الحرية والموت والحياة
الحرية والموت والحياة
أشرف إبراهيم حجاج - إعلامي – القاهرة
زرت أحد الأصدقاء ومعي ابني الصغير إبراهيم ، وكان هذا الصديق مغرما بتربية أسماك الزينة في حوض زجاجي في حجم كرتين من كرات القدم،ومغرما كذلك بتربية طيور الزينة التي تسمى كناريا ، وبعضهم يسميها طيور الحب ( love birds ) .
وتشبث ابني بقفص الطيور وأخذ يصرخ : " بابا ... بابا ، أنا عاوز ده " فهدأه الصديق وأبدى استعداده للتنازل عن القفص الأنيق والطائرين الموجودين بداخله . فشكرت له هذا العرض الجميل .
وانطلقت أنا وابني إلى باب الخلق واشتريت له قفصا أنيقا به عصفوران من هذه العصافير ، وكان ابني سعيدا بهما وخصوصا إذا رآني أمد يدي في حذر من الباب الضيق من القفص وأضع لهما الحب والماء .
وذات يوم أراد ابني أن يقوم بهذه المهمة وفتح الباب عن أخره فانطلق الطائران بعيدا عن مسكننا ، وصرخت زوجتي ( الحق ... الحق يا أشرف ) . ولم أستجب لها لأني أعلم أن الطائرين مصيرهما إلى الغياب الأبدي بمخالب طيور إخرى، أو أيدي العابثين من الأطفال ، ولو فتحنا لهما قفصا بألف باب ما عادا إليه أبدا .
واستأنفت زوجتي حديثها المحترق " دي طيور مجنونة ... تسيب العز اللي هيّ فيه ، وتنطلق ليبتلعها الموت ؟ !! " .
**********
ولفتني الطائران إلى المعنى الذهبي الحاسم للحرية ، وأن الحرية غالية محبوبة ، حتى لو كان ثمنها الموت .
وتأملت ما قاله أبو بكر الصديق ــ رضي الله عنه ــ لخالد بن الوليد : " يا خالد ... أحرص على الموت توهب لك الحياة " .
وانتقلت بذهني أو بفكري إلى شباب ثورة 25 يناير 2011 ، الذين تركوا بيوتهم وطعامهم وشرابهم ، ووقفوا في ميدان التحرير تحت المطر والبرد القاتل والجو المتقلب : يهتفون للحرية ، وينادون بسقوط الاستبداد ، وحكم الفرد المطلق واستشهد منهم مئات ومئات فداء لهذا النداء الخالد ، الذي علم الشعوب الأخرى كيف تثور ، فدكوا عروشا لحكاما ظالمين ، ومازال الباقي في الطريق ، وأصبحت ثورتنا نموذجا حيا لكل شعوب العالم ، إنها كانت أعظم ثورة في تاريخ الأجيال المصرية كلها ، وقلت سبحان الله لقد تعلمت هذا المعنى بل رأيته بعيني في شكل طائرين صغيرين جميلين يتركان الطعام والشراب ، وينطلقان ــ من أجل الحرية ــ إلى الموت الذي يهب الحياة .