الجماعة العجيبة والأنصار الجدد!!

الجماعة العجيبة والأنصار الجدد!!

علاء سعد حسن حميده

باحث مصري مقيم بالسعودية

[email protected]

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم واصفا الأنصار: "إنكم لتكثرون عند الفزع، وتقلون عند الطمع[1] "الفائق في غريب الحديث للزمخشري. 3/115... وهذه صفة فذة مدهشة لا يطيقها إلا أولو العزم من المخلصين.. هؤلاء الذين يهبون نفوسهم وحياتهم جميعا لغايتهم الكبرى، والأنصار الذين باعوا كل ما يتعلق بهم لله تعالى استجابة لقوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }التوبة111،هكذا كانت حياتهم، يُدعون عند المكاره والشدائد والفتن فيثبتون ثبات الجبال، ثم يعودون يملأ قلوبهم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فلا يشاركون أهل الدنيا تكالبهم على منافعها – وإن كانت طيبة مباحة- هذا المعنى المذهل العجيب راودني بقوة وأنا أتأمل حال جماعة الإخوان المسلمين قبل ثورة يناير وبعدها- ويظل القياس بكل تأكيد مع الفارق فهو مقياس نسبي يخضع لطبيعة العصر والتاريخ-، فإذا برجال ثبتوا مع هذه الدعوة الربانية المباركة سنوات الشدة والقهر والفتن والمحن حيث لم يكن وراء الثبات على مبادئها ولا الالتزام بمناهجها ولا التمسك بالانتماء إليها سوى زنازين المعتقلات وساحات المحاكم العسكرية وقانون الطوارئ مسلط على رقاب أبنائها والتضييق عليهم ومحاربتهم في وسائل معيشتهم وأرزاقهم فتارة بالمنع الإداري المتعنت من وظائف بعينها وتارة بالتضييق عليهم في أسفارهم وتنقلاتهم حتى غدت رحلات تعبدية خالصة مثل العمرة والحج لبعض رموزهم تستوجب إذنا خاصا وموافقة أمنية وسياسية خاصة، عدا التشويه الإعلامي والإساءة المستمرة لمبادئهم وذواتهم!!

ولم يكن ما ثبت عليه هؤلاء الرجال في مختلف مستويات الدعوة المباركة ولا ما بايعوا عليه الله تعالى من تحمل المشاق والتبعات بدعا من الدعوات وإنما هو جزء من قانون رباني شامل يقرره في كتابه العزيز  {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ }البقرة214..

ثم تفجرت ثورة يناير المعلمة مؤذنة بزوال الظلم والظالمين، وتبوأت دعوة الإسلام في العصر الحديث بأجنحتها المختلفة – إخوان وسلف وجماعة إسلامية وجهاد – مكانتها الاجتماعية المرتقبة في مجتمع مصري عريق في تدينه وتمسكه بقيمه وأخلاقه، وزال الحظر السياسي والأمني عن الإخوان جماعة وحزبا، فإذا بثلة من رجالها الأوفياء الذين لم نسمع لأحدهم مطلبا ولا مطمعا خاصا، ولم نرًَ منهم تخاذلا أو تقاعسا زمن البطش والتنكيل، فإذا بهم يخرجون من تنظيم الجماعة معلنين عن تأسيس أحزاب أو جمعيات أو حملات لا ترتبط بالجماعة تنظيميا وإن كانت بالضرورة والمنطق ترتبط بمدرسة الدعوة التي هي دعوة الله وليست دعوة البشر لأنها فهم للإسلام بمنظور وسطي معتدل يقوم على التدرج التطبيقي والتربية القيمية ويسعى إلى النهضة الحضارية الكبرى.

هؤلاء الذين اختلفوا مع الإدارة التنظيمية للجماعة وأغلبهم رموز ملء السمع والبصر لو أرادوا مغنما أو مطمعا فلربما حققوا ذلك من خلال تلك الانفراجة الكبرى التي تعيشها الدعوة فأصبحت بفضل الله تعالى موضع ثقة شعب مصر الواعي الأصيل، إلا أنهم ينزوون عند مظنة المغنم- وإن كنا نؤمن بأن بلاء التمكين أشد وأصعب من بلاء الاضطهاد لقوله تعالى  {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ }الأنبياء35– فيؤسسون كيانات إدارية كل وفق رؤيته الإدارية تشكل معارضة بشكل ما لتنظيم الجماعة الأم، فيحملون هم وعبء التأسيس والإدارة من جديد ومن تحت الصفر .. حتى قال قائلهم مازحا: يبدو أننا وجه فقر ليس لنا في الرائجة ولا نجيد إلا ادوار الكفاح!!

أليس هذا هو قدر المدرس المعلم الذي يتخرج من بين يديه علماء ومفكرين ووزراء وأطباء وإعلاميين بينما هو فخور يواصل عمله في تخريج دفعات متعاقبة من هؤلاء المرموقين ممسكا بقلمه الذي يصحح لهم به المسار دون أن يعرفه أحد أو يأبه به أحد أو يذكره أحد؟!

فطوبى للمعلمين أصحاب الرسالات وطوبى لهؤلاء الأنصار الجدد الذين تخلقوا بأخلاق الأنصار دون أن ينتقص ذلك في نفوسهم من مكانة المهاجرين وفضلهم وجهادهم السابق واللاحق، وكأن دعوة أبي بكر الصديق رضي الله عنه التي أعلنها في مجلس الأنصار " منا الأمراء ومنكم الوزراء" تسري على الأنصار الجدد معلنة أن منا الوزراء والنواب ومنكم المعلمين ومصححي المسار الذين يقودون قيادة خفية فيؤثرون في التوجيه وصناعة العقل دون أن يُعرفُوا فيشُكروا أو يُذكروا فيُقدموا أو يأمنوا أن تصيبهم شماتة الشامتين ولا هجوم الصغار الذين لا يقيسون الأمور بمقياس المهاجرين والأنصار!!

[1] - الفائق في غريب الحديث للزمخشري. 3/115.