إنه هو المشكلة 3
إنه هو المشكلة (3 من 3 )
محمد السيد
قال تعالى: ((وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)) الأحزاب: 58
1_ طغيان الهوى
إننا في زمان طغى فيه الهوى على الصدق، وانزلقت فيه الألسن إلى مهاوي البهتان والغيبة والافتراء، وبذلك ارتفع صوت المفترين، وخفتت أصوات المحقين وسادت البغاث على النسور، وارتفعت للهواة قامات، صنعت على عين المارقين. إننا اليوم لسنا بحاجة إلى قوالين غير فاعلين، إننا بحاجة إلى من يضع أسباب النصر على الطغاة الأفاكين في أكف الثائرين، إننا بحاجة إلى من يمسك لسانه عن قول الزور، يؤذي به المؤمنين الصادقين، الذين يتبعون الكلمة بالموقف الحق، مقدمين ما يحتاجه هذا الموقف من تضحيات وإقدام ميداني عملي، لا إلى من يريد رفع رأسه فوق الرؤوس ببضع كلمات تصوغها له إيحاءات فتنة القول والعمل، مستخدماً منهج الأذى للمؤمنين، ظناً من عند نفسه الأمارة أنه بذلك يعلو فوق الرؤوس.. كلا.. إنه الظن ((وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا)) النجم: 28، وها قد جاءت كلمات ربنا الغالية، لتصد الغي الذي يتجول به هذا المتقول المستكبر وأمثاله: ((وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)) الأحزاب:58
2_ كلمات المتقول
قال اللاذقاني فيما قال في مقابلته مع قناة العربية يوم الخميس8/9/2011م:
_ إن الشيخ القرضاوي يتخذ من الدين لافتة سياسية يتخفى وراءها.
_ إن هناك مشكلة قديمة خلاصتها أن الفقيه يقف عند الأزمات مع السلطان.
ومع أن كلماته هذه بادية الركاكة واضحة الافتراء، ينز منها طين الزور، محتشدة بحقد دفين، اختلط بجينات هذا المفتري وأمثاله من المزورين المستكبرين، إذ دفع هذا الحقد من صدورهم بفكر مريض، مصاب بداء مزمن من التبعية والتقليد الأعمى، والانتماء إلى بضاعة الآخرين، نبذاً منهم لخاصية أمتنا ولعناصر قوتها، ولأساسات نهوضها التي كانت دوماً تشكل أسباب الصحو والبناء الشامخ من جديد، أفلم يسمع هؤلاء بقول رسول الله صلى عليه وسلم: (( أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك)) رواه الترمذي وقال حديث حسن.
ثم ألم يسمعوا بالحديث الآخر الذي يقول: ((وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم)) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.فيذكروا ويتذكروا أنهم في طريق الزيف سائرون"... وأقول: إنه مع كل ما ذكرنا من زيف كلمات المستكبر، فإننا لا نقدم إلا على بعض التوضيح وليس الرد؛ لأن الرد يكون عادة على رأي ووجهة نظر لا على زيف وركاكة وهرطقة.
3_ توضيحاً وليس رداً
أ_ الشيخ القرضاوي قامة عالية غالية، لا تحتاج إلى دفاع من مثلي، فهو الذي ما قصر لحظة في موقف قولي أو عملي، يقف فيه مع كل ثورات شعوب هذه الأمة، المناهضة لطغيان حكامها ولتخاذلهم واستسلامهم لمناهج الأعداء، وكذلك لبيان فسادهم واستهتارهم بحقوق الأمة وإهدارهم لثرواتها وممتلكاتها وكرامتها. إن الشيخ ليس بحاجة إلى أن يتخذ من الدين لافتة، فهو الصريح الجريء، وهو الداعية الكبير، وهو الفقيه المستنير، وهو المرجع الفذ العصري الذي لا يتخفى ولا يخفي رأياً صحيحاً يراه في فهم نصوص القرآن والسنة والأخذ بما ييسر الأمور على المسلمين، ويفتح الآفاق للتعاون مع الآخر، دون تهاون ولاليّ ولا تقليد، وإني لأعجب من دونٍ يتصدى بالافتراء على رجل بقامة القرضاوي، الذي شهد له الأعداء قبل الأصدقاء بالنزاهة والوسطية والفهم العميق لعصره وحاجاته، والإدراك الفذ لمقاصد الشريعة وأولوياتها، وإنزال مناطاتها على واقع المسلمين اليوم.
ب_ ما بال هذا المستكبر مصراً على إبراز جهله بتاريخ الأمة وتاريخ نضال فقهائها ودعاتها..؟! ثم ألم يعلم أن الأمم جميعاً يظهر فيها الغث والسمين؟ وأيضاً ألم يعلم ابتداء أن الناس بمن فيهم الفقهاء ينتابهم أحياناً الضعف الإنساني، ومن ثم ليبرز فيهم أصحاب المواقف العالية الجريئة بالحق، بقامات استقامت على الحق، ووقفت للظالمين والعتاة المواقف المستنيرة العالمة بما يُصْلِح وما يَصْلُح؟
_ ألم يسمع أو يقرأ _وهو مدعٍ للثقافة_ عن أحمد بن حنبل ومواجهته للمأمون الخليفة العباسي الشهير، معرضاً نفسه حتى للقتل في سبيل بيان الحق والثبات عليه، داحضاً لمقولة خلق القرآن، تلك البدعة التي أذهب الله خطرها عن المسلمين بوقفة وثابة من هذا الفقيه الفذ؟
_ ثم ألم يسمع أو يقرأ عن موقف العز بن عبد السلام في مواجهة قطز، الأمير المملوكي الصارم في قضية جمع المال من الشعب، لتمويل المعركة مع التتار؟
_ وكذلك ألم يسمع عن وقفات الإمام النووي في مواجهة الأمير المملوكي (الظاهر بيبرس)، وهو من هو في الشهرة الحربية واسترداد بلاد المسلمين من الفرنج، وصدّ المغول عن غيهم؟
_ ثم ألم يسمع بوقفات السيوطي المترفعة عن هبات السلاطين وابتعاده عن بلاطهم، ووقفاته المستنيرة في وجه أخطائهم وخطيئاتهم؟
إن المجال لو اتسع، لملَأنا الصفحات بذكر وقفات الفقهاء الفذة في مواجهة التيارات المنحرفة من السلاطين وغيرهم، فإذا وجد هذا المستكبر بعض مواقف ضعيفة من فقهاء اغتروا بالدنيا، فإنه لا يجوز له أبداً أن يعمم القول: بأن الفقهاء كانوا يقفون مع السطان؛ فالتعميم مناط الانحراف بالقول وانهيار الادعاء،((أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ)) النساء:82 إنه هو وأمثاله المشكلة في عالمنا!!