم داخل مرجعية دينهم العظيم ورؤيته.

2_ وفي مقدمة المتحملين لأذى النافذين، _سواء كانوا من بعض الحكام أم كانوا من جهال الأمة الذين تسلطوا على سطوح الإعلام وقالوا عن أنفسهم أنهم مثقفون ليبراليون علمانيون_، ناطقين بفهم عالٍ لدينهم وقرآنهم وحديث رسولهم وفقه فقهائهم الأفذاذ، ولم يدّعوا يوماً أن فهمهم هو الأول والآخر، بل صرحوا دائماً أنهم على قدم قول الشافعي رضي الله عنه: ( رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، وعلى قدم من قال قولته الفذة، نجتمع على ما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه).

3_ وكانوا على رأس المتكلمين باسم الإسلام وأحكامه، غير آبهين بمن طلب منهم أن يعلنوا بوضوح أنهم لا يمثلون الإسلام فيما يقولون وما يفعلون؛ لأنه طلب تعسفي للإحراج مشبوه الصيغة والمرامي؛ إذ إن الإسلاميين لم يقولوا يوماً إن فهمهم هو الحق الإلهي الذي لا يخطئ، بل قالوا دائماً: إن ما يقولون وما يفعلون هو فهم بشري للنص الرباني، يراعي أوضاع الناس وظروفهم وأفهامهم وعصرهم، وأنهم مع دولة مدنية مرجعيتها إسلامية؛ فالدولة في الإسلام مدنية فذة مذ كانت.       

لقد اشتط المتفيهقون من العلمانيين والليبراليين، فقرروا مسبقاً أن الإسلاميين سوف يتراجعون عن حقوق الإنسان، وسوف ينقضون عهدهم برعايةالحريات وبناء الديمقراطية المستمرة، وأنهم سيلغون العقل ليلتجئوا إلى الفتاوى المكثفة في كل كبيرة وصغيرةن وأنهم سوف ينقضون عهدهم بالدولة المدنية، ويلغون حقوق المرأة في صورتها العالمية..!! أرأيت صورتها العالمية التي بدأ الغرب نفسه يضج منها ومن عفنها.

4_ إن من الحقائق الثابتة التي لا مجال لنقضها، حقيقة أن أي فكرة أو ( أيديولوجية ) لا بد لها إن أرادت أن تحيا من وجود من يحملها ويتكلم باسمها، ويجتهد في دعوة الناس إليها، وإلا كيف أكون حاملاً للإسلام ولا يحق لي أن أكون ناطقاً باسمه أو ممثلاً له من بين العديدين الذين يمثلونه؟!

فهل نتذكر في هذا المجال فعل الخوارج مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في موضوع التحكيم وقولهم  (لا يُحكّم الرجال بكتاب الله)؟ وإذن من يفسر كتاب الله ويشرحه وينشره؟ أليسوا هم الذين يحملونه ويقدمون حياتهم في سبيل رفعة مجده، ويتحملون الأهوال للوصول إليه، قولوا لنا،أجيبونا أيها المتعالمون المتفيهقون؟! ولتعلموا أن الناس لا يتخوفون من الإسلاميين، بل هم ينبذونكم؛ لأنكم لستم مع هوية الأمة واستقلالية شخصيتها.