ليلة البناء ليلة الهدم

طه أبو حسين

[email protected]

تراهم منسجمين ،وكأنهم يعيشون الحدث بحذافيره . يتابعون تطورات المشهد بأدق تفاصيله ، لا يفوتون صغيرة ولا حتى كبيرة ، ومنذ القبلة الآولى ، تجد أجسادهم أينعت ،ولحظة اشتداد تلك المعارك حامية الوطيس يكونون كالبركان الثائر لا يميزون بين الجميل والقبيح ، فالجميع سواسية أمام بلوغ ذروة نشوتهم الجنسية ، وسرعان ما يثبط ذلك البركان لحظة انفجاره في الهواء المفرغ .

هذه هي البداية ، حائط صد منيع ، يباهي أقرانه بقوته ، ويرفع رأسه بين الناس فخرا لرجولته وفحولته الجنسية، ولكن ... . حينما يقدم على الخطبة ، تبدأ الهواجس بملاحقته في كل مكان وزمان ، في الشارع والبيت ، الليل والمساء ، بأنه لن يكون قادرا على إثبات رجولته ليلة الزفاف .

قلق يراوده ، لا ينفك عنه أبدا ، وبالعجز الجنسي يتهم نفسه عند مقارنتها بنشاط من شاهده عبر تلك الأفلام الأكثر إثارة ، بحيويتها وفنونها المتنوعة ، التي يصعب تنفيذها على ارض الواقع بهذه الطاقة الضعيفة التي تسكنه .ليبدأ التفكير حتى يخرج من هذا المأزق اللعين ، وحتى لا يقع فريسة تهرس بين أفكاك الآخرين ، فيجد السبيل لذلك في المنشطات الجنسية التي استلهم فكرتها من الأفلام الإباحية ، والتي تضفي النشاط الجنسي الكبير على متعاطيها ، فهي تعتبر المنقذ الوحيد كما يبدو له .

العد التنازلي بدأ ، وفي الوقت ذاته يبدأ تهيئة هذا العريس "الشاب" للقيام بكافة الفنون الزوجية "الجنسية " في ليلته الآولى ، يشاهد فلما أو أكثر من ذلك ، حتى يرسخ ما شاهده منذ أعوام طويلة، ويصبّ كل ما تعلمه من هذه الحركات والفنون في ليلة البناء " ليلة الدخلة " .

كدابة تدبّ بخطاها على الأرض وبأهازيجها الليلية تخيف الطير ، يقدم هذا الشاب على عروسه كما يقدم الحمار على حمارته ، لا همس بكلم الحب والغرام ، ولا حتى لمسة الأمان والحنان ، وبعيدا عن قبل الحمام ، يهمّ عليها كما الأنعام ، محاولا بكل جهد وإتقان ، أن يمارس كل ما شاهده من أساليب المعاشرة الجنسية بعيدا عن الطبيعة البشرية السليمة .

وقبل أن يمضي بنهاية ليلته الآولى ، يمضي حاملا بعروسه إلى المشفى ، لتلقي العلاج المناسب جرّاء ممارسته للجنس بطريقة وحشية ، تكون بأحيان كثيرة أكثر قوة وشراسة من الحيوانات .

هذه المنشطات " المنشطات الجنسية " المستوحاة من الأفلام الإباحية تأخذ الشباب إلى الجحيم الأسود ، فتأخذهم بالبداية إلى القلق والتوتر النفسي من عدم القدرة على ممارسة الجنس بالشكل الصحيح والمشبع لزوجاتهم على هاويات المشاكل الزوجية وتقلباتها ،من عزوف الزوج عن زوجه ،وعدم الاستقرار لحياتهما الزوجية، الأمر الذي ينعكس على أبنائهم هذا إن حصل إخصاب بعد تلك الممارسات الغير طبيعية للمعاشرة الزوجية .

فهذه المشكلات والتي تبدأ من غرفة النوم ،وتمتد في العادة إلى باقي المنزل وكافة نواحي الحياة الزوجية الأخرى ، وانعكاسها في مكان العمل والحياة الاجتماعية خارج البيت ،تعمل على تدمير العلاقات الزوجية ،وتساهم في شكل كبير في فتور العلاقة بينهما ،مما يؤدي ذلك إلى الانفصال في أحيان كثيرة ، أو إلى البقاء في حياة تسودها أجواء التعاسة والتقلبات والمشاكل فيما بينهما .

يرجع كل ذلك إلى الجهل في الثقافة الجنسية ،وكيفية ممارستها بالشكل الصحي ، ويعود سبب الجهل في هذه الثقافة من تلك الموروثات الاجتماعية الخاطئة ،التي تعمل جاهدة على إخماد وطمس هذه الغريزة بكافة السبل من خلال تلاشي الحديث عنها بحجة " العيب " .

"ثقافة العيب " والتي يحاول المجتمع عدم التطرق لها في أي مجلس كان ، سواء أكان ذلك في الأسرة أو المدرسة والأماكن التعليمية الأخرى ، لأنها تعتبر خارجة عن الأعراف والعادات والتقاليد ، وبالتالي فهي خارجة عن تعاليم الدين الإسلامي . مع العلم أن الدين الإسلامي لم يغفل أي جانب من جوانب الحياة ، فكما تطرق إلى الصلاة والزكاة والقتل والزنا تطرق إلى كيفية المعاشرة الجنسية في عش الزوجية . فجاءت الآيات القرآنية لتسرد الأدلة على المعاشرة الجنسية وأتبعت بالسيرة النبوية لتوضح الكيفية الأكثر سلامة ومتعة لكلا الزوجين .

يبقى ضعف الوازع الديني وعدم الالتزام بتعاليم الإسلام، والاقتداء بالموروثات الاجتماعية المجهلة للإنسان والميول لمتابعة تلك الأفلام الإباحية التي لا صلة لها بواقع الحياة الطبيعية بين الزوجين وتناول المنشطات الجنسية بأنواعها المختلفة هي الموجة العاصفة التي تتخبط بنا ما بين الأمراض النفسية تارة والأمراض الجسدية تارة الأخرى ناهيك عن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية .

في البيت عيب الحديث في ذلك ، وفي المدرسة تؤجل المادة الدراسية التي تتعلق بالثقافة الجنسية إلى نهاية الفصل الذي لا يأتي أبدا ، وفي المسجد لا يجوز تناول مواضيع حساسة كهذه لأنه خروج عن الدين ، فلا يبقى للشباب مكان يتعلمون فيه كل هذه الفنون سوى الشارع المأهول برفقاء السوء والقنوات الإباحية إلى جانب الانترنت . فهل سيبقى الآباء والأمهات ممتنعين عن الإجابة لاستفسارات أبناءهم فيما يخص الثقافة الجنسية ، أم أن الحال سيتغير ؟! وهل يبقى المدرسين في تأجيل دائم للمادة التي تتعلق بهذا المفهوم أم ماذا ؟! أم أننا سنبقى سائرين في درب الرذيلة بمشاهدة الأفلام الإباحية ، وتناول المنشطات الجنسية التي تهتك بأجساد الأزواج والتي ترمي بهم الى الأمراض النفسية والجنسية والصحية والاجتماعية وغيرها الكثير من الأمراض ؟! أم نعود لفهم الدين الإسلامي في هذا الخصوص حتى نتجنب كل تلك الأمراض ؟!