من يعيد عصا الجد المسروقة إلى أصحابها
وطننا
زهير سالم*
( عصا الجد المسروقة ) الكناية هي من إبداع الشاعر التركي ( حكمت سلاملو..) في قصيدة قمت بتعريبها منذ سنين. القصيدة تختصر الجدل الدائر بين فرقاء من المعارضة السورية. كما تضع تقوم الموقف في حالتنا السورية بشكل دقيق. ( كل اللعبة على هذه الحبة ) تقولها العامة في بلدنا بلغة أخرى..
لماذا يصر الشعب السوري على الذهاب في مشروعه حتى النهاية؟ لماذا لا يقبل بمبدأ خذ وطالب؟ لماذا بعد عشرة أشهر من الثورة وما يزيد على عشرة آلاف شهيد لم تستطع المعارضة السورية أن تحقق من المكاسب ولو خاتما من حديد؟!
كل هذه الأسئلة يطرحها علينا إما متجاهلون للواقع الذي يرونه بأعينهم – ولا نريد ان نتهمهم بالقصور – وإما مراوغون يحاولون محاصرة مخالفيهم في مربع التعصب أو الجهل والعاطفية والانفعال..
الحقيقة التي يحاول عليها المتجاهلون والمراوغون أن يقفزوا عليها أن العصا التي استند عليها نظام ابن علي ونظام مبارك سنين طويلة لم تطاوعهما في الذهاب معهما في في طريق الدم كما يفعل هؤلاء الذين يساندون نظام بشار الأسد. هذا إذا افترضنا جدلا أن الرجلين الآفلين كانا فعلا في شراسة قرينيهما في ليبية أو في سورية..
من الأشد إثارة للاستغراب أن بعض المثقفين العرب لا يفتؤون يستحضرون الحالة اليمنية للتثريب على الجامعة العربية في إطار دفاعهم غير الخجول عن النظام السوري. وينسى هؤلاء أن نظام علي عبد الله صالح على تقلبه وتلونه لم يقتل من الشعب اليمني حتى الآن عُشر ما قتل من الشعب السوري. وأن الشعب اليمني شعب محافظ على نظامه الاجتماعي المترابط، وهو يملك السلاح الذي يدافع به عن نفسه فيما لو تمادى عليه الظلم فوصل إلى حد الانتهاك. حتى الجيش اليمني كان له موقف مختلف على أكثر من مستوى. أي أن عصا الجد لم تكن خالصة لعلي لا شية فيها.
إن من يتابع مستوى العنف والقمع والانتهاك في سورية، ومن يتابع مستوى التطاول حتى على أجساد الموتى والعبث بها ربما يدرك لو أراد حقيقة الشر الذي عشش وباض وفرخ في سورية منذ عقود.
ومن يتابع مستوى حديث بشار الأسد عن الإصلاح يدرك ، فيما لو أراد ، أن حديث بشار المختل عن الإصلاح يحتاج إلى إصلاح. وأن معركة الشعب السوري في حقيقتها، وربما هذا قدرنا تدور في إطار : نكون أو لا نكون..
بكل بساطة يدرك السوريون جميعا أن كل ما يمكن للنظام أن يقدمه تحت ضغط يوم الجمعة يمكن أن يسترده يوم الأحد. ما دامت عصا الجد، التي سرقها يوما فسرق بواسطتها كل شيء واستطال على كل شيء، بيده.
ونحن أيضا كنا نتمنى.... كنا نرجو.... كنا نأمل.... أن نجد طريقا نوفر فيه على شعبنا وعلى وطننا بعض الكلفة وبعض الدماء. العجيب لأننا لم نجد في هؤلاء الذين سرقوا عصا جدنا رجلا رشيدا يقول في موقف وطني أو إنساني لأمثال قتلة حمزة الخطيب: لا.
_____________
عصا الجد المسروقة
شعر : حكمت سلاملو
تعريب : زهير سالم
أنت الأخ الأكبر
وإن كنا قد ولدنا قبلك
ولكنك أنت الأكبر..
لأنك سرقت عصا الجد
ثم سرقت مهرة الجد
وامتطيتها وحدك
ثم سرقت كرم الجد..
ثم سرقت.. سرقت.. سرقت..
ثم سرقت نسب الجد..
وبقينا..
بلا مهرة.. ولا كرم.. ولا..
ولا.. ولا نسب..
لأننا بلا عصا..
تمنينا عليك عنقوداً من كرمك.. الذي هو كرمنا
قلت لا..
تمنينا عليك حبة تين من شجر زرعناه وسقيناه
قلت: لا..
تمنينا عليك أن نسير بركابك..
أن نمسك ذيل المهرة
أن ننعم بغبار حوافرها
قلت: لا..
وماتزال (لاؤك) تمتد محمولة على جناحي عصاك.. عصانا
حتى أزاحتنا عن مد بصرك
حيث امتدت مع بصرك عصاك
والآن..
نتوسل إليك أن تتركنا نغفو
في ظل حائط الكرم..
وأن تدعو لنا بسر عصا الجد
ألا نفيق..
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية