الأهم في قضايا الفساد والإصلاح
الأهم في قضايا الفساد والإصلاح
محمد جلال القصاص
الحياة في بعدها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ثمرة للتفاعلات بين الناس، فالعلاقات الطبعية بين الأفراد كأسرة أو جيران أو أصدقاء هي الحياة الاجتماعية، وتبادل السلع والخدمات بين الناس هو الاقتصاد، والعلاقات السلطوية بين الناس هي السياسة.
فالحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية انعكاس لحال الناس (الجماهير)، وتغيير الحياة الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية بخيرٍ أو شر يبدأ من الجماهير، أو يتوقف على الجماهير. فالأهم في الإصلاح وفي حصول الفساد هو حال الجماهير.
وتبرز في أطروحات المحللين، والناشطين قضية وعي الجماهير. والحقيقة أن هناك قضية أخرى لابد أن تسبق الوعي، وهي ترابط الجماهير. فلا يكفي فقط مجرد الوعي، ولكن لابد من التماسك والتلاحم بين الجماهير ثم الوعي.
ولتعرف أهمية التماسك والترابط بين الجماهير قبل الوعي، وأن قضية تماسك المجتمع هي الضمانة الأولى لحصول الإصلاح والقضاء على الفساد، دعنا نشاهد ميدان التحرير وهو ممتلئ بالجماهير الثائرة.
لا ينقص هؤلاء الوعي، فثمة وعي، بل وتعبير عن الرأي. بل وتضحية بالوقت والمال وربما النفس، ولكن: ميدان التحرير نقطة التقاء، وما بعد التحرير نقطة افتراق، لا يستطيع الحضور في ميدان التحرير أن ينصرفوا في اتجاه واحد، ببساطة لأنهم ليسوا نسيجاً واحداً.!!
كانت الجناية الأولى علينا هي تفتيت النسيج الاجتماعي.
عمل "المخالف" بكل أدواته على تفتيت المجتمع، فكان الفن يغرس في الناس أن زوجة الأب أو الإبن "الحمى" عدو، وأن العم آكل حق، وأن الجار يعشق بنت الجيران...
وعمل التعليم كآداة من أدوات تقسيم المجتمع، فكان لمن يستطيع أن يدفع، ثم عاد ثانية لمن يستطيع أن يدفع، بنشر الجامعات الخاصة وكليات الإنجليزي في الجامعات العامة. والدورس الخصوصية.
والكليات العسكرية لنوعية خاصة، أدت بالوقت لتركيز السلطة التنفيذية في أيدي قلة قليلة، ثم جاء المفسدون فاستعلوا، واستحوذوا على الأموال، وجعلوها دولة بين الأغنياء. ومن قبل قسَّم "المخالف" الأمة إلى كيانات صغيرة ( الأوطان)، وبث الفرقة بين أبنائها فاقتتل أبناء الأمة الواحدة على على حدود صنعها عدوها.
ولذا فإن القضية الأولى ليست الوعي، وإنما إعادة بناء المجتمع، ليكون كتلة واحدة تتحرك نحو هدفٍ واحد. وإن حصل فإن أحداً لا يستطيع أن يمسنا بسوء. أما قضية الوعي بالفساد فإن أقصى ما تفعله الجماهير المقسمة هو الثورة على الفساد ثم لا تسير في اتجاه واحد. ولذا لابد من العمل على محورين: تماسك جماهيري، ووعي بالقضايا. والجماهير المتماسكة واعية، ويصعب اختراقها أو إشاعة الظلم بين أفرادها.
وكيف؟
كيف نصل لجمهور متماسكٍ واعٍ يصعب التسلط عليه وظلم أفراده؟
الخطاب العلماني تقسيمي بطبعه، يجعل المجتمع فرقاً وأحزاباً... تكتلات متناحرة. ويمكن ملاحظة هذا الأمر بمشاهدة المجتمعات التي تنشط فيها العلمانية، وخاصة الرأسمالية، ووسِّع دائرة النظر ليدخل مجتمعات دول العالم الثالث التي تقبل العلمانية، فآلة العلمانية تجعل الناس ـ الذين تسيطر عليهم ـ : منتج ومستهلك. مصدر للموارد ومركز للإنتاج، وسوق للاستهلاك. ومن السلع ، السلاح، وهو أعلى السلع انتاجاً واستهلاكاً، والدواء، ويدخل ضمنه صناعة المرض (الحرب البيولوجية)، والمحافظة على الأمراض ليبقى سوق الدواء، والدعاية الإعلامية التي تجعل الناس يشترون ما لا يحتاجون بما لا يملكون (القروض)، وبذلك يصبح المجتمع مديناً، ومادياً لا يعرف ترابطاً أسرياً ولا علاقاتٍ اجتماعية. وتبدو المجتمعات الاوروبية والأمريكية في عافية كونها تظلم غيرها وتجعلها مصدراً للموارد وسوقاً للاستهلاك وتأخذها منها الموارد البشرية والمادية.
والحل في الخطاب الإسلامي، فكل التشريعات الإسلامية تدعوا للوحدة والتلاحم بين أفراد المجتمع.. عندنا بر الوالدين، والوصاية بالجار، والفقراء، والأيتام، وإعادة المريض، وصلة الرحم، فلا تكاد تجد فرداً في المجتمع في أي حالٍ وحيداً، أو لا يرتبط بغيره سائلاً عن حاله ومسئولاً عن أحواله أيضاً. ولذا فإن النجاة في بث خطاب الشريعة بين الجماهير لتتلاحم ، ومن ثم لا تُظلم من قبل الطواغيت. ولذا فإن الفراعنة لا يسودون إلا على مجتمعٍ مقسمٍ ، يستذل أفراده.