(مجلس الأمن) وقانون التمييز العنصري
(مجلس الأمن) وقانون التمييز العنصري!!!
زهير سالم*
ولدت عصبة الأمم من مخاضات الحرب العالمية الأولى، كان الإعلان الأولي عنها بخمسين دولة بحدود عام 1919..
بعد الحرب العالمية الثانية ومن عذاباتها، وعلى أيدي المنتصرين فيها كُتب ميثاق هيئة الأمم المتحدة. وكان مجلس الأمن من مؤسساتها. قيل يومها إن من واجبه حفظ الأمن والسلام العالميين، والدفاع عن حقوق المظلومين، والإشراف على نظام الوصاية بالنسبة للدول الموضوعة تحت الوصاية، وكذا قالوا إن من مهامه تنمية علاقات التعاون بين الشعوب.
وبينما كان باب الهيئة العامة للأمم المتحدة مفتوحا أمام الدول جميعا على السواء في العضوية وفي القرار؛ فإن الدول المنتصرة في الحرب الثانية وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفياتي وضمت إليهم ابتداء الصين الوطنية ثم انتقل التمثيل إلى الصين الشعبية، احتفظت لنفسها بالحق لتكون دولا دائمة العضوية في مجلس الأمن، ولتعطى عشرة مقاعد إضافية توزع دوريا على بقية دول العالم وفق آلية متفق عليها. ليكون عدد مقاعد هذا المجلس خمسة عشر مقعدا تتولى فيما زعموا حفظ السلام والأمن الدوليين..
لم تكن ديمومة العضوية هي الاستثناء الوحيد الذي تمتعت به الدول التي اعتبرت بمفهوم ما ( كبرى ) ، ومؤثرة في السياسات الدولية وفي حفظ التوازن الاستراتيجي، بل تمتعت إلى جانب هذا الحق بكون موافقتها الفردية شرطا لتمرير أي قرار دولي – غير إجرائي – يتخذ على مستوى مجلس الأمن. واعتبر اعتراض أي دولة من هذه الدول ولو وحيدة كفيل بإسقاط أي قرار مهما تكن عدالته ووجاهته..
ولقد عانى العالم ولاسيما الشعوب المستضعفة على مدى ستة عقود من تحكم دولة وحيدة بمصائر الأمم والشعوب. وكان العرب والقضية الفلسطينية بشكل خاص هي الأكثر تضررا من خلل هذا النظام المجحف وغير العادل...
ولكن إذا كانت الحرب الباردة التي حفظ هذا المجلس توازنات رعبها قد وضعت أوزارها منذ عشرين عاما فأي معنى يبقى في الحفاظ على هذه المؤسسة الدولية الهرمة؟؟؟
وإذا كان معيار الدولة الكبيرة والدولة المؤثرة معيارا متغيرا، وإذا كان العالم قد دخل الحرب العالمية الأولى وعلى خارطته امبراطورية ، كانت لقرن مضى من أوسع الامبرطوريات وأقواها هي الامبرطورية العثمانية على ما يقرر ( بول كيندي ) صاحب كتاب (نشوء وسقوط القوى العظمى)، ثم خرج العالم من تلك الحرب وقد انفرط عقد هذه الامبراطورية بددا..فإن المقياس نفسه قد انطبق على الامبراطورية السوفياتية التي انفرط عقدها حتى غدت تبيع قرارها بكيس قمح..
السؤال المطروح هل حقا أن الاتحاد الروسي اليوم هو نفسه الاتحاد السوفياتي بمبادئه ومساحته وسكانه وثقله؟ وإن لم يكن كذلك فبأي حق تتمتع روسيا الدولة المحكومة اليوم من مافيا حقيقية، ومن شخص مثل بوتين بحق النقض الدولي.
بل الأبلغ من كل ذلك إلى أي مدى ما زال ( مجلس الأمن ) بمقاعده الخمسة عشر، وبنظام الفيتو التمييزي المجحف صالحا في عصر العولمة ، والمسكونة الصغيرة، والإنسان في القطب الشمالي الذي يتواصل مع أخيه في القطب الجنوبي في حدث اللحظة أو في مشاعرها؟!
يقولون إن الديناصورات كانت في يوم من الأيام سيدة هذه الأرض، ولكن ما أن انتهى طورها حتى طوت أعلامها، لنتدفأ اليوم على بقايا عظامها..
أما آن لمجلس الأمن أيضا أن يطوي أعلامه. ولعل الإنسانية ستنظر يوما إلى هذه الحقبة وهذه المؤسسة كما ننظر اليوم إلى قانون التمييز العنصري....!!!
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية