الثورة السورية وأسباب النصر
حسام مقلد *
صادمًا ومحبطًا كان الخطاب الرابع لبشار الأسد منذ اندلاع الثورة السورية المباركة، وليست الصدمة وليدة المحتوى المهترئ والبائس للخطاب، فهذا ما اعتدناه من الزعماء العرب ـ لاسيما قبيل سقوطهم ـ ولكن مبعث الصدمة والإحباط هذه المرة كان اللغة الفجة (بل الدموية...!!) التي استخدمها بشار في مخاطبة شعبه الأبي الشجاع الذي يقف بصدوره العارية في وجه بطش زبانية النظام وعصابات شبيحته رغم استخدامهم لأعتى أساليب القمع وأكثرها وحشية في العالم.
وبدلا من اعتراف الأسد بخطورة الأزمة التي تواجهها سوريا بسبب تعنته وعناده وجبروت نظامه، وبدلا من الإقرار بمسئوليته الأخلاقية والتاريخية تجاه شعبه في هذه اللحظة الحرجة ـ بدلا من ذلك كله راح يهدد السوريين ويتوعدهم بمزيد من المجازر وإراقة الدماء وإزهاق الأرواح، وفي نبرة متعالية ولهجة متعجرفة قطع بشار الأسد الطريق على أية حلول سياسية تحلحل الأزمة من مكانها، وبكل صلف وغرور رمى بالمبادرة العربية في وجه الجامعة بدولها وزعمائها وأمينها العام، وفي إفلاس شديد وكلام ممجوج أخذ يكرر أن سوريا تواجه مؤامرة كونية خطيرة يشارك فيها: الثوار والمعارضة السورية، ووسائل الإعلام العالمية، والقوى الدولية، بل والدول العربية كذلك!!
وهذا الكلام القميء المستهجن لا يدل على الإفلاس السياسي وحسب، بل له دلالته الأخطر إذ يظهر بوضوح شديد عدم جدية نظام الأسد وعدم رغبته في إيجاد أية حلول مقبولة للأزمة الراهنة في سوريا، وعدم استعداده لتلبية أية مطالب للثوار ولو في حدها الأدنى، وكل هذا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك على أن ما تقوم به الجامعة العربية من إجراءات وحوارات مع النظام في سوريا ما هو في الحقيقة إلا مضيعة للوقت، وكأن الجامعة بذلك تمنح بشارًا وزبانيته المزيد من الوقت لقتل السوريين، وتوفر له غطاءً ديبلوماسيا عربيا لارتكاب المزيد من الجرائم البشعة والمجازر الوحشية المروعة بحق شعبه الأعزل!!
ويبدو جليًّا أن نظام الأسد الفاشي لا يدرك أن الشعب السوري البطل لم يعد يرضى بالخنوع، ولن يقبل بالإهانة، أو يسكت على الظلم والقمع بعد الآن؛ لأنه بالفعل بات يفضل الموت على المذلة، وهذا ليس مجرد شعار يرفعه الثوار وحسب في مدن سوريا وشوارعها، بل هو قرار حاسم اتخذه السوريون، وليس أمام بشار سوى الاستجابة والرضوخ لهذا المطلب الشعبي الذي لا رجعة عنه أبدا.
والورقة الأخيرة التي يعول عليها نظام الأسد الفاسد هي ترويع الشعب السوري، وبث الفرقة والخلاف بين أبناء المجتمع ومكوناته الإثنية وطوائفه الدينية، وتخويف السوريين من بعضهم البعض، لكن كل محاولات تفتيت وتفكيك المجتمع السوري، على أية خلفية دينية، أو طائفية أو اثنية ستبوء بالفشل بإذن الله تعالى، وها هم الإخوان المسلمون في سوريا ـ وكما جاء في بيانهم الأخير ـ يؤكدون للعالم أجمع، وبشكل خاص للمراهنين على وحدة الشعب السوري في الداخل والخارج، ويشددون على أنهم جميعا: مسلمين ومسيحيين، سنة وعلويين ودروزا وإسماعيليين، عربا وكردا وتركمان.. شعب واحد، ومجتمع واحد، ومشروع وطني واحد؛ يسعى إلى الحرية وإلى الكرامة وإلى السلام والعدل.. ويرفضون كل أحاديث الحقد والثأر والانتقام والعصبية، ويعلنون تمسكهم ـ بكل إصرار ـ بمجتمع مدني واحد، وبدولة مدنية أساسها المواطنة، ويحمي القانون كل فرد فيها!!
ولم يعد مقبولا بتاتا أن يستمر النظام السوري في قتل عشرات السوريين الأبرياء يوميا، ولن ينجح في محاولات تضليل المراقبين العرب والتحايل على عملهم، وسوف تخفق بإذن الله كل خططه لشق صفوف المعارضة السورية وتأجيج الخلافات بين مكوناتها وأطيافها المختلفة، كل ذلك لن يفيده في شيء؛ فمن يحدد المسار الحقيقي للثورة السورية هو الشعب السوري نفسه برجاله وشبابه ونسائه وأطفاله، وليس هذا الطرف أو ذاك من أطراف المعارضة الرسمية في الداخل أو في الخارج.
وليس أمام بشار سوى الاستجابة والرضوخ لمطالب شعبه، لكن يبدو أن الرسالة لم تصله بعدُ، وكلامه الأخير أوضح دليل على أن ليس لديه ما يراهن عليه هو ونظامه سوى الوقت، غير أن الوقت ليس في صالحه، ولا خوف مطلقا من كلامه وصراخه وتهديداته، فهذا بالضبط هو ما فعله القذافي على مدى أشهر، وحتى قبيل سقوطه المدوي كان يهزي بأنه قادر على إنزال الهزيمة الساحقة بشعبه الثائر وبدول حلف الأطلنطي، وما هي إلا سويعات وسقطت طرابلس الغرب في أيدي الثوار، وهرب القذافي وزمرته مذعورين كالفئران، وبعد نحو شهرين فقط ألقي القبض عليه مختبئا كالجرذ في أنبوب للصرف الصحي، ثم لقي مصرعه بعد ساعات على النحو المخزي الذي شاهده العالم أجمع... ولا ندري أيحب بشار الأسد أن يلقى نفس المصير أم لا؟!!
إن الواقع يؤكد أن هناك تطورا جذريًّا وحاسما طرأ على السياسات والتوازنات الإقليمية والدولية بعد انطلاق الربيع العربي، ولا يمتلك نظام الأسد أي مساحة للمراوغة، ولم يعد لديه أي نفوذ هنا أو هناك، ولن تنفعه روسيا بحاملة طائراتها وبارجاتها الحربية وسفنها العسكرية، ولن تغني عنه الصين شيئا؛ إذ ليس في استطاعة أحد الوقوف طويلا في وجه مطالب الشعب السوري المسالم الذي يقاوم ببسالة نادرة طغيان هذا النظام المتوحش، والحقيقة التي يرفض بشار الاعتراف بها حتى الآن أنه في مواجهة فاصلة مع شعبه، وهذا الشعب لن يتخلى أبدا عن أهدافه مهما حدث، وحتى تنتصر ثورته، وتتحقق إرادته، عليه بعد التوكل على الله أن يوحد صفوفه، ويجمع كلمته، ويثق في إمكاناته وقدراته، ويطلب العون من الله وحده، ولا ينتظر شيئا من أحد!!
* كاتب إسلامي مصري